لا شك أن العملية العسكرية «سيناء 2018»، التى بدأت يوم الجمعة 9/2/2018 ضد الإرهاب الأسود الذى يهدد السلامة الوطنية، بل يهدد السلام العالمى كافة، هى عملية تؤكد بما لا يدع مجالًا لأى شك إصرار الشعب والقيادة المصرية على اجتثاث جذور الإرهاب نيابة عن العالم كله، فى الوقت الذى نرى فيه أغلب القوى العالمية تساعد بصورة أو بأخرى، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ذلك الإرهاب، تصورًا أن هذه التنظيمات تحقق مصلحة هذه القوى، فى الوقت الذى دائمًا، وفى مثل هذه العلاقات غير الشرعية وغير الشريفة، ما ينقلب السحر على الساحر. وفى هذه الظروف وما يحيط بالوطن من تحديات غير عادية من الطبيعى أن تكون وحدة الوطن، والتوحد المصرى، والتوافق المجتمعى هى الأساليب والطرق التى تكون حائط الصد المنيع فى مواجهة ذلك الإرهاب، وتلك المواجهات والتحديات، ولذلك فعنوان المقال لا يذهب بعيدًا عن هذا التصور، ولا يتناقض كثيرًا مع ذلك الموقف.. فالتوحد غير الوحدة، التوحد هو الإقرار بالاختلاف والخلاف المشروع الذى يؤكد قيمة التعددية، سواء كانت هذه التعددية دينية «بين دين وآخر»، أو طائفية «بين طوائف الدين الواحد»، أو خلاف سياسى - اقتصادى - ثقافى - اجتماعى... إلخ، والإقرار بهذا الخلاف يعنى تمسك كل طرف بما يؤمن بصحته فى مواجهة الآخر.
ولكن فى الوقت ذاته لابد أن يقتنع من يتمسك بمعتقده أن من حق الآخر المختلف أن يتمسك بمعتقده.. وعلى ذلك الشرط وعلى تلك الأرضية يكون الحوار حوارًا هادفًا إيجابيًا مثمرًا، يصل إلى حالة من التعايش والمعايشة بين جميع الأطراف وكل المختلفين، وهنا تكون نقطة الالتقاء الحقيقى وليس الشكلى أو الشعاراتى لخلق قاعدة متينة لتوحد وطنى مصرى، يحمى الوطن ويحافظ على هويته ويضمن سلامته، فالتوحد ليس مقصورًا على طبقات الشعب ولا على المصريين المسلمين مع المصريين المسيحيين، ولكن، وبكل وضوح، هناك صراع خفى ومعلن بين الجميع بلا استثناء، على الرغم من الظهور والتظاهر بوحدة الدين وأخوة العقيدة، فلماذا هذا؟.. الأسبوع الماضى حدثت حادثة مؤسفة بين الأرثوذكس والبروتستانت فى قرية بنى محمد سلطان بالمنيا، وما أدراك ما المنيا، وما يحدث فيها من حوادث طائفية أصبحت فى لحظة عنوانًا لمناخ طائفى بين المصريين يهدد وحدتهم وسلامهم!.. حدث خلاف على مبنى قديم كانت كنيسة بروتستانتية منذ 1886، وفى 2002 تقدم قسيس الكنيسة بطلب هدم الكنيسة وإعادة بنائها، وتقدم الأرثوذكس بمخاصمة لهذا الطلب، فأغلقت الكنيسة، فى الوقت الذى قام فيه البعض بعد ذلك بفتح المكان بشكل غير قانونى، واستعمل المكان كقاعة مناسبات للجميع، واستمرت المخاصمة وحتى الآن أمام القضاء للفصل بين الطرفين، وتحديد أحقية أحد الأطراف.
حدثت مناوشات ثم منازعات بين الطرفين، ثم تم تشوين مواد بناء من جانب الأرثوذكس أمام المبنى.. حدثت تحرشات واعتداءات على قسيس الإنجيلية وزوجته من جانب الأرثوذكس، ثم تقديم بلاغات للشرطة وللنيابة تحدد جلسة مناقشة أو مصالحة يوم 7/2/2018، قبل ميعاد جلسة الصلح، قام الأرثوذكس بهدم المبنى بطريقة غريبة وعن طريق بلدوزر، هذه هى حكاية البروتستانت، أما حكاية الأرثوذكس، فهى أن الكنيسة هى مكان ملك الكنيسة الأرثوذكسية وليس البروتستانتية، نحن هنا أمام موضوع هو أولًا وأخيرًا نزاع بين طرفين ومعروض أمام القضاء.
أى أنه ليس من حق أحد الأطراف الاستيلاء على المكان سواء بالهدم أو إعادة البناء، فماذا يعنى هذا؟ هذا يعنى أن من تصور أنه صاحب حق قد قام بالفصل فى هذا الحق وتحول من طرف فى المشكلة إلى قاضٍ يحكم فيها ويحدد الحق لمن، أيضًا قام هذا بتنفيذ ما أراد دون وضع أى اعتبار لقانون أو قضاء أو شرعية، بما يؤكد أننا قد أصبحنا جميعًا نستمرئ أخذ الحق بـ«الدراع» والقوة والبلدوزر.. هنا هل هذا السلوك من الأرثوذكسية يتوافق مع موقفها السابق من سلوكيات السلفيين وممارساتهم ضد الأقباط وضد كنائسهم ومنازلهم وممتلكاتهم؟ هل ذلك السلوك هو مسايرة وتقليد لممارسات السلفيين وأتباعهم؟.. إذا كان الأمر كذلك فما الحاجة إلى المطالبة بتطبيق القانون على ممارسات السلفيين وأمثالهم؟ ولماذا نجد من يتحدث عما يسمى باضطهاد الأقباط لإثارة المأجورين فى الخارج للتدخل فى شؤون مصر؟
هنا يجب التحدث عن تلك الممارسات المرفوضة من الأغلبية ضد الأقلية، هنا ليس الأغلبية والأقلية المسلمة والمسيحية، بل الأغلبية والأقلية المسيحية المسيحية.
إذن الصراع بين الجميع للجميع، ويا للأسف تحت مسمى وادعاء الدين وحمايته!
فى الوقت الذى نرى فيه القس الإنجيلى والكاهن الأرثوذكسى والمنتمين إليهم والممارسين لهذه السلوكيات العفنة، نراهم يتحدثون عن الدين والمسيحية والقيم والأخلاق، والأنكى عن المحبة والتسامح، ويعلون أصواتهم «حبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم».. يا سلام، ما هذه العظمة الكاذبة، وتلك الشعارات الفارغة، وذلك الأسلوب التجارى المصلحى الذى يتاجر بالدين؟! كفى فالدين براء من أمثال هؤلاء، أى دين، لا شك أن تداعيات هذه الحادثة ستكون مؤثرة بشكل غير مباشر فى العلاقات المصرية المصرية، لأنها نتاج لفكر دينى متخلف طائفى، ولأن هذا الفكر يشكل وعى ووجدان المصرى، مسيحيًا أو مسلمًا، هنا وهذا هو الخطر على الوطن لا على هؤلاء فحسب، مصر تحتاج شعبًا محبًا متدينًا منتميًا يحب الوطن، ويحب الجميع حتى يحبنا الله، وتصبح مصر لكل المصريين.