نقلا عن العدد اليومى...
لأن مثلث برمودا حقيقة غامضة، كان من الطبيعى أن يرتبط ذكره بإحساس الرعب والفزع لدى الكثيرين نتيجة لما أثير حوله من قصص وحكايات للمصير الغامض لكل من يقترب منه سواء أكان سفينة أم طائرة أم بشر، فعلى مدى أعوام طويلة ظل «مثلث برمودا» لغزا غامضا لم يتمكن أحد من فك شفراته، مهما بلغت المحاولات المستمرة لتفسير ظاهرة اختفاء كل ما يقترب منه بدون أثر، وهو ما دفع المهتمين بالأمر للرجوع لأصل الأساطير التى انتشرت حوله، حيث أرجعت معظم الآراء التى حاولت تفسير الظاهرة الأمر للأساطير التى أكد بعضها أن المنطقة تم لعنها من قبل العبيد الذين غرقوا فى قاع المحيط، والبعض الآخر أرجعها لكون المكان هو مقر «عرش الشيطان» تحت آلاف الفراسخ من المياه، أساطير صدقها البعض، وأساطير أخرى خرجت عن حدود المنطق، ولكن ظلت الحوادث التى وقعت بهذا المكان حقيقية ومثبتة، ولكنها بدون تفسير حتى الآن.
أطلقت تسمية «برمودا» للمرة الأولى عبر السطور فى مقالة لفنسينت غاديز بمجلة المركب التجارى فى عام 1964م على منطقة جغرافية تقع فى الجزء الغربى من المحيط الأطلسى مجاورة للساحل الجنوبى الشرقى لولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية على شكل مثلث تمتد أضلاعه ما بين فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، وجزر برمودا التابعة لبريطانيا، وجزر «البا» على مساحة نحو 1,140,000 كيلو متر مربع.
منطقة برمودا عبارة عن مجموعة من الجزر، يبلغ عددها 300 جزيرة، 30 جزيرة فقط منها مأهولة بالسكان، عاصمتها «هاملتون» وتقع فى الجزيرة الأم ويطلق عليها أيضًا مثلث الشيطان، وذلك لتكرار حوادث الاختفاء الغامضة فيها أو بالقرب منها منذ عام 1854م، على الرغم من عبور السفن التجارية والعسكرية هذه المنطقة بسلام كل يوم، وكان كريستوفر كولومبوس أول من وثق حدوث أشياء غريبة فى مثلث برمودا حينما شاهد هو وطاقم السفينة لهبًا فى السماء وأضواء متراقصة عند الأفق، وكتب فى مذكراته عن حدوث حركة غريبة فى البوصلة المغناطيسية.
مفقودون فى المثلث.. بداية الحوادث
19 رواية تم تداولها حول تلك المنطقة، بدأت عام 1809، عندما أبحر هنرى ريفنز بسفينته مع 7 من مرافقيه ولم يعودوا، ولم يلق أحد بالاً للأمر إلا بعد زيادة الحوادث بالطريقة نفسها فى أعوام وحقب زمنية مختلفة، حيث تكرر الأمر مرة أخرى عام 1814 عندما اختفت سفينة القوة البحرية الأمريكية، بقيادة جونستون بلايكلى.
هناك العديد من المفقودين فى حوادث الاختفاء الغامض فوق مثلث الشيطان وأكثرها شهرة هى سفينة إليو إس إس سايكلوبس فى يناير عام 1918م أثناء الحرب العالمية الأولى، وكان مخططا لها أن تبحر من البرازيل لإعادة تعبئة وقود سفن بريطانية موجودة بالأطلس الجنوبى، وبالفعل أبحرت من ريو دى جانيرو فى السادس عشر من فبراير، وبعد أن أخذت استراحة فى باربيدوس فى الفترة من 3 إلى 4 مارس، أبحرت إلى المجهول ولم يرها أو يسمع عنها أحد ولم يصل من طاقمها أى اتصالات لاسلكية، وذهلت الإدارة البحرية لعدم وجود أية عواصف بحرية فى هذا التوقيت فى تلك المنطقة، وكانت هذه هى الحادثة الأولى المُسجَّلة.
أشهر الحوادث.. اختفاء 5 طائرات
أما عن أشهر الحوادث التى أثارت الدهشة نفسها عن منطقة «مثلث برمودا» فهى حادثة الرحلة 19 فى عام 1945م، حيث اختفت مجموعة الطائرات الخمس للرحلة 19 التابعة للبحرية الأمريكية من نوع قاذفات القنابل أثناء قيامها برحلة تدريبية عادية، والغريب أنه حينما تم إرسال طائرة استطلاع لتفقدها اختفت ولم تعد هى أيضًا، فكانت جملة الخسائر فى الأرواح 27 رجلاً، ولم يعثر لهم على أى أثر.
