"تجربة زواج المكاتب وتطبيقات الهواتف" بين الخوف من المجهول وشبح العنوسة.. الرافضين: فكرة فاشلة ونصب.. والمقبلين: نخوضها خوفا من عدم اللحاق بقطار الزواج.. وأستاذ علم نفس : الظروف الاقتصادية السبب

عندما تتحدث عن زواج الصالونات، يقفز إلى ذهنك مجموعة مشاهد جسدتها السينما المصرية لدور "الخاطبة" وكانت انعكاسا لما يحدث على أرض الواقع حينها، مشهد لسيدة تجوب منازل أصدقائها وجيرانها تعرض عليهم صور مختلفة لفتيات يردن اللحاق بقطار الزواج قبل فوات الأوان، يتفحص الرجل أو "العريس المرتقب" تلك الصور جيدا ويقرر التعرف على صاحبة واحدة منهم فتقود " الخاطبة" مراحل تلك العملية الطويلة، إلى أن ينتهى الحال بعقد القران مقابل اعطاءها "الحلاوة" . هذا ما كان يحدث فى ستينات وسبعينات القرن الماضى، ولكن الآن وفى ظل التطور التكنولوجى الذى يشهده العالم تبدل دور "الخاطبة" وحل مكانها مجموعة تطبيقات على الهواتف الذكية أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى يتحمل أصحابها مهمة التقريب بين طرفى العلاقة . وليست التطبيقات التكنولوجية فحسب، ولكن أيضا تم إنشاء مكاتب خاصة للزواج فى مختلف محافظات وميادين مصر، وبدلا من أن يلجأ الشاب أو الفتاة لسيدة مقربة من العائلة تتولى مهمة البحث عن شريك الحياة أصبح البعض لا يتورع عن اللجوء لمكاتب أو تطبيقات وصفحات لا يعرفون شيئا عن أصحابها ويضعون بياناتهم الشخصية بين أيديهم ويترقبون طوال الوقت سماع جملة واحدة "مبروك لقينا شريك الحياة"، الأمر الذى يثير التساؤل حول مدى قبول الزواج بهذه الطريقة فى ظل الانفتاح الذى نعيشه. فى هذا التحقيق نستعرض طرق مكاتب الزواج وتطبيقات الهواتف الذكية فى استقطاب الشباب والتقريب بينهم، والضمانات التى تكفلها تلك الوسائل لضمان سرية البيانات والمعلومات التى يقدمها أصحابها الراغبين فى الزواج والشروط التى وضعتها الجهات المختصة لمنح تلك الجهات صبغة قانونية بدلا من إدارتها فى سلوك غير شرعى . " الخاطبة ، قسمة ونصيب، زواج حلال ، الطيبون للطيبات"، وغيرها من التطبيقات المنتشرة والتى تروج لنفسها على اعتبار كونها وسيلة إيجاد شريك الحياة المناسب . فى البداية يقوم الشاب أو الفتاة بتحميل أى من تلك البرامج على هاتفه المحمول، على سبيل المثال لو أجرينا التجربة على تطبيق الخاطبة ، الصفحة الأولى تتوسطها جملة " أقسم بالله العظيم غرضى هو الزواج الشرعى المعلن فقط وخصوصية البيانات هى من أولوياتى ولن اتشاركها مع أحد"، ثم يطلب صاحب التطبيق من الزائر الإجابة عن مجموعة من الاسئلة مثل تحديد النوع ذكر أو انثى ، والحالة الاجتماعية ومدى الرغبة فى الزواج وأنواعه إن كان عادى أو متعدد أو مسيار"، وكذلك تحديد الجنسية وبلد الإقامة والديانة وتحديد لون البشرة واللحية والمستوى التعليمى، ونوع المولود الأول الذى تود إنجابه، ثم تقوم بتحميل الصورة الشخصية وبعد الانتهاء من إدخال الوصف الشخصى، يتم توصيلك بمجموعة من الشباب المقترحين لك للتواصل معهم فى محادثة خاصة للتعارف أكثر . هذا جانب مما تحويه التطبيقات، أما فيما يتعلق بالصفحات المنتشرة على موقع التواصل الاجتماعى facebook فعملية بحث صغيرة كفيلة أن تظهر لك عشرات الصحف التى يتكفل أصحابها بالتوسط ما بين أى شاب أو فتاة بهدف الزواج، من خلال تخصيص صفحات كجروب "جماعى" للجادين فقط كما يصف نفسه، ويضع مجموعة من الشروط والأحكام مثل " الجروب هنا للجواز وياريت نحترم بعض احنا هنا أسرة واحدة، ولو احترمنا نفسنا ربنا هيوفقنا وهنلاقى اللى بندور عليه، وممنوع الإعلان عن أى جروب آخر والتواصل وطلب الزواج عن طريق الأدمن للمصداقية ومفيش حاجه اسمها خاص، الجروب ده للجادين فقط وأى حد هنكتشف أنه بيكدب أو نصاب هيتم حظره من الجروب"، ويصل عدد المشتركين فى تلك الصفحة 783212 ما بين