سجن أحمد ناجى دليل تخلف
دعنى أولا أحدثك عن أحد أحلامى البسيطة، فقد حلمت منذ أكثر من عشرين عاما ألا أتذكر تلك الأبيات الشعرية التى تسب الجهل والجهلاء وأن أنساها إلى الأبد، وهذا بالطبع يتطلب ألا يأتى موقف ليستدعى هذه الأبيات، وهذا للأسف ما لم يحدث طول تلك السنوات الطوال.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقى: «إنى نظرتُ إِلى الشعوب فلم أَجدْ/ كالجهل داءً للشعوب مُبيدا» ويقول أبوالطيب المتنبى: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم»، أما أبو العلاء المعرى فيصفنا قائلا: «ما أجهلَ الأمَمَ، الذينَ عرَفتهُمْ/ولعَلّ سالفَهُمْ أضلُّ وأتبر»، وللأسف فقد أتت كل هذه الأبيات الشعرية الخالدة على ذهنى وأنا أتابع حالة الهياج الجهول التى انتابت البعض مهاجمين رواية «استخدام الحياة» للكاتب الشاب «أحمد ناجى» التى صدر بسببها حكم من المحكمة بسجنه عامين، ويمكث الآن فى الحبس تنفيذًا لهذه العقوبة التى تضعنا باستحقاق فى عصور الجهالة والتخلف.
هم يريدون أن ينافقوا السلطات التى سجنت أحمد ناجى متشحين بوشاح الفضيلة ومعتبرين أن ورود لفظ أو لفظين فى رواية أمر يستوجب المحاكمة والعقاب والسجن، غير مدركين أن تلك الألفاظ وردت فى رواية، وأنها جاءت على لسان إحدى شخصيات الرواية، وأنه لو كان هناك أحد يستحق السجن فإن هذا «الأحد» ليس كاتب الشخصية بالطبع وإنما «الشخصية نفسها» فليخرجوا الشخصية من بين صفحات الرواية ويسجنوها أيضا إن كانوا قادرين.
الجاهلون «يبرطعون» فى المجتمع المصرى متخيلين أن دفاعهم عن «الفضيلة» سينسينا أنهم حراس الرذيلة ومحترفو انتهاك الحرمات الشخصية فى المجتمع المصرى وأمام شاشات الفضائيات وليس فى عمل روائى له سياقه وله ظروفه الخاصة، وناسين أن للفن قوانين خاصة ترصد القبح أحيانا وترصد الخروج على الأعراف الاجتماعية أحيانًا، وأن عيون الفن العالمى كلها «خدشت حياء» البعض، لكنها فى النهاية أيقظت وعى أمم وحفظت لنفسها مكانا خالدا فى الوجدان العالمى تماما كما صنعت لوحات عصر النهضة العارية، وتمثال النبى داود لمايكل أنجلو، وروايات «ألف ليلة وليلة» وأبيات شعر المتنبى وأبو نواس ودوقلة المنبجى.
يصرخون ويصيحون «اقتلوا أحمد ناجى لأنه تلفظ بالألفاظ الخارجة، غير مدركين أن هذه الألفاظ تملأ تراثنا الأدبى والإسلامى على وجه التحديد، ومن لا يصدقنى فليطالع الأحاديث النبوية التى رواها الإمامان مسلم والبخارى، ومنها حديث «اعضض هن أبيه» وحديث «امصص بظر اللات»، وكل من اللفظين «هن، وبظر» من الألفاظ الجنسية الصريحة، ولا يفوق هذين الحديثين فى «الصراحة» سوى حديث البخارى الوارد فى الجزء السادس من الصحيح ص: 2502 الذى يذكر فيه الراوى صراحة الاسم «العامى» للعملية الجنسية، فإن كانت هذه الألفاظ تستحق السجن فلماذا لا نحرق تراثنا كله، ولماذا لا نسجن رواة الأحاديث بالمرة؟