كان لافتا بالفعل أن يغضب عدد من كبار الزملاء والسياسيين والنواب من تصريحات لوزير التنمية المحلية اللواء أبوبكر الجندى، عندما قال إننا بحاجة لتنمية الصعيد حتى يتوقفوا عن الهجرة للقاهرة ويصنعوا عشوائيات، اعتبر الكثير من الزملاء الإعلاميين وغيرهم أن التصريحات تمس كرامة الصعايدة، وتمتد أيضا لكرامة أهالى الأقاليم، وذرف بعضهم الدمع الهتون، وألقوا قصائد عصماء فى رجولة وأهمية ونشاط وعظمة المواطن المصرى الصعيدى، وهو جهد مشكور وكلام كبير يتناسب وبرامج المساء والسهرة، ويجلب العديد من اللايكات والإشادات.
ولما اعتذر الوزير، واعتذرت الحكومة اعتبر كل هؤلاء أنفسهم أنهم انتصروا فى معركة كبرى ونالوا من الوزير، وانصرف كل منهم إلى حاله، سعيدا ومغتبطا يملؤه الفخر والسؤدد وكأنما تم حل أزمات المواطن المصرى، وأصبح سعيدا بهذا الدفاع البالغ الرقة عن كرامته وصورته وعظمته.
مع ملاحظة أن أغلب، إن لم يكن كل هؤلاء الذين انتفضوا غضبا من التصريحات، لا يشغلهم الواقع الذى يعيشه هذا المواطن، الذى يعانى الأمرين وهو يبحث عن واسطة لتعيين ابنه، أو الحصول على قرار علاج على نفقة الدولة، وقد يكون فلاحا يريد رفع قيمة عائده من محصول القصب السكر أو القمح والفاكهة، من الممكن أن نشكر كل الغاضبين لو أنهم التفتوا إلى أن كرامة هذا المواطن تأتى من صيانة حقوقه، وتنمية قريته ومركزه بالشكل الذى لا يحوجه لغيره، وأن يترك أسرته وأبناءه ليقف فى انتظار يومية غير مضمونة، أو يعمل بلا تأمين اجتماعى أو صحى ويتعرض لكل أصناف التعب بلا ضمانات، ثم إنهم بالفعل يضطرون للعيش بشكل عشوائى ويصنعون العشوائيات.
لقد أعلن الرئيس أثناء زيارته لمدينة السادات عن بطء إنجاز المشروعات التنموية، وأن مصانع السكر تفقد 20% بسبب قدم الآلات والمصانع، وربما علينا أن نسال السادة النواب الذين انتفضوا غضبا ضد تصريح الوزير ماذا قدموا لإنقاذ صناعة السكر ومزارعى القصب، وماذا قدموا من مقترحات لتطوير مصانع الغزل والنسيج أو تقديم استثمارات فى مدنهم وقراهم، هناك تحركات كثيرة لإقامة مناطق صناعية فى المحافظات، ما تزال معطلة، وتحتاج لمساعٍ من السادة النواب والإعلاميين الغاضبين، لتقوم وتعمل وتوفر فرص عمل.
وربما يكون الغضب أجدى لو انتفض هؤلاء النواب لدراسة كيفية تحقيق اللامركزية، وتغيير الواقع الذى يحرم المحافظات من الخدمات، وأن يحاسبوا المحافظين ورؤساء المدن على التقاعس والفشل فى إدارة الملفات، لكن طبعا فإن تطوير الخدمات الصحية، والنقل والمواصلات ومواجهة البطالة، هى أمور تحتاج إلى سعى وجهد، ولا تجلب الكثير من الكاميرات.
ونتذكر كلنا التصريحات الصادمة التى أطلقها وزير العدل الأسبق وقال إنه ليس من حق ابن البواب دخول النيابة ومن ثم القضاء، كانت تصريحات صادمة، ورحل الوزير، لكن بقيت فكرة تكافؤ الفرص غير موجودة، كان الوزير يقرر حالة موجودة، ورحيله لم ينهها، وبدا أن الإعلان عن حقيقة ما يجرى هو الخطأ، وليس وجود هذا الخطأ.
الأهم من الغضب من تصريحات وزلات لسان، هو السعى لضمان تكافؤ الفرص، وتوفير الخدمات الصحية والتنمية، للصعيدى والبحيرى واللى الهوا رماه.