روزاليوسف.. فى محبة إمرأة حرة ذات سيادة (1)

"كان لها حضورا أخاذ لإمرأة لا تتكرر، لأنها سيدة قوية ومستقلة وحرة ذات سيادة." الكاتب الصحفى كامل زهيرى متحدثا عنها وقعت عينى على تمثالها الصغير فى بهو المبنى المطل على شارع القصر العينى منذ سنوات، وكأنها أبت إلا أن ترحب بنفسها بزوار المؤسسة حتى بعد رحيلها. وقفت لحظات أحاول رسم ملامح وجهها –لم أكن رأيت لها أى صورة من قبل- كنت أعتقد دائما أنها النسخة الأنثوية الأجمل لإحسان عبدالقدوس وإلا من أين له بكل تلك الوسامة، بالتأكيد ورثها عن أمه السيدة فاطمة اليوسف أو روزاليوسف كما عرفها المسرح ومن بعده بلاط صاحبة الجلالة. قفزت رحمة الله عليها إلى ذاكرتى من جديد بعد أن شاهدت فيلم "بوست" لميريل ستريب وتوم هانكس، عن كواليس العلاقة بين الصحافة والبيت الأبيض خلال حرب فيتنام وتسرب وثائق تدين الرئيس بالكذب بشأن الحرب. لعبت ميريل ستريب دور "كاى جراهام" مالكة جريدة واشنطن بوست ومع أن ظهرت ميريل حتى بدت شخصية قلقة حائرة مترددة جاءت إلى كرسى إدارة الجريدة مضطرة بعد وفاة زوجها. فقارنت بينها وبين السيدة روزاليوسف. فإن رأوا صناع السينما الأمريكية أن "كاى" تستحق أن يصنع لها فيلما فعلى السينما المصرية أن نقدم أفلاما عن السيدة روزاليوسف ودرها فى الصحافة المصرية.

فى 26 أكتوبر 1925 خرج العدد الأول من مجلة روزاليوسف فى ثوبها الأول الذى انتقته لها بعناية فاطمة اليوسف كمجلة فنية ثقافية. وكان من أبرز كتاب المجلة الأديب إبراهيم عبد القادر المازنى الذى كتب مقالا يعتبر فيه المجلة "نزوة طارئة" وردت عليه روزاليوسف فى نفس العدد بعد أن قدمت له الشكر قائلة: "ولكن الأستاذ لا يريد إلا أن يسميها نزوة.. ولتكن كذلك اعتقد أن كل عمل مجيد يكون فى أوله نزوة طارئة. ثم يتحول إلى فكرة، فإذا رسخت أصبحت يقينا فجنونا.

كنت لم أتجاوز الرابعة عشرة حينما خطر لى أن أمثل، وكانت تربطنى صلات مع أصحاب تياترو شارع عبد العزيز وذهبت يوما إلى هناك وانتقيت فستانا من المخمل الأسود الموشى بالقصب والترتر، ثم رجعت إلى منزلى الصغير بالفجالة، وهناك أسدلت شعرى وخططت وجهى بعد أن ارتديت هذا الفستان الذى كانت تلبسه سابقا ممثلة دور "مارى تيودور". وكان ذيل طويل يصلح لكنس المسرح، ثم خرجت إلى الطريق اتمادى فى جلال ملكات الجمال واجتزت شارع الفجالة، فكلوت بك، فميدان العتبة الخضراء حتى التياترو. وتبعنى نفر من الناس، كما إننى أحسنت كنس الشوارع بذيل فستانى "الخفافى" ولم انتبه إلى كل هذا، إذ كان كل ما يغمر رأسى أنى أسير فى ثياب الملكة مارى تيودور." ... أليست هذه نزوة يا أستاذى العزيز؟ (1) بتلك المغامرة بدأت روزاليوسف حياتها فى عالم المسرح فأصبحت أعلى ممثلات جيلها أجرا، وأكثرهن شهرة ولقبت بسارة برنار الشرق، ثم قررت فجأة الاعتزال مبررة فيما بعد ذلك القرار قائلة: "الممثل عليه أن يعتزل وهو فى قمة المجد" وبعد اعتزالها التمثيل قررت أن تصدر مجلة فنية تقدم نقدا محترما يرقى بالحياة الفنية واقترحت لها اسم روزاليوسف.

