فُتِحت نافذة لإحلال السلام في الشرق الأوسط.. فلننتهز الفرصة!

أُنعِم على الجنس البشري بقدرة مدهشة على حل المشكلات. بعون الله تعالى، ليس هناك من أمر نعجز عن تحقيقه. لقد تمكّن العلماء من إيجاد علاجات شافية لأمراض كانت بمثابة حكم بالإعدام. وقدرتنا على تحويل الرياح والطاقة الشمسية إلى كهرباء أصبحت من المسلّمات، وكذلك تحويل مياه البحر إلى مياه صالحة للشرب، والتحدث وجهاً لوجه مع أشخاص على الجانب الآخر من الكرة الأرضية. ونجحنا أيضاً في تسوية أعتى النزاعات. مَن كان ليتخيّل أن ألمانيا واليابان يمكن أن تصبحا يوماً من أقرب الحلفاء إلى الولايات المتحدة أو أن المفاوضات قد تؤدّي إلى سقوط جدار برلين وتحرير الدول التي تدور في الفلك السوفياتي من الشيوعية؟ تجد البشرية دائماً سبيلاً للمضي قدماً في المسار نحو السلام، مع استثناء واحد – النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي يتوالى فصولاً بشكل أو بآخر، وتطول معه المعاناة منذ نشأة الكيان الإسرائيلي، مُلقياً بالملايين في أتون البؤس. لقد تسبّب هذا الوضع غير المقبول باندلاع حروب متسلسلة بين الإسرائيليين والعرب، وباءت المحاولات للتوصل إلى اتفاق بالفشل على الرغم من المساعي التي بذلها الوسطاء. عام 2000، كانت الدولة الفلسطينية على وشك أن تتحوّل واقعاً، غير أن التغييرات على مستوى القيادة في إسرائيل والولايات المتحدة، حيث ساهم الناخبون في وصول الصقور إلى مواقع السلطة، أحبطت مشروع الدولة. ومنذ ذلك الوقت، ظلّت كل الجهود التي بُذِلت في هذا الاتجاه مجرد محاولات رمزية. لقد تبدّدت آمال الفلسطينيين، ويخشى كثرٌ أن المجتمع الدولي قد تخلّى عنهم، وأن وسائل الإعلام التي أنهكتها المسألة الفلسطينية قد أشاحت بنظرها عنها. أناضل من أجل إخوتي وأخواتي الفلسطينيين منذ صغري عندما كنت أتوجه مسرعاً إلى المنزل للإستماع إلى الخطب الأسبوعية للرئيس جمال عبد الناصر التي كانت تُبَثّ عبر الإذاعة. كان الرئيس ياسر عرفات صديقاً شخصياً لي، وما زلت حتى يومنا هذا أفعل كل ما بوسعي للتخفيف من الأعباء المادّية عن كاهل الفلسطينيين الذين يعانون من العوز الشديد. غنيٌّ عن القول بأنني أرغب بشدّة في أن أشهد، خلال حياتي على هذه الأرض، على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، غير أن الواقع يُملي علينا أن البراغماتية هي التي يجب أن تسود في نهاية المطاف، بعدما أصبح هذا المشروع سراباً. لم أعد متمسّكاً بالمثاليات كما في السابق. لا فائدة من الأحلام غير الواقعية في حالة شعبٍ يتوق إلى مكانٍ حيث يستطيع العيش فيه بسلام والنمو والازدهار بكرامة. الحقيقة المؤلمة هي أن المقاومة ضد دولة نووية عسكريتارية لم تؤدِّ سوى إلى رد فعل همجي يشجّع قوة الاحتلال على الإمعان في ممارساتها. خلاصة القول، حان الوقت لتطبيق استراتيجيات جديدة تتطلب تفكيراً خلاّقاً وشجاعة من مختلف الأفرقاء. يجب فتح صفحة جديدة؛ وسجل نظيف حيث لا مكان لاستذكار الإجحافات السابقة. إنه الوقت المناسب لكتابة فصل جديد يشارك الإسرائيليون والعرب معاً في وضعه. "الإسرائيليون والعرب معاً"، العبارة بحد ذاتها قد يكون لها وقعٌ مزعج لدى عدد كبير من أنصار الإسرائيليين والفلسطينيين المتعنّتين في مواقفهم، لكن بما أننا أفرقاء النزاع، هل من سبيل آخر؟ إن كان هناك من سبيل آخر، أخبروني عنه. وفي هذا الإطار، أستشهد برئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحاق رابين الذي اغتيل بسب جهود السلام التي بذلها بالاشتراك مع عرفات، فقد قال: "السلام لا تعقده مع أصدقائك، بل مع أعدائك". ربما تتساءلون، لماذا الآن، في ظل وجود رئيس موالٍ لإسرائيل في البيت الأبيض، ورئيس وزراء متشدّد في إسرائيل؟ في رأيي، إما نقوم بذلك الآن وإما لن نقوم به أبداً. أولاً، سيشعر الرئيس دونالد ترامب ببهجة عارمة لأنه سيتمكّن من التبجّح بأنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي نجح في التوصل إلى اتفاق. ثانياً، والأهم، أعداء إسرائيل الألدّاء هم أيضاً أعداء جميع دول الخليج تقريباً وحلفائها العرب. من أجل مواجهة تلك التهديدات المتبادلة، يجب قيام تعاون بين البلدان المهدَّدة. فكما يُقال، عدو عدوي هو صديقي. هناك دولةٌ تُعتبَر، مع حلفائها وعملائها العلنيين والسريين، الداعِمة الأكبر للإرهاب في المنطقة وخارجها. تستلهم قيماً من القرون الوسطى؛ وتطمح إلى أمبراطورية على الطريقة العثمانية، وتبثّ أيديولوجيا مسمومة ورجعية. يُلحِق عدوانها الأذى بالعالم العربي، وترى فيها إسرائيل تهديداً لوجودها. من شأن التعاون الوثيق بين السعودية وإسرائيل على تلك الجبهة أن يضع حداً للأطماع الإيرانية ويكبح جماحها. لوّح العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز بغصن زيتون خلال قمة لجامعة الدول العربية في لبنان عام 2002، وذلك من خلال مبادرة السلام العربية التي قدّمت المملكة عبرها اقتراحاً راسخاً بالاستناد إلى حل الدولتَين. تركت إسرائيل العرض معلَّقاً. ربما لم يكن التوقيت مناسباً في تلك المرحلة. إن الخطوة التالية المنطقية الآن التي يجب أن تقوم بها إسرائيل هي الاعتراف بشرعية التطلّعات الفلسطينية عبر الموافقة على قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، أو في الحد الأدنى، العمل بجدّية وتفانٍ لتطبيق حل الدولة الواحدة. ينبغي على الطرفَين الإسرائيلي والعربي تقديم ضمانات أمنية مدعومة من الولايات المتحدة. قبل بضعة أيام، صرّح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي إيزنكوت، لموقع "إيلاف" الإلكتروني الناطق باللغة العربية، أن إسرائيل جاهزة لتبادل المعلومات الاستخبارية مع الدول العربية "المعتدلة" على غرار السعودية من أجل ردع طهران التي اتّهمها بـ"السعي إلى السيطرة على الشرق الأوسط..." وشدّد في هذا الإطار: "يجب أن نمنع ذلك من الحدوث". أشاطره الرأي تماماً، إنما في غياب رؤية محدّدة لتحسين حياة الفلسطينيين، سوف يولّد توطيد العلاقات مع إسرائيل مشاعر متناقضة لدى القادة العرب والشعوب العربية. مما لا شك فيه أن التخلّي عن أرضٍ معظم سكّانها من الفلسطينيين ثمنٌ صغير نسبياً مقابل إرساء سلام دائم مع العالم العربي بكامله تقريباً، الأمر الذي من شأنه أن يحقق منافع اقتصادية وديبلوماسية واجتماعية جمّة للدول المشارِكة كافة. البديل الوحيد هو قيام دولة واحدة حيث يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنباً إلى جنب ويتمتعون بحقوق متساوية. أخيراً، أودّ أن أذكّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن النافذة نصف المفتوحة التي تتيح فرصةً لإنهاء التشنّجات المستمرة منذ عقود يمكن أن تنغلق بالسرعة التي فُتِحت بها. هذه الفرصة ظهرت نتيجة التقاء ظروفٍ تفرض على الإسرائيليين والعرب العمل لإحباط المخططات الشائنة التي يحوكها عدوٌّ مشترك. سيد نتنياهو، هذه فرصتك الوحيدة لتصنع التاريخ ليس فقط كإسرائيلي محب لوطنه إنما كصانِع سلام، وكرجل قادر على التحلّي بالواقعية بما يصب في مصلحة شعبك وشعوبنا. فلنضع كراهيتنا ومخاوفنا جانباً لنحقّق الحرية لأجيال الفلسطينيين فيما نلحق الهزيمة بمَن يسعون إلى إلحاق الضرر بنا. أنصحكم، كخطوة أولى، بمقاربة القيادة السعودية والدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، على غرار الإمارات العربية المتحدة والبحرين، بعزمٍ صادق. إذا فعلتم ذلك، فأنا على يقين من أنكم ستجدون أرضية خصبة يمكن أن تُزرَع فيها بزور السلام الأولى. تحلّوا بالشجاعة الكافية للقيام بقفزة نحو الأمام. اصنعوا إرثاً يمكنكم أن تعتزّوا به لصون أجيال المستقبل من الإسرائليين والدول العربية.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;