مصادفة كنت أطالع الكتالوج الشامل الذى أصدرته دار كريستيز للمزادات، أوائل العام الحالى، الذى كتبه كل من الخبيرة الفنية الفرنسية فاليرى ديدييه هس، والباحث الفنى المصرى الدكتور حسام رشوان، متسائلا: ألهذا الحد كانت الثقافة الفرنسية متوغلة فى وجدان المصريين فى أوائل القرن الماضى للدرجة التى جعلت الفنان الرائد «محمود سعيد» يكتب أرشيفه باللغة الفرنسية؟ ولم يكن الرد ببعيد، فعلاقة مصر بفرنسا «ثقافيا» لم تقف يوما منذ الحملة الفرنسية على مصر، التى جاءت بالمدافع والمطابع، ثم رحلت المدافع ولم ترحل المطابع.
توغلت الثقافة الفرنسية فى داخلنا إلى الحد الذى جعلها فى بدايات القرن الماضى وكأنها لغتنا ثانية، ولم يبتعد عن الحقيقة من يقول إن حب المصريين للغة الفرنسية كان ملازما لحبهم للثقافة بوجه عام، ففى فرنسا تعلم رفاعة الطهطاوى، الذى يعد فجر الوعى المصرى الحديث، وفيها تعلم طه حسين الذى يعد الأب الروحى للثقافة المصرية، وفيها تعلم لويس عوض حامل شعلة الثقافة المصرية بعد طه حسين وأكثر الآباء تأثيرا فى أدباء مصر فى الخمسينيات والستينيات، وفيها أيضا تعلم محمود سعيد ومحمود مختار، وكلاهما من أكبر رواد مصر فى التصوير والنحت، ولا ينسى المثقفون المصريون كيف وقف المفكرون الفرنسيون مع مصر فى أحلك أزماتها، وكيف كانت زيارة جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار فى الستينيات من أكثر المواقف الضميرية قوة ودعما لمصر، ولا أبالغ إذا قلت إنك لو فتشت فى عقل كل مثقف مصرى، ستجد فرنسا راسخة بجمالها وحيويتها وتمردها وشغفها وبريقها الذى لا ينطفئ.
من هنا كان لإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى أن عام 2019 سيكون عام الثقافة الفرنسية فى القاهرة من أهم أسباب البهجة فى تلك الزيارة، فقد آثار هذا القرار فى القلب شجونا وحرك ذاكرة من الوعى كانت راقدة راكدة، ومن المهم هنا أن نشير إلى أهمية هذه الخطوة فى سبيل استعادة الذاكرة الثقافية المصرية التى كادت أن تنقرض، ومن المهم أيضا أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى فى سبيل تعظيم الاستفادة من الموارد الثقافية المتاحة لدى البلدين، انطلاقا من يقين لا يقبل الزعزعة، هو أن الثقافة هى التعويذة السحرية الوحيدة القادرة على طرد شياطين الإرهاب.