راغبين فى الزواج ومقدمى نصائح لكل المقبلين على تلك المرحلة. اما الشكل الثالث والأخير فى تسهيل عمليات الزواج، فهو المكاتب المنتشرة فى كل مكان وتعلن عن نفسها سواء من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعى أو حتى فى الجرائد ووسائل المواصلات والطرق العامة، مثل مكتب "VIP" للزواج والذى يعلن عن نفسه من خلال إحدى الصحف ويقدم نفسه باعتباره مكتب يقرب المسافات بين الراغبين فى الزواج من المستويات الراقية، ومن خلال اتصال هاتفى بأرقام المكتب المعلن عنها اتضح الاتى، أولا، يقع المكتب فى منطقة مصر الجديدة تديره سيدة هى التى تستقبل المكالمات وتطلب من المتصل الذهاب للمكتب والمقابلة وجها لوجه، فى البداية تتعرف السيدة على محل السكن والمؤهل التعليميى والمواصفات الشخصية من لون البشرة والطول والوزن ومواصفات شريك الحياة الذى ترغب فيه، وتتقاضى بعد ذلك مبلغ وقدره 750 جنيها، نظير ضمان من ستة أشهر وحتى سنة بمعنى إنها مسئولة خلال تلك الفترة على توفير الطرف الأخر . فى 2015 أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيانا بنسبة العنوسة فى مصر والتى وصلت إلى 13.5 مليون شاب وفتاه تخطت أعمارهم 35 عاما دون زواج ، ولعل هذا الرقم الذى يراه البعض ضخما كان مبررا لآخرين للبحث عن أى سبيل يجعلهم يلحقون بقطار الزواج حتى لو كان هذا من خلال صفحات إلكترونية أو مكاتب زواج، يتضح فيما بعد أن كثيرا منها يعمل دون غطاء قانونى أو شرعى، والدليل على ذلك ما أوضحته بعض الأرقام الصادرة من مؤسسات حقوقية بأن 48% من هؤلاء الرجال الذين يتزوجون عبر مكاتب تيسير الزواج منحرفين ويبحثون عن ضحاياهم بالاتفاق مع المكتب، إما باستغلال تقدمهن فى السن ووصولهن إلى مرحلة العنوسة، أو الاتجار بهم، كما أن نسب تحول الزوجات إلى متهمات فى قضايا جنائية وصلت إلى حوالى 44%. كما أصدر مركز البحوث الجنائية تقارير كثيرة عن وصول عدد المقبوض عليهم من أصحاب مكاتب تيسير الزواج التى تدفع الفتيات للعمل بالدعارة عام 2014 -2015 إلى 1098 مكتب، وكان عدد الضحايا التى لجئن إلى أقسام الشرطة يشتكين للتعرض للنصب من قبل مكاتب وهمية للزواج وصل فى عام 2014 و2015 إلى 2320 حالة. وعن رأى بعض الشباب فى قبول الارتباط من خلال أى من هذه الوسائل، يقول مصطفى محمد، 30 عاما، أرفض الارتباط بهذا الشكل فالزواج ليس وظيفة نتقدم إليها عبر وسائط، والأساس فيه هو التعارف والتواصل دون حواجز فالترتيب المنطقى أننى أرى الفتاة وأُعجب بها فأقرر الزواج منها وليس العكس، إضافة إلى أن نسبة فشل هذا النوع من الزيجات تكون أعلى فى رأيى، مضيفا، أقبل بهذه الطريقة ولكن فى حالات محددة على سبيل المثال عندما يكون الشخص الأرمل أو المطلق ليس أمامه سبيل أخر. فى حين قال محمود عزت، 33 عاما، والذى رفض أيضا الزواج عبر هذه الوسائل، إن الحياة الزوجية أكبر من مجرد مواصفات يتم إدخالها عبر تطبيقات إليكترونية وكأننا نعرض شقة للبيع، وأضاف هذه ليست طريقة تعارف حقيقية أو طبيعية، وهى نصب وليست علاقات حقيقية، والعلاقة الزوجية أكبر من مجرد مواصفات توضع على "ابليكيشن" كأنك بتبيع شقة. فى المقابل خاض كريم محمد، 33 عاما، تجربة التقديم من خلال أحد مكاتب الزواج ، معللا ذلك بأن تجاربه فى محاولة الزواج عن حب فشلت بسبب عدم التفاهم، وخاض أيضا تجربة زواج صالونات وفشلت أيضا، وبعد بحث ومحاولات كثيرة، قرر التقدم عبر مكتب زواج وتقديم المواصفات التى يرغب فيها ولكن المكتب لم يتواصل معه بعد ذلك على الرغم من دفعه مبلغ مالى وقدره 300 جنيه. أيضا سمية أحمد 39 سنة ذات مستوى تعليمى راقى ومن عائلة ميسورة الحال، خاضت تجربة التقديم فى أحد مكاتب الزواج بسبب الخوف من عدم اللحاق بقطار الزواج، وكان لها طلبات بسيطة فى شريك الحياة الذى تبحث عنه، وبالفعل تقدمت سمية لمكتب