* التركيبة العنانية المتناقضة وضعت الخصومة والمصالح الشخصية فوق مصلحة الوطن
دعنا نتحدث من فوق هذه الأرض الثابتة قانونيا ودستوريا، بأن حق كل شخص الترشح للانتخابات الرئاسية، طبقا لما يكفله الدستور من حق لكل المواطنين، الذين تنطبق عليهم الشروط القانونية اللازمة لنيل هذا الحق، لا خلاف على ذلك، ولا جدال فيه، ولكن السنوات الماضية علمتنا أن دراسة الصورة كاملة أفضل بكثير من التوهان فى تفاصيل هامشية.
من حق الفريق سامى عنان أن يفعل ذلك، وأن يخطب فى الناس كما لو كان المهدى المنتظر، حتى ولو قدم نفسه للرأى العام وعن يمينه وشماله شخصان تغزو ملامحهما علامات الاستفهام بخصوص مواقفهما المضطربة والمتناقضة من كيان الدولة المصرية والإخوان، بل وسامى عنان نفسه كمرشح رئاسى أو عامل فى الحقل السياسى، راجع رؤيتهم لسامى عنان سابقا فى زمن ما بعد 25 يناير ووقت اعتبروا إبعاده من قبل محمد مرسى بطولة كبرى، ثم قارن ذلك بصحبتهما له فوق منصة تقديمه كمنقذ لوطن كانوا من قبل هم أنفسهم ومن معهم يعتبرون الخلاص من عنان إنقاذا للوطن، ولكنها السياسة ولعبة «التلات ورقات»، تجمع اللائقين ببعضهم، جمعا يوفر على مرحلة الفرز الوقت والجهد فى تمييز الخبيث من الطيب والشريف من الذين يسوقهم هواهم وتحدد مصالحهم السياسية والشخصية، لا مصلحة الوطن، بوصلة تحركاتهم.
من حق الفريق سامى عنان أن يخوض سباق الانتخابات الرئاسية، ومن حقنا نحن أن نرى ترشحه ومن حوله ومن يدعمه بعين القلق والتحليل، وفقا لما يتضمنه واقع الماضى والحاضر من معطيات، والمعطيات الراهنة لا تختلف عن أسلافها، فما طرحه عنان فى خطابه التأسيسى لحملة ترشحه الانتخابية يؤكد أن العرائس على خشبة المسرح تؤدى دورها فى رواية، كل هدفها تصدير صورة لمصر فى الخارج بأنها دولة تعانى من الإرهاب، ومن حالة شقاق سياسى، هم يريدون لمصر أن تعود للمربع صفر، يكتبون السيناريوهات ويحركون العرائس تحت عنوان «أبناء ولكن»، لعبة مختلفة تصنع حالة من التعصب والشقاق السياسى فى وطن يحتاج إلى جبهة داخلية على قلب رجل واحد.
هم يريدون تقسيمها على هذا النحو، أبناء لمبارك يدافعون عنه حتى ولو كان السبيل إلى ذلك طعن الدولة نفسها والتشكيك فى إنجازاتها وإحباط همم رجالها، وأبناء لشفيق متعصبون ينشرون فكرة الاضطهاد السياسى والخوف، وأبناء للإخوان يلعبون على كل الأحبال، ويستخدمون أى طامع فى السلطة لإضفاء شعور بعدم الاستقرار السياسى، وأبناء للثورة يطعنون فى الكل ترنحا من أثر السكر بذكريات أيام مضت، هم باختصار يقسمون أبناء مصر، ثم يتركون مصر نفسها بلا أبناء يدافعون عنها، أو ينظرون نحو مستقبلها، هم مشغولون بنصرة أصنامهم التى صنعت على عجل فى سنوات الفوضى وبعد الثورة وسنوات السكون ما قبل الثورة.