وصدرت روزاليوسف وقالت عنها روزاليوسف فى مذكراتها: "ما الصعوبة الكبرى التى واجهتنى فى إصدار المجلة، وكان على أن أجتازها؟ لم تكن هذه الصعوبة الكبرى فى المال القليل. ولا الجهد المضنى. ولا سوق الصحافة الضيق. بل كانت تتلخص فى أننى.. سيدة! (2) بدأت روزاليوسف مجلة للفن الرفيع فاشتدت الخلافات بين زكى طليمات المتمسك بهذا الأسلوب وبين محمد التابعى الذى كان يتندر ساخرا بهذا الأدب العالى وأرقام التوزيع الهابطة.

وانتقل الخلاف بين التابعى وطليمات فأصبح بين روزاليوسف والتابعى فكانت روزاليوسف تتمسك بعدم تعرض المجلة لأحد بالتجريح أو الشتائم بينما يريد التابعى أن يكون له الحرية فى انتقاد من يشاء، فكتب التابعى عن الخلاف بينه وبين السيدة روزاليوسف على صفحات المجلة مقالا بعنوان "صاحبة المجلة وصاحب الطورلى": "خصصنا هذه الصفحة كما أعلنا فى رأسها للحديث عن العظماء والصعاليك.. وسوف أتكلم اليوم عن صاحبة المجلة وعن نفسى، وللقارئ أن يسمينا عظماء أو صعاليك كما يشاء.

تأمرنى بأن أكتب وأن أملأ صفحة بشرط ألا أعرض بأحد أو أسب أو أمدح أو أقدح أو أتملق أو انتقد أو.. أو.. ثم تقول لى: وفيما عدا ذلك فأمامك الميدان فسيح فأكتب ما تشاء أكتب ما أشاء! وماذا أبقت لى لأكتب عنه؟ تقوم بيننا المناقشة –وهى دائما حادة تبدأ من "القرار" وترتفع إلى "جواب السيكا" فإذا طالت المناقشة ورأت هى إقفالها عمدت إلى طريقتها الخاصة فى الإقناع وهى أن تنظر بعين إلى أكبر وأضخم قاموس على المكتب ثم تنظر إلى وهى تحرك يدها بحركة عصبية! فإذا لم تفلح هذه الطريقة فى الإقناع عمدت إلى النشافة أو الدواية أو أى شئ آخر مما يكون قريبا إليها.

"خبرونى من ذا الذى لا يقتنع أمام هذه الأدلة الثقيلة.. وهكذا تنتهى المناقشة دائما بانتصارها وانهزامى... ثم أكتب!" (3) وكانت روزاليوسف تجيد التعامل مع المحيطين بها رغم عنادها الشديد إلا أنها كانت تستطيع امتصاص ثورات غضب العقاد مثلا بالتظاهر بالموافقة على كل ما يقول حتى تهدأ ثورته ثم تفعل ما تراه مناسبا بعدها،أو تفهمها لطبيعة شخصية التابعى فتحكى فى مذكراتها عن انتقال المجلة إلى مقر مستقل بعيدا عن منزلها الخاص الذى احتلت فيه المجلة غرفة كمقر لها لفترة من الزمن، وشرائها ثلاث مكاتب لها وللتابعى ولإبراهيم خليل ليتابع منه أعمال الميزانية. فما كان منها إلا أن ميزت مكتب التابعى بقطعة من الجوخ الأخضر وضعتها عليه لكى يتهيأ ما يمكن من جو الفخفخة الذى يحب التابعى أن يكتب فيه.

مصادر...

(1) كامل زهيرى أنا والنساء.. كتاب اليوم (2)، (3) فاطمة اليوسف ذكريات.. الهيئة العامة للكتاب



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;