لطالما تاجرت بعض الدول بقضية اللاجئين الموجودين لديها، بل استخدمتهم كورقة ضغط فى بعض الأحيان لتحقيق مصالحها الاستراتيجية كما فعلت تركيا عام 2016، حين تلقت أموالا مقابل منع اللاجئين من السفر إلى أوربا، وكذلك تلقى تسهيلات لدخول مواطنيها إلى أوربا مقابل منع اللاجئين، كما قامت ببناء حواجز ضخمة على الحدود السورية لمنع تدفق اللاجئين إليها رغم الوضع الإنسانى المؤلم فى سوريا، إلا أنها تمارس المتاجرة بهؤلاء اللاجئين فيها.
لكن وفى المقابل فإن دولة مثل "مصر" تستقبل مئات الآلاف من اللاجئين المسجلين على أرضها بخلاف ملايين من اللاجئين غير المسجلين الذين تقدم لهم مصر العديد من الخدمات الإنسانية دون المزايدة بهم والزج بهم فى صراعات سياسية إقليمية، وكشفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فى آخر تقاريرها عن مصر، عن وجود 221 ألفا و675 لاجئا مسجلين على أراضيها، من بينهم 127 ألفا و414 سوريا، بما يوازى 57% من إجمالى اللاجئين على الأراضى المصرية، فيما يوجد 36 ألفا و195 لاجئ سودانى على أرض مصر، و14 ألف و564 لاجئ إثيوبى، و12 ألف و959 لاجئ من إريتريا و10 آلاف و518 لاجئ من جنوب السودان، بالإضافة إلى 20 ألف و25 لاجئ من 51 دولة أخرى، وذلك فى نهاية شهر يناير 2018.
وأكد التقرير المنشور على موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة أن شهر يناير من عام 2018 شهد قدوم 1897 لاجئ جديد إلى مصر من بينهم 416 سوريا، بالإضافة إلى قيام 2545 لاجئ جديد بالتسجيل فى مصر من بينهم 722 سوريا.
ورغم أن الأعداد التى حصرتها المفوضية السامية لشئون اللاجئين، إلا أن مصر لديها أعداد تفوق الملايين من اللاجئين الموجودين على أراضيها، وفق ما قاله سامح شكرى وزير الخارجية خلال اللقاء الذى عقده أمس فى جينيف مع فليبو جراندى المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، كما أكد أن مصر ترفض فكرة عزل اللاجئين فى معسكرات إيواء بل وتحرص على دمجهم فى المجتمع ومشاركة المواطنين كافة الخدمات العامة التى توفرها الدولة لمواطنيها لا سيما فى قطاعات التعليم والصحة.
الدكتور صلاح سلام، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، قال إن مصر ظلت طوال الوقت ملجأ ووطنا لكل شعوب المنطقة فى أوقات الصراعات، حيث استقبلت مصر الأشقاء الكويتيين عند وقوع غزو الكويت، ثم العراقيين بعد الغزو الأمريكى للعراق، ثم استقبلت من بعدهم السوريين والليبيين وأبناء اليمن وجنوب السودان وغيرهم، لذا فإن مصر يطلق عليها "أم الدنيا" لأنها دائما تفتح أحضانها لكل الأشقاء فى وقت المحن.
وأكد سلام فى تصريح خاص لـ"انفراد" أنه زار معسكرات اللاجئين فى عدد من الدول، ورأى اشياء يندى لها الجبين، فهى عبارة عن عشش رديئة بلا أسقف أو فى أحسن الأحوال مغطاة بـ "بلاستيك" وفيها الصرف الصحى غير مغطى ويسير فيما يشبه "نهر" صغير، وهو المشهد الذى لا يمكن أن تجده أبدا فى مصر، حيث يأتى اللاجئ ليعيش بجوار المصرى ويفتح له المجال حتى فى الاستثمارات وإقامة المشروعات التجارية والصناعية، وهذا هو المبدأ الذى تتعامل به مصر على مر السنوات،حتى منذ استقبال الأشقاء الفلسطينيين الذين يعيش منهم 150 ألف شقيق بيننا.
ويرى سلام أن مصر تعاملت "بأخلاقية" كبيرة فى مسألة اللاجئين، على خلاف ما تعالت به بعض الدول الأخرى التى تأخذ من مسألة اللاجئين وسيلة لتسول الأموال، وتنفيذ الصفقات السياسية، وهو ما نحتاج إلى تسويقه أيضا للعالم الخارجى كى يعرف مدى أخلاقيات بلادنا وتعاملها السامى والراقى فى أحد ملفات حقوق الإنسان التى طالما يحدث بها تجاوزات فى جميع أنحاء العالم.
النائب محمد الغول، وكيل لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، قال إن مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تستضيف لاجئين ولا تقوم بعمل مخيمات فيها، والدليل هو وجود لاجئين فى مصر من 52 دولة فى العالم منصهرين فى أوساط الشعب المصرى حتى لا يكاد هذا اللاجئ أن يشعر بأنه غريب فى بلد غير بلده، مشيرا إلى أن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أشار إلى أن هناك حوالى 5 ملايين لاجئ فى مصر أغلبهم غير مسجلين بالمفوضية.
وأضاف الغول فى تصريح خاص لـ"انفراد" أن هناك فضائح تكشفت فى خلال الفترة الأخيرة حول طريقة التعامل الأوربى مع اللاجئين بشكل غير آدمى، بل حتى جعلهم عرضة لعصابات الإتجار بالبشر والاستغلال الجنسى، أما فى مصر فهى الدولة الوحيدة التى يختلط نسيج اللاجئين فيها بنسيج الشعب المصرى، ولا يعانون أى مشكلات، لأن هذا مبدأ عام فى مصر أن تفتح أبوابها أمام الأشقاء فى محنهم التى نتمنى أن تنتهى قريبا.