فى كتابها ( تصبح كاتب) أو becoming awriter دوروثيا براند قالت أحسن طريقة لأن تبدأ كتابك ليست الانطلاق من فكرة أو مشهد ما حدث أمامك، بل أن تطلق كل ما فى ذهنك من أفكار على حاسبك الشخصى .
وتقترح عليك أن تصحو كل يوم وتتوجه مباشرة إلى مكتبك ، يكون من الأفضل أن تعد قهوتك من المساء وتتركها فى وعاء يحفظها ساخنة ، ثم تبدأ كتبابة كل ما يأتى بذهنك حتى قبل أن تستيقظ تمام اليقظة.
قبل أن تقرأ أى شىء أو تتحدث لأى شخص أى قبل أن تسلم زمام عقلك لعالم المنطق، والواقع ،والقوانين ،والقواعد.. افرغ ما فى عقلك ..
الشباب اليوم لم يعد هو الكاتب ذو النظرة المألوفة ، الذى يجلس محدقا فى الورقة البيضاء أمامه فى انتظار الوحى ، لم يعد شباب الكتاب لديهم الطبيعة الخضراء الخصبة التى يجب أن يجلسوا فى أحضانها ملتمسين الإلهام ، الشاب اليوم يعيش الواقع ، يكتب ما يراه فى صفحات الحياة ،الواقع العربى تحديدا ،الذى أصبحت أحداثه أكثر خصوبة وتطورا وتضاربا تغلب أى خيال، الواقع هو المعلم الأول للكتابة الحرة ، هو تكريث لما تعلمناه فى كليات الآداب وأثناء دراسة الأدب .
الأحداث و مشاهد الحياة اليومية جعلت أى كاتب وأى نوع من الإلهام موضوعا فى مواجهة الكتابة الحرة ، أداة الهدف من استخدامه أن تضع على الورق أمامك أى شىء يخطر فى بالك وقت الكتابة ، أى شىء بمعنى أى شىء لعدد محدد من السطور أو الكلمات ،أن تكتب بانطلاق فى دفقة متواصلة ،انطلاقا من فكرة شخصية ، قطعة موسيقية ،لوحة فنية ،الاحتمالات لا نهاية لها .. تكتب حتى لو لم تنطلق من أى شىء بالمرة ، من بياض عقلك المطلق ، كل ما هنالك أن يتحرك قلمك ببساطة وخفة على الورقة ، أو أن تعزف أصابعك بنشاط وخفة على لوحة المفاتيح دون توقف دون عبور على مجتمعات وعادات وتقاليد وأديان و حدود ودول ،و أعراف ، مع إرجاء كل من الحكم والنقد والتنقيح، والتحرير والضبط إلى وقت تال .. لا بد من كبح أى صوت نقدى يبرز فى رأس الكاتب أثناء سرد أحداث روايته حتى لو ألح هذا الصوت توقف ( الألفاظ خادشة ) ...الصورة عارية ، لا بد من وضعه جانبا والتسلل إلى مسار الأفكار مرة أخرى .
عندما تتحرر الكتابة الحرة من سيطرة القوانين والأعراف و القيم المجتمعية والعادات ،والتقاليد والتشريعات ، تبدأ المفاجآت المدهشة فى الظهور ، الأفكار المتتبعة تكافح للتحليق واتباع بقية السرب على السطور ،وبعد أن كانت الصورة غائمة ومملة ومشوهة ، نراها بعد فترة من الممارسة ، وقد انجلت ووضحت معالمها وتفاصيلها
بعد أن كانت يدك ثقيلة فى السطور الأولى، أو عاجزة عن التعبير ، أو تحمل خوف وتردد ،تراها تخف وتتطاير ، حتى أنك تشعر فى لحظة ما أنك لا تكتب بل تكتشف وتبدع من عدم .
الكتاب الشباب فى المجتمعات العربية اليوم يقابلون الكثير من الإخفاقات والأزمات ، أكثر مما كانوا يتصورون ، أو يشطح خيالهم .. نتيجة الحالة المادية ، نتيجة غموض المستقبل ، نتيجة الأحداث المتوالية وعدم الاستقرار وتخبط قرارات الحكام ، والحكومات ، أصبحت الكتابة أحيانا نفسها تشكك فى نفسك ، وتجعلك تصفها بالفاشلة ، أو تجد من يوفر عليك وصف نفسك ،ستجد أشخاصا يرفضون ما تكتب ويصفونه بالردئ ، ( إذا كنت محظوظ سترجع إليك أوراقك طائرة مبعثرة فى وجهك ) مع جملة خد الباب فى إيدك ، أو اطلع برة .. أما إذا كنت غير محظوظ ستخبرك عناوين الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعى وهاشتاجات ( ضد محكمة الخيال) ماذا سينتظرك .. غرفة سوداء مظلمة بعد وقوفك خلف القضبان . هنا سأتذكر مقولة الكاتب ( دينو منجستو) كاتب أمريكى من أصل إثيوبى ( اخلق البيئة المناسبة لنفسك ) لقد تعلمت ألا أنتظر لحظات الصمت الكلى والتى فى الغالب لن تأتى .. حاول أن تكتب فى أى وقت وفى أى مكان ، حتى وإن كان بلا أضواء ، اسرق وقتا فى الزحام ، حتى ولو دقائق ، اجعل من التعب والحزن والإرهاق ذريعة لحريات مطلقة مع اللغة والخيال ..ستتراجع ، تحزن تخاف سترغب فى التوقف لا تتوقف ولا تخشى الفشل .
ستيفن كينج الكاتب الأمريكى المشهور قال ( إن الكاتب لا يجب عليه ألا يتوقف عن الكتابة إطلاقا ،مهما كلفه الأمر ... حتى وإن لم تكن لديه الرغبة فى ذلك ،يشبه الكتابة بعبور المحيط الأطلسى فى حوض استحمام ،فهناك الكثير من احتمالات الشك فى النفس ،وشك الآخرين فيها أيضا ..
وأخيرا فى ظل انتشار الجامعات ، والكليات الأدبية فى مصر .. فى ظل الدرجات العلمية العظيمة التى يتقاتل المصريون والأساتذة إلى نيلها ، فى ظل الدعوة إلى تعليم الذكور والإناث ، ومحاربة الإرهاب بالفكر والثقافة و التعليم الجيد نزرع الخوف فى شباب المثقفين والكتاب والروائين ، نجمد الأفكار ونعاقب المبدعين والروائين بالسجن والحبس والغرامة ..نزرع الخوف ، والجبن والجهل ،ونعاقب على تسلسل الأحداث فى رواية ، أو تغريدة مكتوبة أو فكر يدعو للسلام والتغيير ويحارب العنصرية والتطرف ... بعد الأحكام القضائية المتتالية المخالفة للدستور .. لا أستيطع أن أقول لك أكتب أى شىء مهما كان ، لا أستطيع أن أقول لك لا تخف ،اكتب أو لا تكتب بخوف ، احرق إبداعك بداخلك ، خف مما ستكشفه الكتابة وما ستكشفه لك من حقائق ستكشف لك الوجه الآخر ،ستكشف لك التناقض الرهيب فى كل شىء .. ستكشف لك أنك مجنون ولا مكان لك فى عنبر العقلاء.