اللحظة التى تلت إعلان سامى عنان ترشحه للانتخابات الرئاسية برفقة نائبين، هما هشام جنينة وحازم حسنى، كانت كاشفة وتستحق التأمل، حالة الهرولة الإخوانية فى المواقع والفضائيات لدعم وتأييد سامى عنان، تشبه إلى حد كبير نفس الحالة التى كان عليها الإخوان وذيولهم التى يتصدر صورتها أمثال حازم عبدالعظيم وممدوح حمزة، نفس الهرولة لتأييد شفيق مرشحا رئاسيا هى نفس الهرولة واللهفة التى يؤيدون بها سامى عنان الآن، والنتيجة هى إقرار واقع يخبرنا بأن الإخوان ومعهم أمثال عبدالعظيم وممدوح حمزة لم ولن يكونوا أصحاب مشروع أو فكرة لصالح هذا الوطن، هم فقط يمارسون لعبة الفجر فى الخصومة فى أحقر صورها، لا يهم من المرشح، ولا يهم ماذا يقدم، ولا يهم كيف كانوا يصفونه من قبل، المهم الانتقام من الدولة المصرية فى صورة الانتقام من السيسى.
حازم عبدالعظيم عبر عن ذلك بوضوح شديد، وهو يغرد على منصته المفضلة تويتر طالما من النشطاء دعم سامى عنان بتحرير توكيلات ترشحه للرئاسة، مختتما دعوته بعبارة تمثل أحقر أنواع الطرح السياسى حينما قال: «ادعموا عنان مش عاوزين نضيع فرصة محتملة للإطاحة بالسيسى».
العبارة التى صاغها واستخدمها حازم عبدالعظيم هى نفس المعنى الذى يستخدمه الإخوان، ليس مهما طرح البديل ولا برنامجه ولا فكره ولا رؤيته للوطن، المهم هو الانتقام من السيسى، هى معركة شخصية إذن، وليست معركة وطن كما يضحكون على عامة الناس، والناس فى بلدنا يا سادة أذكى وأشرف من أن يسقطوا فى هذا الفخ، المصريون حتى وإن صمتوا وغيبوا أنفسهم عن المشهد السياسى لا يخوضون معارك شخصية، بل يخوضون معاركهم لصالح الوطن، وبات واضحا لهم الآن أن معركة حازم وعنان ومن معهما ليست معركة وطن.
المدهش فى أمر الإخوان ودعمهم لسامى عنان، هو نفسه المدهش فى أمر بعض النشطاء، الذين كتبوا قصائد المدح فى خالد على منذ أيام، ثم بدأوا الآن فى التخلى عنه أو دعوته للانضمام إلى حملة سامى عنان وفريقه الانتخابى، والدهشة هنا محلها العقل، والعقل فى تدبره لهذا المشهد يخبرنا بأن تلك الفئات التى لم تتذكر الانتخابات الرئاسية طوال السنوات الأربع الماضية، والتى فشلت فى تقديم مرشح يتمتع بقبول شعبى أو له برنامج واضح على استعداد أن تضع رهانها على أى عابر سبيل طالما سيساعدها فى معاركها الشخصية، ويعزز فجرها فى الخصومة مع الدولة المصرية.
من المؤكد أن سخرية القدر من هذا الوضع مريرة، الإخوان الذين اعتبروا أن إطاحة محمد مرسى بسامى عنان من رئاسة الأركان بطولة وانتصارا مبينا على الفساد وعلى التركة المباركية القديمة وإنقاذا لمصر، هم أنفسهم الإخوان الذين يهرولون الآن لدعم عنان وتقديمه للناس فى ثوب المخلص، وعنان الذى عاش السنوات الماضية مرتبكا فى تصريحاته كمواطن عادى، يريد أن يظهر للناس الآن فى ثوب الممسك بزمام الأمور، وحازم عبدالعظيم وفريقه كما الثعابين يغيرون جلودهم وفق هوى الرهان الجديد، لا مانع لديهم أن يمتطيهم شفيق، ثم ينزل ليمتطيهم خالد على، ثم تنحنى ظهورهم كى يمتطيها الوافد الجديد سامى عنان.
تلك هى المشكلة الكبرى، فئة تصدع عقول المصريين بأحاديث عن الرؤية والمنهج السياسى والبرنامج الانتخابى، ثم تجدها على أرض الواقع متحركة بدوافع انتقامية أو بعشوائية الجاهل، الذى يريد أن يركب أى موجة تحقق له مصلحة خاصة، وفوق رصيف المحطة يقف الوطن متدبرا جهل ووضاعة هؤلاء المتاجرين باسمه.