حقوق الإنسان فى مصر.. إذا ضربك الإرهاب على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر؟

من ذا الذى يستطيع أن يجادل فى جدارة وإبداع المواثيق العالمية لحقوق الإنسان؟ من يستطيع إنكار القيمة الحضارية لهذه المواثيق الدولية، التى تحمى حقوق الأفراد، وتنظم العلاقة بين السلطة والناس، وبين معسكر القوة ومعسكر الضعف؟ هذه ليست قضية محل نظر أو مراجعة، وهذه القيم تشكل فى بنيانها النظرى وصياغاتها التعاقدية الدولية أحد أبرز إنجازات الفكر الإنسانى فى القرن الماضى؟ لكن مشكلة هذا الملف ليس فى الأفكار والنظريات والقيم والاتفاقات الدولية، مشكلته الأساسية فى الاستخدامات السياسية التى جعلت من منجز حضارى رائع بهذا الإبداع والرقى مجرد ورقة ضغط استخباراتية رخيصة تلوح بها الدول صاحبة السطوة والنفوذ والقوة العسكرية فى المجتمع الدولى ضد البلدان التى لا تستجيب لتعاليم القطيع، ولا تؤمن بمبدأ السمع والطاعة فى الأمم المتحدة، ولا تدفع «الجزية» العالمية من ثرواتها فى النفط أو المعادن أو طرق التجارة أو من التسهيلات العسكرية المجانية للأقوياء. التعاليم رائعة، لكن كهنة المعبد فاسدون دائما، التشريع مبدع لكن أوصياء الحكم الأقوياء فى النظام الدولى لا ينتصرون للإنسان والإنسانية، لكنهم ينتصرون لأنفسهم دوما ولمصالحهم السياسية والتجارية والعسكرية، ويلوحون بالتعاليم فى وجه البلدان المارقة عن قطعان الغنم الدولية، ويخفون التعاليم نفسها عندما تكون البلدان المتهمة قادرة على سداد الفواتير نفطًا وسلاحًا وتحويلات وقواعد وثروات. هكذا كان النظام الدولى دائمًا، الأوصياء على العالم، والأوصياء على حقوق الإنسان هم من قصفوا المدنيين العزل فى الشرق الأوسط، هم من قتلوا المدنيين فى فلسطين والعراق ولبنان وليبيا وأفغانستان، قتلوا المدنيين ليعاقبوا الأنظمة باسم حقوق الإنسان، قتلوا مئات الآلاف من الأبرياء، قتلوا الإنسان باسم الإنسانية، هتكوا عرض حقوق الإنسان باسم حقوق الإنسان نفسها، والانتهاكات نفسها تكررت فى أقاليم متعددة، جنوبا فى أفريقيا، وشمالا مع المهاجرين الهاربين من جحيم الحروب التى صنعها أوصياء العالم باسم حقوق الإنسان أيضا، ترى يا سيدى، هل كان الإنسان حاضرا فعلا فى هذا المشهد الدموى، أم أن الأنظمة الوصية على العالم هى وحدها التى كانت حاضرها بمصالحها العليا وسلطانها العسكرى. كانت تلك هى العقدة دائمة، وأنت ستتذكر مثلى كيف تشتعل منابر الغضب الاستعمارى فى العالم لهذا الملف ضد الضعفاء فقط والمارقين فقط، والذين لا يستجيبون للتعليمات الدولية فقط، أما البلدان الأغنى والمطيعة فكانت محصنة من الغضب الدولى، ومحرمة على النهش العلنى فى الصحافة العالمية. • • • مصر طبعًا ليست دولة مطيعة مصر بالتأكيد لا تقبل بقواعد عسكرية مصر حتما لا تملك إيداعات بليونية فى بنوك أوصياء العالم مصر لا تعرف السمع والطاعة فى القرارات الدولية ومصر لا تقدم مصلحة سادة العالم على مصلحة أهل مصر مصر لا تقدم «الرشاوى» للإعلام الدولى مصر لا تملك