الزواج وكانت مشكلتها الحقيقة فى البيانات التى ستدلى بها، قائلة: عندما أرادوا معرفة البيانات الشخصية ترددت كثيرا فلا أعلم ما الذى سيفعلونه بهذه البيانات، خاصة وأننى أقدمت على هذه الخطوة فى سرية تامة، مضيفة: اشتريت خط تليفون جديد للتواصل مع المكتب كنوع من الحرص وحتى أتمكن من إغلاقه إذا حدث أى شىء لا يعجبنى، وبالفعل تواصلت مع المكتب أكثر من مرة، ولكن فى كل مرة كنت أخشى الذهاب لرؤية العريس المرتقب، وظلت هكذا أواجه شبح الخوف من خوض تجربة لا أعلم نهايتها ومدى صدقها وشبح الانضمام لصفوف العنوسة". حتى الآن وعلى الرغم من كثرة الحوادث التى تداولتها وسائل الاعلام بشأن مخالفات مكاتب تيسير الزواج، لا يوجد فى مصر جهة مسئولة واحدة تعترف بتبعية تلك المكاتب لها، حيث أخلت وزارة التضامن الاجتماعى مسؤوليتها من تبعية تلك المكاتب لها. وتقول ألفة السلامي، المتحدث باسم وزارة التضامن الاجتماعى، إن مكاتب الزواج التى يتم الترويج لها لا تتبع وزارة التضامن، مضيفة إن غالبيتها يكون عبارة عن شركات أو مكاتب خاصة وأن الحالة الوحيدة التى تجعلها تابعة للوزارة هى أن يكون ترخيصها من البداية جمعية معنية بالشؤون الأسرية. ويحلل الدكتور سعيد عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، إقبال الشباب على مثل هذه الوسائل قائلا : الشباب المقبل على مكاتب الزواج أو صفحات السوشيال ميديا يكون نفسيا خائف من عدم اكتمال حياته بشكل طبيعى، وإيجاد الطرف الثانى، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية والتى تتسبب فى تأخر سن الزواج، فقديما كنا نسمع عن الخاطبة أما الآن ومع حالة المساواة التى تتمتع بها المرأة فى مجال العمل، أصبح كثير منهن يعانى من تأخر سن الزواج . ويضيف: مكاتب الزواج موجودة فى كل دول العالم وأن اختلفت درجة الانتشار ولو أخذنا بها فى مصر فهى تجربة ينقصها الكثير من وجهة نظرى، فنحن بحاجة لمكاتب تضمن بشكل حقيقى وجاد سرية بيانات المتعاملين معها، لآن تسريبها هو هاجس نفسى أيضا يؤرق كل من يفكر فى التعامل معهم، بالإضافة إلى ضرورة أن يلتحق بهذه المكاتب أطباء نفسيين وأطباء بشريين لإجراء فحوصات ما قبل الزواج أيضا، وبذلك يكون لها صبغة قانونية وشرعية أكثر . ويقول الدكتور عبد الحميد زيد رئيس قسم الاجتماع بجامعة الفيوم: نحن نمر بمرحلة تغير سريع نتيجة تكنولوجيا الاتصال التى تمكنت فى أوصال المجتمع بل أصبحت جزءً أساسيا فى قضاء الاحتياجات، وأصبح المجتمع الافتراضى واقع لا جدال فيه، وتكنولوجيا الاتصال سهلت المعلومة وأصبح الانسان يأخذ جملة أفكار حتى المتغير من القيم من خلال صاحب الفكرة نفسها وليس عن طريق وسيط، وحتى الأجيال القديمة التى كانت تتحكم فى طريقة الزواج وأنواعه لا تستطيع الآن التحكم فى الفكرة أو منعها لآن التطور التكنولجى سريع. ويضيف: لدينا تغير سريع فى القيم ولدينا خوف من بعض رواسب الأفكار القديمة، فالشباب هو الفئة الأكثر إقبالا على كل ما هو جديد، وكان من قيم الزواج السابقة أن يتم التعارف عبر البيوت والمعارف والسؤال عن العائلة والأصل والسلوك بالشكل التقليدى والاتصال، أما الآن وفى ظل النماذج الجديدة أصبح هناك طرق قد يقبلها الشباب وقد تكون أفضل من الفرص التى تقدم عبر الإطار الاجتماعى التقليدى. وعن مساؤى تلك الطرق قال زيد: بعض المستخدمين يصارحون الطرف الأخر بجزء فقط من المعلومات ويخفى الجانب الآخر، وهذا خطر إضافة إلى أن المجتمع مازال لا يتقبل فكرة الارتباط من خلال تلك العوالم الافتراضية ويحتاج لمزيد من الوقت للإعتراف بها، خاصة وأن المجتمع ينظر لمن يستخدمها على اعتبار أنه مارق أو خارج عن سلوك التعارف القديمة التى كانت تعتبرها العائلات جزء أصيل لبناء الأسرة السليمة .






الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;