وفى عام 1963 لم يتمكن أحد من تفسير اختفاء طائرتين أمريكيتين بشكل غريب فوق مثلث برمودا، من طراز كى سى 1350، وبعد عدة أيام تم العثور على الحطام متناثرا فى تلك المنطقة، ولم تستطع بعثة الإنقاذ تفسير سبب الحادث حتى الآن.
حوادث غامضة
فى أواخر نوفمبر وبداية ديسمبر 1941م اختفت أخوات السفينة «السايكلوبس» على الرغم من أن كلا منها قد سلكت طرقا مختلفة، وكأنما لاحقت اللعنة مجموعة السفن بالكامل، فأينما تذهب واحدة منها لابد أن تلاقى المصير نفسه، أما فى عام 1947 فطال المصير نفسه طائرة الجيش الأمريكى سى 45 على بعد 100 ميل من برمودا، وفى 30 يناير عام 1948 اختفت طائرة على متنها 31 شخصا أثناء رحلة عبرت فوق منطقة برمودا ولم يجد أحد أثرا للضحايا أو للطائرة حتى اليوم، وفى نفس العام اختفت طائرة دى سى - 3 وعلى متنها 32 شخصا، وفى 17 من يناير 1948م وصف طيار أمريكى متدرب الجو بأنه جيد جدا وذلك قبل اختفاء الطائرة بلحظات حينما كانت الطائرة على وشك تحويل الراديو من برج مراقبة برمودا إلى برج مراقبة جاميكا، وكان آخر حوادث الاختفاء لطائرة شحن فى عام 1967م، ولم يصل أحد حتى الآن لتفسير مقنع لهذه الحوادث، كما ظل الضحايا مفقودين ولم يجد لهم أحد أثرًا.
مازال هناك جدل قائم بخصوص ما يحدث فى منطقة مثلث برمودا هل هو ظاهرة ماورائية؟! أم طبيعية؟! أم أن هناك أمرا غريبا ولا يمكن فهمه فى ضوء العلوم الحالية؟! وساعد استمرار الغموض على جعل المجال خصبا للعديد من التفسيرات والتكهنات ما بين العلمية، والدينية، بل الخرافية والأسطورية أيضًا.
عرش الشيطان فوق الماء.. والمسيخ الدجال على الجزيرة!
مالت محاولات التفسير على أساس دينى للربط بين مثلث برمودا والمسيخ الدجال الذى يعتقدون فى وجوده مقيدًا على إحدى الجزر بتلك المنطقة، استنادًا لما ورد فى بعض الأحاديث النبوية بوجوده مقيدًا على إحدى الجزر وشاهده أحد الصحابة أثناء رحلته البحرية، بينما يعتقد آخرون فى وجود عرش «إبليس» الشيطان الأكبر فوق سطح الماء، وفقًا لما ورد فى الأثر.
تفسيرات خرافية:
يرى البعض أن حوادث الاختفاء والوفيات فى مثلث برمودا أتت نتيجة لعنات من العبيد الغارقين بهذه المنطقة، ويعتقد الدكتور كينيث ماكاول، من معهد بروك ليندهارست فى إنجلترا، أن المنطقة يمكن أن تكون مسكونة بأرواح العديد من العبيد الأفارقة الذين نقلوا إلى أمريكا فى كتابه «علاج المسكون»، حيث كتب عن هذه التجربة الغريبة حينما كان يبحر فى تلك المياه، وهى التجربة التى تحدث عنها قائلاً: «بينما كنا ننحرف بهدوء مع الهواء الدافئ المشبع بالبخار، أصبحت أكثر وعيا لتلك الأصوات التى تشبه الغناء الحزين، واعتقدت بأنه أسطوانة مسجلة يتم تشغيلها من قبل أحد أفراد الطاقم، لكن ذلك الغناء استمر فى الليلة التالية، وفى نهاية المطاف نزلت غاضبًا للأسفل لأسأل إن كان بالإمكان إيقافها، لكن الأصوات بالأسفل كانت نفس الأصوات فى أى مكان آخر، وكان جميع أفراد الطاقم متحيرين فى أمرها» وبالبحث علم «كينيث ماكاول» فيما بعد أن ملاحى السفن البريطانية فى القرن الثامن عشر كانوا يقومون برمى العبيد السود ليلاقوا حتفهم غرقًا، ثم يقبضون المال بدعوى المطالبة بهم.
