أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض، تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية.. وفى هذا المجال كتب مايكل ايزنشتات هو، مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية فى معهد واشنطن «تعتبر لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية «إيباك» من أشهر منظمات اللوبى الصهيونى داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بسبب الدور الكبير والمثير للجدل والاهتمام، الذى تقوم به لخدمة المصالح الإسرائيلية، والصهيونية العالمية».
يعرف الأدب المعاصر كلمة لوبى، باعتبارها مصطلحا يتضمن وجود كيان يعمل بشكل منظم فى ممارسة الضغوط الوظيفية، وذلك من أجل دفع وتوجيه مراكز صنع واتخاذ القرار فى الاتجاه الذى يخدم ويلبى مصالح هذا الكيان.. وتتعدد التعريفات المقابلة لمصطلح لوبى، فمنها ما يصف اللوبى بأنه جماعة ضغط، ومنها ما يصفه باعتباره جماعة مصالح.. وغير ذلك.
التأسيس والنشأة «تم تأسيس منظمة الإيباك فى عام 1953 م، بواسطة إشيعيا سى كينين، وقد تم فى بداية الأمر تسمية المنظمة باسم «اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة».. ويقول البروفيسير ستيفن شبيغل «إن ثمة توتر قد حدث بين مؤيدى إسرائيل وإدارة الرئيس الأمريكى ايزنهاور، وذلك بسبب المعلومات التى انتشرت آنذاك، وكان مفادها أن الإدارة الأمريكية بصدد التحرى فى أمر المجلس الصهيونى الأمريكى، الأمر الذى انتبه إليه زعماء اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة، فعمدوا إلى التحايل على القانون الأمريكى القائم آنذاك، وغيروا تسميه منظمتهم الى اسم «لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية «إيباك»، والذى ظل ساريا حتى اليوم».
الأنشطة والأهداف: ظلت منظمة الإيباك تعمل فى كل المجالات المتعلقة بدعم إسرائيل داخل الولايات المتحدة، ولكن فى الآونة الأخيرة، أصبح مجال عمل الإيباك أكثر تخصصا، وينحصر بشكل عام فى ممارسة الضغوط على الكونجرس الأمريكى من خلال الضغوط الفرعية على مجلس النواب الأمريكى ومجلس الشيوخ الأمريكى، وذلك من أجل فرض الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية على القوانين والتشريعات الأمريكية الصادرة، وتعديل القديمة التى صدرت من قبل بما يتمشى مع المصالح الإسرائيلية.. وتجدر الإشارة إلى أن الإيباك لم يعد منظمة تمارس الضغط الوظيفى، بل تحول إلى ممارسة الضغط الهيكلى على السلطة التشريعية الأمريكية.. فقد كان الإيباك ينظم المقابلات واللقاءات والحوارات مع أعضاء الكونجرس الأمريكى، ولكنه تقدّم بخطة إضافية فى اتجاه اختراق المؤسسات التشريعية الأمريكية السيادية، والتغلغل فيها، وذلك عندما استطاع خلال السنوات العشر الماضية أن يقوم بإعداد وتدريب المئات من أبناء اليهود الأمريكيين على العمل السياسى، ثم أدخلهم إلى الحزبين الأمريكيين الكبيرين الجمهورى والديمقراطى، وتطور الأمر بعد ذلك إلى أن وصل هؤلاء اليهود إلى مناصب قيادية فى هذين الحزبين، وأصبحوا أعضاء فى مجلس النواب والشيوخ.. وبمراجعة الانتماءات الدينية لأعضاء الكونجرس الأمريكى، فإنه يتبين لنا أن حوالى 15% من الأعضاء هم من اليهود، كذلك بفضل دعم الإيباك السياسى والمالى والإعلامى، فقد وصل إلى عضوية الكونجرس الأمريكى العشرات من أتباع المسيحية- الصهيونية، وذلك بما يقدر بحوالى 50% من عضوية الكونجرس الأمريكى، وذلك على النحو الذى جعل بعض المحللين السياسيين يطلقون على أتباع اليهودية والمسيحية- الصهيونية والذين يشكلون 55% من عضوية الكونجرس تسمية «لوبى هرمجدون».
آليات السيطرة على السياسة الأمريكية: يستخدم الإيباك نوعين من آليات السيطرة على السياسية الأمريكية وتتبعها للسياسة الإسرائيلية، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتى:
آليات نظامية: وتتضمن عمليات الاختراق الرأسى لكل مؤسسات الدولة الأمريكية، وذلك بأن يتم الاختراق والتغلغل داخل مؤسسات السلطة التشريعية عن طريق إعداد النواب اليهود، وأتباع المسيحية- الصهيونية، إضافة إلى دعم الفاسدين الذين يسهل ابتزازهم وتوجيههم لخدمة مصالح إسرائيل.. ومن أبرز الأمثلة الأخيرة التى تؤكد ذلك أن كل أعضاء الكونجرس الذين ثبت تورطهم فى فضائح الشذوذ الجنسى واستلام الرشاوى والعمولات من الشركات الأمريكية الكبرى، هم من أخلص الداعمين المؤيدين لإسرائيل.. كذلك يقوم الإيباك بالاختراق والتغلغل داخل مؤسسات السلطة التنفيذية بالتركيز على البيت الأبيض الأمريكى ووزارة الخارجية والخزانة والدفاع «البنتاجون» وأجهزة الأمن والمخابرات وغيرها من المرافق الفائقة الحساسية والأهمية، وذلك عن طريق التأهيل بأرفع المستويات لأبناء اليهود الأمريكيين، إضافة إلى تسهيل عملية هجرة الخبراء اليهود البارزين فى الدول الأخرى، مثل روسيا وألمانيا وغيرها إلى أمريكا، وتسهيل عملية توطينهم وتجنيسهم أمريكيا، ثم دعم إلحاقهم بعد ذلك فى مختلف أجهزة السلطة التنفيذية.. وحاليًا يوجد جيش من هؤلاء العناصر داخل مرافق الدولة الأمريكية ويلعبون دورًا مهمًا وفائق الخطورة فى إعداد التقارير ورفع التوصيات المفبركة، بما يتماشى مع التوجهات الإسرائيلية وبالذات فى منطقة الشرق الأوسط.. ومن أبرز الأمثلة على ذلك التقارير الكاذبة التى كان يتم إعدادها ورفعها حول أفغانستان والعراق.. وحاليًا حول إيران وسوريا والسودان، وحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.. أما مؤسسات السلطة القضائية الأمريكية، فقد استطاع الإيباك –وهو ما لم ينتبه إليه إلكثيرون- أن يحقق فيها اختراقًا وتغلغلًا يفوق ما حققه فى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وصل إلى حد فرض السيطرة الكاملة على المحكمة العليا فى أمريكا، وهى المحكمة المناط بها حفظ الدستور.. يتبع.