أثار حوار عماد أديب مع الإرهابى الليبى ضجة وجدلا ونقاشا بين مؤيد ومعارض، واستند كل فريق إلى انطباعات وأحكام ذاتية تسعى لتحقيق مصالح سياسية أو مهنية أو تصفية حسابات، وكان أغرب ما فى هذه الضجة الادعاء بوجود بحوث مشاهدة وأرقام رسمية!! وتحليل مضمون لتعليقات الجمهور على بعض وسائل التواصل الاجتماعى تشير إلى إعجاب أو رفض الأغلبية عن ما جاء فى الحوار مع الإرهابى.
ومن المعروف أنه لا وجود فى مصر لمسوح علمية موثوق بها لمعرفة نسب المشاهدة ومدى رضا أو رفض الجمهور لهذا الحوار أو غيره من البرامج، لذلك فإن الدرس الأول لما بعد ضجة الحوار مع الإرهابى هو الحاجة الماسة والسريعة لقيام المجلس الأعلى للإعلام بالسماح بتأسيس شركات ومراكز بحوث وطنية لبحوث المشاهدة، تعمل وفق ضوابط ورقابة من المجلس الأعلى للإعلام ومن المجتمع المدنى، ولاشك أن هذه الخطوة مهمة لحماية وتطوير صناعة التليفزيون، وصناعة الإعلان.
إن شركات بحوث المشاهدة ستضع نهاية لادعاءات وأكاذيب كثير من القنوات وكثر من مقدمى ومعدى البرامج بشأن تفوق وجماهيرية ما يقدمونه للجمهور، كما ستضع المعلنين على أرضية صلبة من الحقائق والمعلومات التى ستمكنهم من توجيه إعلاناتهم بشكل صحيح يتفق مع خطط التسويق لديهم.
الدرس الثانى هو منع ظهور الإرهابيين فى وسائل الإعلام لكى يتحدثوا عن أفكارهم المتطرفة وسلوكهم المنحرف والبعيد عن الإسلام والأخلاق والقيم الإنسانية، لأن منح هؤلاء فرصة للظهور فى الإعلام تعنى السماح لهم باستغلال الإعلام لصالحهم فى مخاطبة مؤيديهم وأنصارهم وهم أقلية فى المجتمع.
لكن الخوف من أن يطال تأثير حديث الإرهابيين بعض شرائح الجمهور من الشباب الرافض وغير الواعى الذى يبحث عن نموذج للتمرد أو المغامرة، فربما ستجد الشرائح الرافضة فى ظهور الإرهابى على الشاشات تجسيدًا ما لبطولة أو مغامرة.
كما قد تجد فى كل ما يقوله شجاعة، لأن ما يقوله غريب، لكن صاحبه متمسك به رغم المخاطر التى تهدد حياته. وربما يتأثر البعض بهذه الأفكار ويبحث عنها على الإنترنت وتبدأ رحلته إلى التطرف والإرهاب.
القصد أن السماح بظهور الإرهابيين فى الإعلام يمكنهم من الدعاية لأنفسهم ونشر أفكارهم، وهنا قد يصرخ البعض بأن عديد من القنوات التليفزيونية الأمريكية والأوربية أجرت حوارات مع الإرهابيين، أشهرها حوار CNN الشهير مع بن لادن، لكن هذه الحوارات جزء من الماضى، وحدثت وقبل توحش وانتشار الإرهاب وتحوله إلى ظاهرة عالمية.
وقد شهد العالم تغيرات كثيرة كشفت عن مخاطر ولا مهنية ولا أخلاقية تلك الحوارات، لذلك توقف الجميع عنها ما عدا الجزيرة التى تعمل فى خدمة الإرهاب، حيث أجرت حوارات مع بن لادن والظواهرى وأبى محمد الجولانى قائد «جبهة النصرة لأهل الشام»، وغيرهم من الإرهابيين.
الدرس الثالث أن منع الإرهابيين من الظهور فى الإعلام لا يعنى حجب المعلومات عن الجمهور لأن من حقه التعرف على أفكار ومواقف الجماعات الإرهابية، ولكن من خلال إعلام لديه مسؤولية اجتماعية ووطنية، يقدم أخبارًا وإفادات صحفية دقيقة، تعرض أفكارهم وتناقشها بدقة وموضوعية، واستنادا إلى صحيح الإسلام.
وهنا لابد من التذكير بأهمية السرعة فى نقل الأحداث الإرهابية وما دار فيها، وحصيلة القتلى والجرحى، ومن الأفضل دائما أن تكون الأجهزة الرسمية صاحبة الرواية الأولى للأحداث شرط أن تكون دقيقة وصحيحة، لأن التأخير كما أثبتت التجارب يؤدى إلى الغموض ومن ثم ظهور وانتشار الشائعات.
والثابت أن تكذيب شائعة يحتاج إلى جهد كبير فى ظل تراجع ثقة قطاعات واسعة من الجمهور فى الإعلام الرسمى، واعتمادهم على وسائل التواصل الاجتماعى والاتصال الشخصى المباشر.
الدرس الرابع والأخير هو عدم نشر صور القتلى والجرحى فى العمليات الإرهابية سواء كانوا من الإرهابيين أو من ضحايا الإرهاب أو رجال الشرطة والأمن، فصور القتلى والدماء لا تسمح بها مدونات السلوك الإعلامى فى العالم، لأنها تصدم المشاعر الإنسانية، كما تعود الجماهير على السلوكيات العنيفة ومناظر القتل، وهو ما قد يشجع على استهانة بعض شرائح الجمهور بالروح الإنسانية.
أخيراً تجدر الإشارة إلى أن هناك قواعد أخرى للتغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية، لكن لابد من اتفاق كل وسائل الإعلام المصرية على العمل بها، من خلال مدونة سلوك يشرف على تنفيذها المجلس الأعلى للإعلام، بحيث يحاسب المخالف لها، لكن قبل ذلك كله لابد من وجود استراتيجية إعلامية وطنية تحدد الرؤية والأهداف للمنظومة الإعلامية، ولكيفية التعامل مع الإرهاب والإرهابيين، لأن وجود هذه الإستراتيجية ضرورة قبل التفكير فى وضع مدونات سلوك وقواعد للعمل الإعلامى.
وعلى المجلس الأعلى للإعلام أن يبادر بطرح مثل هذه الاستراتيجية لحوار مجتمعى، وأن يركز على هذه المهمة بدلا من ترك الأداء الإعلامى للعشوائية والتخبط والموسمية، واللامهنية، وبدلا من ضخ استثمارات فى قنوات تليفزيونية جديدة لم تنجح حتى الآن فى التأثير فى الرأى العام بما يساوى قيمة ما ينفق عليها.