عندما أعلنت الدولة المصرية، عن اتفاقية إعادة ترسيم الحدود المصرية القبرصية اليونانية، حاول البعض اتهام النظام المصرى أنه يفرط فى مئات الكيلومترات من الحدود البحرية المصرية ومناطق نفوذ البحرية المصرية، وقتها كانت البيانات الرسمية حول إعادة ترسيم الحدود تقول أنها لمساعدة الدول الثلاث على إعادة استخدام الموارد البحرية المشتركة فى المياه الإقليمية لكل من الدول المصرية والقبرصية واليونانية، وتزامنت هذه الاتفاقية مع الإعلان عن أن الغاز المستكشف فى البحر المتوسط هو الركيزة التى ستنقذ اليونان من أزمة الإفلاس، وتعيد للاقتصاد اليونانى قوته مرة أخرى .
بدأت التدريبات المشتركة بين القوات البحرية المصرية واليونانية على تأمين الحدود البحرية المشتركة، وتنسيق لغرف العمليات العسكرية بين البلدان الثلاث.
كل هذه الإجراءات لم تكن تكشف ما هى طبيعة الموارد المتاحة فى هذه المنطقة وما هى تركيبة الحدود البحرية سياسيا واقتصاديا، ولكن بعدما بدأت تظهر التهديدات التركية بالتعدى على السيادة المصرية والقبرصية واليونانية فى البحر المتوسط بالتنقيب عن الغاز الطبيعى والبترول هناك، ثم تطور هذه التهديدات بإعلان تركيا أن اتفاقية إعادة ترسيم الحدود المصرية اليونانية البحرية غير قانونية وتحتاج الى مراجعات، وهو أمر بعيد كل البعد عن الواقع القانونى السليم كما أن الخبراء القانونيين لدى مصر واليونان قادرين على الرد عليه، خاصة وأن الاتفاقية تم اعتمادها منذ فترة طبقا لقواعد الأمم المتحدة، ولم يصدر من أى جهة من الجهات التابعة للأمم المتحدة أو لجانها الفنية أى ملاحظات على الاتفاقية.
إن التهديدات التركية الأخيرة بالتنقيب فى المياه المصرية والمناوشات التى تقوم بها تركيا بين الحين والأخر لاستفزازنا، يجعلنا نعيد قراءة البيانات الرسمية التى صدرت عن كل من الخارجية المصرية والرئاسة بخصوص هذه الاتفاقية وخرائط إعادة ترسيم الحدود فى أثناء وبعد التوقيع على الاتفاقية، والتى من خلالها نستطيع أن نتبين ونستوعب كيف كانت الحكومة المصرية تتوقع هذا النزاع على مياه المتوسط ، وخاصة المناطق التى بها احتمالات مرتفعة لاكتشاف الغاز الطبيعى، ولنكتشف أيضا أن الأمر له بعد سياسى آخر، فكافة السفن التى تستهدف الموانئ التركية فى المتوسط، يجب أن تمر من خلال المياه الاقليمية سواء اليونانية أو المصرية.
إن ما قام به الرئيس عبد التفاح السيسى وفريق المستشارين والفنيين والمتخصصين، هى مناورة استراتيجية مهمة كانت أقرب لإعادة ترتيب رقعة شطرنج من جديد خاصة فيما يخص حقول البترول والغاز الطبيعى.
ففى البداية يعلن الرئيس أن من ضمن أهداف رؤية مصر 2030 أن تكون مصر أكبر مركز لتجميع غاز الشرق الأوسط بالكامل قبل توجيه إلى أوروبا أكبر مستهلك للطاقة فى العالم، يلى هذا الإعلان اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، ثم التدريبات المشتركة بين القوات المسلحة فى تلك الدول، خاصة المناورات البحرية، ثم تستقبل مصر الفرقاطات الجديدة وتزيد تسليحها وتدرب أكفأ عناصر للعمل على هذه الفرقاطات وعلى تطوير الإسلحة عليها ، ثم يضاف للأسطول البحرى الغواصات الألمانية المتخصصة فى المناورات البحرية، إضافة إلى حاملات المروحيات التى انضمنت للقوات البحرية المصرية مع تعزيز القوات الجوية المصرية بطائرات الرافال الفرنسية ذات القدرة على الطيران لمسافات طويلة ثم يتم الإعلان عن تدشين أول أسطول بحرى جنوبى فى تاريخ الدولة المصرية العسكرى.
لاشك أنه بعد مراجعة البيانات الصحفية وترتيب الأحداث منذ أكثر من عامين يتبين بكل وضوح أن مصر فى سياساتها الجديدة لا تترك الظروف الدولية تتلاعب بها بل أن الدولة المصرية تخطط وتعمل وفق قراءات حقيقية تستبق الأحداث لتكون جاهزة لأى متغيرات فى اللحظة الحاسمة.