اختطاف من قبل الأطباق الطائرة أو الكائنات الفضائية
أغرب التفسيرات على الإطلاق هى التى أرجعت الظاهرة ممن يمتلكون الخيال الواسع إلى أن السر وراء وقوع الحوادث فى منطقة مثلث برمودا هى من صنع سكان الكواكب الأخرى، وأن البشر المفقودين قد تم اختطافهم من قبل كائنات فضائية غريبة، أو هربوا بهم عبر الفضاء بالأطباق الطائرة.
تفسيرات ميتافيزيقية
وبعيدًا عن التفسيرات الدينية، والمحاولات العلمية لمعرفة حقيقة ما حدث، اتجه البعض لتفسير الأمر وفقا لقوانين ما وراء الطبيعة، من خلال عدة نظريات ميتافيزيقية أهمها:
قد نصدق هذا التفسير إذا كنا نؤمن بالسفر عبر الزمن، وبأن هناك فتوقًا وشروخات فى نسيج الوقت، وهذا ما يفترضه البعض، وبالتالى ما حدث للسفن والطائرات، هو باختصار أنها قد سقطت فى إحدى ثقوب الزمن.
مدينة أتلانتس من المؤكد أن هذا التفسير لا يقل غرابة عن التفاسير الأخرى، إذ يعتقد بعض العلماء أن مثلث برمودا يقع على مدينة أتلانتس الضائعة، وبما أن هذه المدينة كانت متقدمة جدًا، فربما تكون نشطة حتى الآن، ولذلك تقع تلك الحوادث الغريبة هناك!
الالتواء المكانى ، يُعتقد أن صدعا زمكانيا يفتح من حين لآخر فى تلك المنطقة فخًّا للسفن والطائرات عاثرة الحظ التى تكون مسافرة فى نفس التوقيت فتضيع فيه، وهذا يفسر عدم العثور على أى حطام أو آثار للسفن، ولكن إلى أين يختفون؟! إلى زمان ومكان آخرين!! فى بعد آخر.
الضباب الإلكترونى، أكد روب ماكجريجور، وبروس جيرنون فى كتابهما تحت عنوان الضباب، حيث كان جيرنون أول شاهد نجا من هذه الظاهرة الغريبة فى 9 ديسمبر 1970م، عندما كان يحلق بطائرته من نوع بونانزا A36 هو وأبوه فوق جزر الباهاما، وبينما كانا يتجهان إلى لبينيمى، واجها ظاهرة غيمية غريبة، كانت دوامة أشبه بنفق وكانت تحتك بها أجنحة الطائرة خلال تحليقها وتعطلت جميع أدوات الملاحة الإلكترونية والمغناطيسية، واستمرت البوصلة المغناطيسية فى الدوران بشكل غريب، وكلما اقتربا مما يبدو أنه نهاية النفق لم يريا سوى بياض مائل للرمادى باهت اللون لعدة أميال بلا محيط أو سماء أو أفق، وبعد طيران دام لمدة 34 دقيقة وجدا نفسيهما فوق شاطئ ميامى، ورحلة كهذه تستغرق بالعادة 72 دقيقة، ويعتقد ماكجريجور وجيرنون بأن الضباب الإلكترونى الذى مرا به قد يكون مسؤولا عن اختفاء الرحلة 19 ومابعدها.
الدوامات المغناطيسية
يعتقد الباحث إيفان ساندرسون أن الظواهر الغريبة فى البحر والسماء فى تلك المنطقة وتعطل الأدوات والأجهزة أتت نتيجة لما سماه بالدوامة الفاسدة، ويفسر ذلك بأن تيارات هائلة باردة وأخرى ساخنة تتقاطع فيما بينها بشدة فى المنطقة، مما ينتج عنه مؤثرات إلكترومغناطيسية تؤثر على المركبات والأدوات، ولم يكن مثلث برمودا هو المكان الوحيد الذى يحدث فيه ذلك، وقام برسم خريطة عليها عشرة أماكن مشابهة موزعة بدقة حول الكرة الأرضية يقع خمسة منها فوق خط الاستواء وخمسة أخرى أسفله وعلى مسافات متساوية منه.
تيار الخليج المرعب, كان هذا واحدًا من أكثر الأسباب منطقيةً، حيث يرى المحللون أن تيار الخليج يلعب دورا محوريا فى إنزال الدمار بالسفن والطائرات، إذ قد ترتفع الأمواج لبضع مئات من الأمتار فى الهواء، الأمر الذى يجعل من السفن والطائرات هدفا واضحًا وسهلا.
غاز الميثان تحت الماء, يقع مثلث برمودا على حقل من حقول غاز الميثان، ويقول الكثيرون إنه إن انفجرت إحدى فقاعات غاز الميثان، فإنها من الممكن أن تغرق سفينة بأكملها.. ولكن، ماذا عن الطائرات؟!
