«يا زهرة المدائن... يا قدس يا قدس يا قدس لأجلك يا مدينة الصلاة أصلى... الغضب الساطع آتٍ الغضب الساطع آتٍ الغضب الساطع آتٍ وأنا كلى إيمان.. لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلى، سأدق على الأبواب وسأفتحها الأبواب... البيت لنا والقدس لنا... وبأيدينا سنعيد بهاء القدس» كلمات مؤثرة أنشدتها فيروز وألفها الأخوان رحبانى عقب نكسة 1967 خطرت فى ذهنى عقب إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة إسرائيل، ذلك القرار الذى يعد نكبة جديدة فى تاريخ العرب والقضية الفلسطينية، إنها نكبة 2017، استكمالا للمؤامرة الصهيوأمريكية التى تستهدف تدمير الوطن العربى وتقسيمه إلى دويلات بعدما نجحت فى إشعال الحروب والصراعات الدموية فى سوريا وليبيا والعراق واليمن ولبنان والسودان وغيرها.
فقد استغل ترامب هشاشة الدول العربية وضعفها وسرطان الانقسام الذى يتفشى فى شرايينها، لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو يدرك أن العرب محترقون فى نيران تنظيم داعش الذى خلقته أمريكا لضرب استقرار الشرق الأوسط، كما أنهم ضائعون تحت سطوة الجهل والفقر والفشل.
تلك المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية الخبيثة لتمزيق العالم العربى وتكسير عظامه أدركتها مصر فلم تُمس بسوء كما حدث مع أشقائنا فى دمشق وبغداد وطرابلس، ومن ثم سعت جاهدة إلى لملمة جراح العرب، فلعبت دورا رياديا فى احتواء الأزمة الليبية ووقف إطلاق النار فى دمشق وتضميد جراحات الانقسام الفلسطينى الذى دام 10 سنوات، ذلك أنها شددت على ضرورة تحقيق المصالحة فى الأراضى المحتلة، ونجحت فى إعادة ترتيب البيت الفلسطينى مع توقيع الاتفاق التاريخى بين فتح وحماس، أضف إلى ذلك تأكيدها مرارا وتكرارا على أهمية الوحدة لمقاومة مخطط الخراب الصهيوأمريكى الذى نُفذ بحذافيره، فجرأ ترامب على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
اليوم..انتفض العالم أجمع ضد أمريكا وإسرائيل وتوالت ردود الفعل الغاضبة من مشارق الأرض ومغاربها، وضاقت الأرض على العرب بما رحبت، إلا أن الغضب الدولى الرسمى بكل أسف اقتصر على الشجب والإدانة فحسب كالعادة، ولم يأتِ بخطوات حازمة ضد الدولتين اللتين تسعيان فسادا فى كل فج عميق، وأبسطها قطع العلاقات الدبلوماسية معهما لمخالفتهما القرارات الدولية التى حظيت بتأييد الجميع.
فهناك ما يزيد عن 60 قرارا دوليا صدروا منذ عام 1947 حتى 2016 من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن واليونسكو والمجلس الأوروبى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وتجريم الانتهاكات الصهيونية ضد الفلسطينيين وللتأكيد على "عربية القدس"، لاسيما قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 الذى شدد على الانسحاب من الأراضى التى احتلت فى 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية، والقرار 478 لعام 1980 حول رفض قرار الحكومة الإسرائيلية بضم القدس واعتبارها عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، وقرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016 بشأن عدم اعتراف المجلس بأى تغييرات تجريها إسرائيل على حدود عام 1967 ومن ضمنها القدس بغير طريق المفاوضات، والأسئلة البديهية الآن لماذا لم تلتزم كل من واشنطن وتل أبيب بهذه القرارات؟ وما رد مجلس الأمن والأمم المتحدة على تجاهل قراراتهما؟ ومتى نرى التزام دولى حقيقى بهذه القرارات؟
تلك الخطوة المفزعة التى اتخذها ترامب تستدعى عقد قمة عربية طارئة على مستوى الرؤساء، ومؤتمر دولى بمشاركة زعماء العالم، وعلينا أيضا أن ننحى خلافتنا جانبا وتوحيد صفوفنا لمجابهة ذاك الطغيان الفاشى، والتشبث بعروبة القدس عاصمة فلسطين الأبدية ومقاومة الاحتلال الصهيونى بشتى الطرق، فهل نستطيع فعل ذلك؟
إننا فى حاجة ماسة وضرورية إلى فض الخلافات الداخلية فى بُلداننا وتوحيد صفوفنا لفتك شبح الانشطار العربى والقضاء عليه قضاء مُبرما، فالحل الوحيد لإعادة القدس فى أحضاننا، والنجاة من غدر الصهاينة وألاعيب الأمريكان، تعزيز تكاتف الأمة العربية.. فتوحدوا يرحمكم الله.