من سمات الشخصية العربية ما يسمى بـ«السلفية العقلية» والتى تعنى التأمل الزائد عن الحد فى الماضى، وما يترتب عن ذلك من بحث فى الأصول والعائلات ومن ذلك ما حدث مع «ابن خلدون».
عاش المفكر الكبير ابن خلدون بين عامى 1332 و1406 ميلادية، عرفه الجميع بكونه علامة فى الاجتماع، حيث اشتهر بمقدمة كتابه «العبر وديوان المبتدأ والخبر فى معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر»، لكن هذه المقدمة صارت كتابا منفصلا بعد ذلك تؤسس لعلم العمران البشرى كما يقول أهل العلم، وأصبح الدارسون والباحثون فى الحضارات المختلفة لا ينكرون فضل ابن خلدون وعلمه.
المهم أن ابن خلدون الذى ولد فى تونس وعاش حياته ومات فى القاهرة، غادرنا منذ 612 عاما لكن العرب لا يزالون يتصارعون حول بديهيات ويثيرون قضايا ما أنزل الله بها من سلطان، فمنذ أيام قليلة عقد اتحاد الناشرين العرب مؤتمره الرابع فى تونس، وعلى هامش المؤتمر نظمت الندوة الإقليمية حول دور الكتاب فى تنمية واقع الثقافة العربية والذى شارك فيه عدد من وزراء الثقافة العرب، منهم التونسى واليمنى، وقد طالب الدكتور محمد زين العابدين، وزير الثقافة التونسى بإدراج تراث ابن خلدون فى ذاكرة التراث بـ«الألكسو» لأنه حركة ثقافية عربية لا تكرر، فقام وزير الثقافة اليمنى، مروان دماج، بتأييد هذا المقترح، مضيفًا أن ابن خلدون كان دائمًا يقول بأنه يمنى، وبالتالى رد وزير الثقافة التونسى بأن ابن خلدون تونسى ونعمل حاليًا على ترميم منزله، ليكون شاهدًا على هذا التاريخ.
يمنى ولا تونسى تلك هى المعضلة التى يناقشها العرب الآن، لا يسألون أنفسهم، ما الذى فعله أحفاد ابن خلدون سواء أكانوا من هنا أو من هناك، هم فقط يبحثون عن الماضى وأصوله، لا يشغلهم المستقبل ولا حتى صناعة جيل مختلف.
ما الفارق فى أن ابن خلدون من منطقة ما دون أخرى، فى أنه من أصول حضرمية وأنه ولد فى تونس فأنا عن نفسى أعتبره مصريا عاش حياته فى القاهرة التى اعترفت بقدره وعلمه وقدمته بما يليق به، لكن ليس هذا هو شاغلى، فما يشغلنى حقيقة هو كم «ابن خلدون» يكمن فى المدارس العربية لم نلتفت إليه، وكم «ابن خلدون» فى الجامعات العربية لا تهتم الدول بنشر أبحاثه وعلمه ولا حتى بتوفير الحياة الميسرة له كى يبدع وينتج.