أطل الموسيقار محمد الموجى على الجمهور قائلا: «كما هى العادة، ومن هواياتى فى رعاية البراعم الجديدة وتقديمها، وكما قدمت أصواتًا جديدة، أقدم لكم اليوم صوتا جديدا، صوت بلدنا الأستاذ محمد حمام».
خرج «حمام» إلى الجمهور، وحسب «زياد عساف» فى كتابه «المنسى فى الغناء العربى» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»: «من شدة ارتباكه وخوفه فى تلك الحفلة، وضع يده فى جيوبه، وهو يغنى أمام ذلك الجمهور العريض وخلفه الفرقة الماسية الموسيقية، بقيادة أحمد فؤاد حسن».
كان الحفل فى سينما «قصر النيل»، وكان الزمن عام 1968، أى بعد نكسة 5 يونيه 1967، وكان النجم الجديد الذى بشر به «الموجى» جنوبيا، يصفه عساف بأنه «صاحب صوت يمتاز بالعمق والحنين، يحمل فى ثناياه روح وجمال الفن النوبى وناسه الذين ينتمى إليهم، وهم أهل النوبة فى أسوان».
فى هذا المساء كان «حمام» يخرج من التجريب، والغناء فى دوائر ضيقة، إلى فضاء أوسع يحدد فيه انحيازه للبسطاء المولود بينهم يوم 4 نوفمبر 1935، فى حى بولاق لأسرة أسوانية عاد معها إلى أسوان وهو طفل، ثم عاد إلى القاهرة مرة ثانية، وحسب عساف: «درس فى جامعاتها فى كلية الفنون الجميلة قسم هندسة العمارة، وفى آواخر خمسينيات القرن الماضى، دخل السجن لمدة 5 سنوات «حملة القبض على الشيوعيين عام 1959»، وفى السجن التقى بالفنان والصحفى حسن فؤاد، الذى سبق واستمع إليه وهو يؤدى الأغانى النوبية فى كلية الفنون الجميلة، وقدمه فؤاد بدوره للأوساط الفنية بعد خروجه من السجن».
اختار «حمام» الغناء للناس والوطن وللجنود على جبهة القتال ضد إسرائيل بعد نكسة 5 يونيه 1967، وأصبحت أغنيته الخالدة «يا بيوت السويس.. يا بيوت مدينتى.. أستشهد تحتك.. وتعيشى أنت»، كلمات عبدالرحمن الأبنودى وتلحين إبراهيم رجب «رمزا لأغنية المقاومة»، التى تصلح لكل زمان ومكان رغم أنها جاءت أثناء حرب الاستنزاف التى خاضها جيشنا ضد إسرائيل، بعد نكسة 5 يونيه 1967 وحتى أغسطس 1970، ويبقى سر خلودها فى شجنها وحنينها وتصميمها.
يروى «حمام» جريدة «الشرق الأوسط - لندن» عام 2002، أن القوات المسلحة نظمت سنة 1968 معسكرات تدريب للمقاومة الشعبية، فذهب إليها وتدرب على حمل السلاح، وبدأ يغنى فى الجبهة: «كنت أغنى فى الخنادق، واشتهرت أغنية «يا بيوت السويس» بين الجنود، وغنيت أمام اللواء عبدالمنعم واصل «قائد اللواء 14 مدرع» واللواء تحسين شنن رئيس أركان الفرقة المدرعة بالجبهة الشرقية، واللواء فؤاد عزيز غالى - رئيس عمليات الفرقة الثانية مشاة، لكن المهم أننى غنيت للعسكر المصريين الذى أعادوا كرامة مصر فيما بعد».
شارك «حمام» فرقة «أولاد الأرض»، التى كونها «كابتن غزالى» فى السويس بعد نكسة 5 يونيه، وكان قوامها شباب من المقاومة الشعبية فى المدينة تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والثلاثين من العمر، حسب «حسين العشى» فى كتابه «سنوات الحب والحرب» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»، مؤكدا أن حمام كان من أعضاء الفرقة، التى ضمت عبدالرحمن الأبنودى المقيم بصفة شبه دائمة خلال سنوات الحرب بالسويس والملحنين إبراهيم رجب، وحسن نشأت والشاعرين عطية عليان وكمال عيد، وطاف حمام مع الفرقة أيضًا فى مختلف المدن المصرية.
فى سبعينيات القرن الماضى وبعد حرب أكتوبر 1973 ومع دخول السادات مرحلة السلام مع إسرائيل، طالت أغنيات محمد حمام يد المنع فى الإذاعة والتليفزيون ضمن كل الغناء الوطنى والمقاوم الذى عرفته مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952، ووفقا لزياد عساف: «ذهب للعمل فى الجزائر، وانتقل بعدها إلى بغداد وسجل أغانى بصوته للإذاعة، ثم حط به الرحال فى باريس وشارك كمطرب فى فيلم فرنسى، وسجل بصوته أغنيته الشهيرة «بابلو نيرودا» شاعر أمريكا الجنوبية الأشهر»، وبيعت منها آلاف النسخ فى فرنسا وأمريكا اللاتينية والبلاد العربية».
داهمه المرض عام 2000، وأصيب بجلطة فى المخ وتوقفت ذراعه اليسرى عن الحركة، وأصيب بشلل نصفى فى الجانب الأيسر، وعلاجته الدولة على نفقتها بعد حملة صحفية طالبت بذلك، ويذكر عساف، أنه فى شتاء عام 2007 وفى مستشفى القوات المسلحة بالعجوزة، كان يقيم هناك، ووصل به الحال أن امتنع عن تناول العلاج والطعام، وبدت لحيته طويلة لم يطلها موس الحلاقة منذ زمن، كونه بدأ يعانى من قلة تواصل الأصدقاء وسؤالهم عنه، وزيارته، واستمر على هذا الحال حتى وفاته يوم 26 فبراير «مثل هذا اليوم» 2007، وأمر المشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع، بنقل جثمانه إلى مسقط رأسه فى أسوان بعد الصلاة عليه فى مسجد جمال عبدالناصر، تنفيذا لوصيته بالدفن إلى جوار والدته.