أسهمًا فى صحافة الغرب • • • - مصر قالت للعالم: إن حقوق الإنسان لها أولويات - مصر تؤمن بحق الحياة فى مقابل حصار الموت الذى فرض عليها. - مصر تؤمن بحق السكن فى مقابل خطط التشريد التى صنعت على عين أوصياء العالم. - مصر تؤمن بحق التعليم والصحة والعيش أولا فى مواجهة من يفرض علينا «حماية الخاطف والمخطوف» من تجار الدم فى العالم. هل تعتقد أن بلدًا بهذه المواصفات يمكن أن ينجو بنفسه من طغيان الاستخدامات الاستخباراتية لحقوق الإنسان؟ وهل تعتقد أن أمة بهذه المعتقدات لن يخترع لها كهنة المعبد قصصا كاذبة، وسيناريوهات ظالمة؟ نحن الآن نواجه هذا المشهد الكلاسيكى فى سيناريوهات الألعاب الدولية الاستخباراتية، المطلوب من هذا البلد، وهو فى حالة الحرب أن نطبق قاعدة «إذا ضربك الإرهاب على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر» ولن ترضى عنك منظمات العالم إلا إذا اتبعت ملة القطيع، وصالحت الممولين والرعاة وأباطرة الجيوش الأقوى فى العالم. • • • هل تعرف كيف نهمل نحن هذا الملف؟! نحن نهمل ترجمة أولوياتنا الإنسانية فى الداخل. نهمل مواجهة العالم بالحقيقة وبالأولويات الوطنية بشجاعة. ننتظر حتى يحاصرونا فى ركن الدفاع وفق قواعد لعبتهم لا قواعد أمننا الوطنى. لقد حددنا أولوياتنا فى ملف حقوق الإنسان من قبل، قلنا للعالم من قصر الإليزيه إننا نؤمن بكل المواثيق الدولية، ونؤمن بالحرية والمساواة والحقوق والحريات الفردية، لكننا كأمة تواجه الفقر والإرهاب والمرض والأمية والتطرف الفكرى نضع أولوياتنا لمصلحة الإنسان المصرى، لا مصلحة الممولين فى الخارج، أو كارتلات السلاح والقواعد العسكرية والظلم الدولى. نحن نؤمن بالحريات والحقوق، لكننا نؤمن بها للإنسان المصرى لا الإنسان الذى يقتل المصريين ويسفك دماء أبنائهم ويتآمر مع أعدائهم ويخرب منشآتهم وممتلكاتهم ويسرق حياتهم بالكامل. نؤمن بحقوق الإنسان المصرى بالكامل حقه فى العلاج وحقه فى السكن والطعام والشراب والحياة والمياه النظيفة والدواء.. لماذا لا تساعدوننا أنتم فى هذه الحقوق دون أن تطلبوا فى المقابل ما يعتدى على استقلالنا الوطنى وكرامة أمتنا؟ لا ينبغى أن نبقى فى ركن الدفاع.. علينا أن نبادر إلى خطة سياسية وإعلامية خلاقة نشرح فيها للأمة فى الداخل كواليس هذا الملف، ونعلن فيها للعالم رؤيتنا الحقوقية الشاملة بما فيها الحريات الفردية وحرية الرأى والاعتقاد، ونضع فيها لائحة الأولويات أمام الناس وأمام العالم. ينبغى أن يتوقف حصار مصر فى الركن الضيق إلى الأبد، ويفهم العالم أننا نؤمن بهذه القيم من القلب وفق أولوياتنا الوطنية، لكننا لا نخضع لتجار الحقوق، وطغاة الأنظمة التى تقتل الإنسانية وتفقر الأوطان باسم حقوق الإنسان. أبدا لن يضربنا الإرهاب على الخد الأيمن فندير له الخد الأيسر. وأبدًا لن نقبل بأن نركع لقوى غاشمة أو نفتح أرضنا لقواعد أجنبية حتى ترضى عنا المنظمات الحقوقية بالباطل. مصر من وراء القصد.










الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;