الانزياح المغناطيسى , أورد هذه النظرية خفر السواحل الأمريكى قبل أكثر من 30 عاما، وتفسر الظاهرة بأن أغلبية حوادث الاختفاء تعود إلى الخصائص البيئية المميزة للمنطقة، فمن جهة يعتبر مثلث الشيطان إحدى المنطقتين اللتين لا تشير بهما البوصلة للشمال الصحيح والذى يفترض به أن يكون الشمال المغناطيسى، ويعرف ذلك بانزياح البوصلة، وهو تغير قد يصل إلى 20 درجة وقد يجد الملاح نفسه بعيدا عن المسار المفترض ويتسبب ذلك فى مشكلة كبيرة له.
قراصنة أو تدمير من صنع الإنسان, هذا سبب آخر من جملة الأسباب غير المنطقية، إذ يرى أصحاب هذا التفسير أن السبب وراء حالات الاختفاء هو وجود قراصنة أمثال قراصنة البحر الكاريبى وجاك سبارو وذوى اللحية السوداء، أو مواد تدميرية من صنع الإنسان وهجوم من قبل الأعداء.
مأساة وليست أمراً غريباً
قام «لارى كوشيه» فى عام 1975م بتجميع الروايات والمقالات الخاصة بمثلث برمودا بهدف التحقق منها ونشر ما توصل إليه فى كتاب «مثلث برمودا»، وأسفر البحث عن أن أغلب تلك الحوادث التى وصفها الكُتّاب على أنها غريبة، كانت حوادث عادية من الممكن أن تحدث فى أى مكان، فمثلاً يدعون اختفاء سفينة ما بشكل غريب وكان وقتها البحر هادئا لا أمواج فيه، ولكن بالرجوع لنفس التاريخ فى تقارير خفر السواحل نجد أن البحر فى هذا اليوم كان عاصفًا وأمواجه عالية، ووصفهم أيضًا لبعض الحوادث بأن سفنًا اختفت ولم يظهر لها أثر، ولكن بالرجوع للتقارير نجد أنه وجد حطام تلك السفينة فى ذلك الوقت، وذكر باحثون ووردت تقارير كثيرة أفادت بأن منطقة مثلث برمودا لا تزيد خطرا عن كثير من المناطق فى المحيط الأطلسى، فمثلما كانت تحدث حوادث كبيرة فى بعض المناطق كانت تحدث فى مثلث برمودا أيضا، وأن ما ذكرته المقالات والكتب والأفلام الوثائقية التى لاقت رواجًا كبيرًا استخدمت الأسطورة للترويج والدعاية لكتبهم، فكلما كانت الحوادث والتفاصيل غريبة مثيرة زادت مبيعاتهم من الكتب، ولكنهم لم يبحثوا أو يتحققوا حول تلك المزاعم.
ويبقى مثلث برمودا لغزًا غامضًا محيرًا يعتريه الكثير من الغموض والقلق إلى أن يثبت العكس.
راحوا ومارجعوش
1 - فى 1809م أبحر هنرى ريفنز بسفينته مع 7 من مرافقيه ولم يعودوا.
2 - سفينة القوة البحرية الأمريكية فى 1814م.
3 - سفينة إليو إس إس سايكلوبس فى يناير 1918م.
4 - فى ديسمبر 1941م اختفت اثنتان من أخوات السفينة «السايكلوبس».
5 - الرحلة 19 فى 1945م.
6 - اختفت طائرة الجيش سى - 45 على بعد 100 ميل من برمودا فى 1947م.
7 - فى 30 يناير 1948م اختفت طائرة على متنها 31 شخصًا بعد رحلة ترانزيت إلى برمودا.
8 - فى نفس العام 1948 اختفت طائرة دى سى - 3 حاملة معها 35 شخصا من بورتريكو.
9 - اختفاء طائرة دى سى - 3 فى 17 يناير 1948.
10 - طائرة «فرايتر» أمريكية فى نفس العام 1948م.
11 - طائرة «جلوب ماستر» فى نفس العام 1948.
12 - فى 1952م اختفت طائرة بريطانية.
13 - اختفاء طائرة بحرية أمريكية فى 1954م.
14 - فى 1962م أقلعت ناقلة جوية عملاقة من قاعدة «لانجلى» الجوية بفرجينيا ولم تعد.
15 - اختفاء طائرتين من طراز كى سى 1350 فى عام 1963م.
16 - وفى 1963م اختفت «فرايتر» أمريكية وهى «مارين سولفر كوين» مع طاقمها كليا.
17 - كان آخر الاختفاءات لطائرة شحن فى عام 1967م.