أنا من المغرمين بمتابعة ما أسميه بـ«حالة الانكسار فى الرواية العربية»، وأقصد بها «الانكسار الجيلى أو المجتمعى»، الذى يأتى نتيجة الفشل فى تحقيق الأحلام الكبرى، التى تندلع ثورات أو تقوم معارك من أجلها، وفى ظل هذا الاهتمام قرأت «الحب فى المنفى» لبهاء طاهر، كتعبير عن حالة الانكسار التى حلت بعد رحيل جمال عبدالناصر يوم 28 سبتمبر 1970 و«واحة الغروب» التى جسدت الانكسار الذى حل لفشل الثورة العرابية، وروايات عبد الرحمن منيف التى تعبر عن مأساة الإنسان العربى فى البحث عن حريته، و«انكسار الروح» لمحمد المنسى قنديل، و«مراعى القتل» لفتحى إمبابى، وتجسيدهما للانكسار الذى حل بعد حرب أكتوبر 1973، فبينما قاتل أبناء البسطاء والفقراء العدو، حصد اللصوص والفاسدون الثمار.
من هذه الزاوية قرأت لكاتبنا وأديبنا الجميل علاء الديب، الذى رحل عن عالمنا أمس الأول، ووجدت فى ثلاثيته «أطفال بلا دموع»، و«قمر على المستنقع»، و«عيون البنفسج»، وقبلهم «زهر الليمون» حالة الانكسار التى أبحث عنها.
تقرأ ما يكتبه علاء الديب فى هذه الروايات، وكأنك تقرأ قصيدة شعر فى «زهر الليمون»، و«أطفال بلا دموع»، تجد شخصيات مشغولة بخلاصها الفردى، فبعد تجارب سياسية واجتماعية لأبطال الروايتين أدت إلى تعرضهم للخطر، أصبحوا مقتنعين بأن المال وحده هو الذى يؤمن لهم الحياة، ويسافرون إلى الخليج لتحقيق هذا الغرض، ويستكمل فى «قمر على المستنقع» ما بدأه فى «أطفال بلا دموع»، ويذكر القارئ بذلك باستهلال يكتبه فى أول رواية «قمر على المستنقع»: «هذه الراوية مأخوذة من الأوراق الشخصية للدكتور سناء فرج، أستاذة الجامعة السابقة، وطليقة الدكتور منير فكار، أستاذ اللغة العربية المعار فى جامعات الخليج، وقد سبق للدكتور أن حكى حكايتهما معا تحت عنوان «أطفال بلا دموع»، ويفعل نفس التذكير للقارئ فى روايته «عيون البنفسج»، ففى الصفحة الأولى للرواية يكتب: «تامر فكار شاعر مصر من مواليد 1975 بالسنة النهائية بكلية الآداب قسم الفلسفة، ولد فى الخليج، ابن منير فكار أستاذ الجامعة السابق (رواية أطفال بلا دموع )، والسيدة سناء فرج (رواية قمر على مستنقع)، هذه بعض اعترافاته وصور من حياته، أضاف إليها الكاتب أشياء قليلة من عنده.
تقودنا عملية التذكير فى الروايتين إلى أننا أمام عملية تتبع جيلى تبدأ من قصة جيل الأب والأم، ثم تأتى إلى قصة جيل الابن الذى ولد عام 1975، وإذا كان الأب والأم قد عاشا زمنا كان فيه تداخل بين العام والخاص، بدرجة جعلت الأحلام الوطنية الكبيرة التى جسدها جمال عبدالناصر بمثابة الحاضنة التى تعيش فيها الأحلام الفردية، فإن ابنهما «تامر» شاعر ولد فى زمن الضياع، الزمن الذى سادت فيه لغة الخلاص الفردى بامتلاك المال، والحصول عليه بأى وسيلة كانت، ويضع «الديب» منطقة الخليج بمثابة مكان اليسر الذى يأتى منه هذا المال، لكنه مصحوب بقيم جديدة وثقافة أخرى تطمس ثقافتنا، التى جعلت من مصر موديلا خاصا فى كل شىء، أثناء الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وهو الزمن الذى أطل منه «منير فكار» أستاذ الجامعة، وزوجته «سناء فرج».
لا تتحمل هذه المساحة سرد ما جاء فى الروايات الثلاث، لكنى أذكرها من بين ما قدمه عم علاء الديب من إبداع فى الكتابة، لأنها قامت بعملية غزو وجدانى لى، حين قرأتها فور صدورها بدءا من يوليو 1989 وهو التاريخ الذى صدرت فيه «أطفال بلا دموع»، ثم «قمر على المستنقع» فى أكتوبر 1995، و«عيون البنفسج» فى سبتمبر 1999، فليرحمه الله.