أعلن ترامب يوم الأربعاء 6/12/2017 فى يوم سيضاف إلى أيام التاريخ الأغبر من تاريخ العرب والمسلمين والمسيحيين وكل العالم الحر نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، مع العلم أن هذا القرار هو تنفيذ لقرار من الكونجرس الأمريكى فى 1995 يعطى الرئيس الأمريكى الحق فى نقل السفارة أو تأجيل هذا النقل كل ستة أشهر فلماذا كان قرار ترامب الآن؟
لا شك أن هذا القرار بالرغم من أن ظاهره هو تنفيذ أحد وعوده الانتخابية، فهذه ليست المرة الأولى التى يعد فيها مرشحو الرئاسة الأمريكية بنقل السفارة، ولذا فهناك ظروف وعلامات وقراءة للواقع العربى والإسلامى، بل والعالمى رصد جيدا أى ردود أفعال من أى جهة، بل من كل الجهات حتى أن الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض أعلنا بعد القرار وبعد تلك المظاهرات التى قامت فى فلسطين وحتى يوم السبت الماضى أن ترامب يدرك جيدًا حدود رد الفعل، ويؤكد صحة القرار، بل قد اعتبر أن هذا القرار قد تأخر كثيرًا.. فماذا يعنى هذا؟
يعنى أن القرار لم ولن يكون قرارًا فرديًا من عنديات ترامب.. ولكنه هو قرار الإدارة الأمريكية جميعها، فالقرار وما سيتتبعه والمقصود بأهدافه ونتائجه مقصودة ومطلوبة، فالواقع الآن يقول إن أمريكا لم تعد أوضاعها فى المنطقة بذات الصورة، فروسيا قد أعلنت بكل فخر انتهاء الوجود الداعشى فى سوريا كانتصار أكيد لروسيا، الشىء الذى أعاد وجودهما فى المنطقة بقوة بعد القاعدة الجوية والبحرية فى حميميم واللاذقية، وبعد ترتيبه كثيرًا من الأوراق مع تركيا وإيران.. كذلك فقد أعلن العراق انتصاره على داعش وخروج العراق من الباب السابع للأمم المتحدة بالتعاون والتنسيق مع إيران، وهناك الصين ذلك العدو الاقتصادى ذات القوى الناعمة قادم بقوة إلى أوروبا فى الوقت الذى استحوذت فيه أمريكا على التصدى لحل المشكلة الفلسطينية بعد انتهاء دور الرباعية الدولية فى الحل، وهذا يظل فى إطار العلاقة بين أمريكا وإسرائيل ليس كمندوب دائم فى المنطقة لحماية المصالح الأمريكية، وليس باعتبار أمريكا الوريث الاستعمارى بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن وهو الأهم تلك العلاقة السياسية التى تعتمد على رؤية دينية يؤمن بها، بل اخترعها وسوقها اليمين المسيحى البروتستانتى مع الصهونية الذى يعرف بالاختراق الصهيونى للمسيحية استغلالًا للدينى لصالح السياسى، تلك النظرية التى ظهرت وسوقت منذ الصراع السوفيتى الأمريكى فى عهد ريجان، وهى ما يسمى بعقيدة الحكم الألفى، هنا تريد أمريكا وترامب إحداث نقلة نوعية فى المنطقة، فى إطار وعلى أرضية ما يسمى بحل القضية الفلسطينية التى أعلن عنها ترامب بعد وصوله للرئاسة تحت شعار صفقة القرن، وكلمة صفقة هنا لم تأت اعتباطا، ولكنها مقصودة، والصفقة المقصودة هى صفقة رابحة لإسرائيل وأمريكا وإلا كان بدلا من صفقة يكون حل القضية وما ظهر من هذه الصفقة هو تشاورات على أعلى مستوى بين ترامب وكثير من الزعامات العربية فى أمريكا مع مصر والسعودية والأردن وفلسطين والإمارات.
ناهيك عن ترديد ما يسمى بالوطن البديل للفلسطينيين فى سيناء، ولكن جاءت الأمور غير ما يأملون، حدث الخلاف القطرى الخليجى فتغيرت بعض الأوضاع بانضمام تركيا وإيران كقوتين إقليميتين لقطر.. ولعبت أمريكا وأوروبا دورًا مائعًا، نظرًا للاستثمارات القطرية فى كل منهما. فى الوقت الذى رفضت مصر فيه بشكل قاطع أى حديث عن هذا الوطن البديل كما أن الحديث عن استعمال تعبير صفقة قد أصبح ممقوتًا فى ظل هذا كان ترامب بأسلوب رجل السوق الذى لا يعرف غير المكسب قد استحوذ على الكثير والكثير من دول عربية تحت بند شراء السلاح الذى لا يوجد ما يبرره حسب إمكانات الدول المشترية والبند الأهم هو حماية هذه الدول من الخطر الإيرانى، فى ظل هذه العلاقة العربية الترامباوية وفى ظل علاقة الزواج الكاثوليكى بين أمريكا وإسرائيل إضافة وهو الأهم لهذا الواقع المتردى الذى يتم فيه قتل العربى لأخيه العربى والمسلم للمسلم، وذلك الصراع المعلن الموجود بين السنة والشيعة غير صراع الطوائف والأجناس، ناهيك عن هذه الفوضى المقصودة أمريكيًا فى العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان، إضافة إلى تلك المحاولات الدائمة ضد مصر كل هذا فى إطار ذلك الإرهاب الممول مخابراتيًا ودوليًا بما يعنى أنه لن يمر بعيدًا عن تلك القوى الاستعمارية.
فى إطار هذا الواقع تصبح طبيعيًا معرفة ردود الأفعال خاصة من الأنظمة والحكام العرب، أما الشعوب العربية فهى دائمة النسيان السريع، فردود الأفعال معروفة والنتيجة معلنة مسبقًا هذا كان عاديًا أن يكون قرار القدس عاصمة لإسرائيل فلا جديد، فالواقع يقول إنها عاصمة لإسرائيل والواقع والحقائق تجزم بانتهاك أمريكا للقانون والشرعية الدولية والتاريخ يثبت مئات القرارات من مجلس الأمن والأمم المتحدة والجامعة العربية والإسلامية والأمريكية بلا فائدة. والانتفاضات الفلسطينية لا تجد سندًا حقيقيًا أو ظهرًا فعليًا من الأنظمة العربية.
فلا حديث عن قرارات من أى مكان، فهناك 27 قرارا من منظمات دولية تؤكد أن القدس فلسطينية.. وطوال الوقت لا نملك غير الشجب والاستنكار والآن حتى هذا لم يعد ذات فائدة بعد الربيع العبرى.. الأمل والحل فى تعاون الشعب الفلسطينى الذى يقاسى ويعذب ويحاصر ويعانى طوال الوقت. المقاومة هنا سلاح مشروع وليس إرهابًا، المقاومة طريق لاستمرارية القضية، المقاومة فى إطار أن القضية إسلامية ومسيحية ودولية بعيدًا عن محاصرتها فى إطار الأسلمة، المقاومة لابد لها من إبداع طرق وأساليب تتوافق مع الواقع المحلى والعالمى، فلا يضيع حق وراءه مطالب.. وإرادة الشعوب مهما طال الزمن ومهما قسى الدهر هى المنتصرة دائمًا فالأشخاص زائلون، أما الحق باق ولا يصح إلا الصحيح.. ومن يرضى بظلم الآخر فلابد له أن يقاسى الظلم ولو بعد حين.. نصر الله الشعب الفلسطينى الحر.