قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار الدكتور حنفى على جبالى النائب الأول لرئيس المحكمة، اليوم السبت، فى الدعوى رقم 12 لسنة 39 تنازع، والمقامة من الحكومة ضد أصحاب حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، بعدم الاعتداد بالحكم الصادر من القضاء الإدارى ببطلان الاتفاقية، وكذا عدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة الصادر بصحة الاتفاقية.
منطوق حكم الدستورية
وجاء منطوق الحكم فى الدعوى رقم 12 لسنة 39 قضائية "تنازع"، والتى تتعلق بترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية: "بعدم الاعتداد بكل من الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 21/6/2016 فى الدعويين رقمى 43709، 43866 لسنة 70 قضائية، والمؤيد بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا "دائرة فحص الطعون" بجلسة 16/1/2017 فى الطعن رقم 74236 لسنة 62 "قضائية عليا"، والحكم الصادر من محكمة مستعجل جنوب القاهـرة بجلسة 2/4/2017 فى الدعوى رقم 121 لسنة 2017 "مستعجل القاهرة"، والمؤيد بالحكم الصادر من محكمة جنوب القاهرة بجلسة 28/5/2017 فى الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 "مستأنف تنفيذ موضوعى جنوب القاهرة".
حيثيات المحكمة
وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها، إن العبرة فى تحديد التكييف القانونى لأى عمل تجريه السلطة التنفيذية، لمعرفة ما إذا كان من أعمال السيادة أم لا، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، رهن بطبيعة العمل ذاته، فإذا تعلق العمل بعلاقات سياسية بين الدولة وغيرها من أشخاص القانون الدولى العام، أو دخل فى نطاق التعاون والرقابة الدستورية المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ عُدَّ عملاً من أعمال السيادة، وبالبناء على هذا النظر؛ فإن إبرام المعاهدات والتوقيع عليها تعد من أبرز أمثلة هذه الأعمال، وذلك من وجهين:
الأول: تعلقها بعلاقة بين السلطة التنفيذية، ممثلة للدولة، وبين سائر أشخاص القانون الدولى العام، من دول ومنظمات دولية، وذلك فى مراحل التفاوض والتوقيع والتنفيذ.
الثانى: وقوعها فى مجال الاختصاص المشترك، والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فبمقتضى المادة (151) من الدستور يراقب مجلس النواب السلطة التنفيذية فيما تبرمه من معاهدات، وله أن يوافق أو يرفض ما يدخل منها فى اختصاصه بموجب الفقرة الأولى من المادة المذكورة، كما له تقرير ما إذا كانت تلك المعاهدات تتعلق بالفقرتين الثانية والثالثة من المادة ذاتها، فيُحال ما يندرج منها فى الفقرة الثانية للاستفتاء، ويمتنع عن الموافقة، بأية صورة، على ما يتعلق منها بالنزول عن شئ من إقليم الدولة أو ما يخالف الدستور، وسلطة البرلمان فى ذلك سلطة حصرية لا يشاركه فيها غيره، فإذا ما استنفد مجلس النواب سلطاته، كان ملاك الأمر، مرة أخرى، لرئيس الجمهورية وحده، بما له من سلطة، إن شاء صدق على المعاهدة، وإن شاء أبَى، وذلك كله وفقًا لتقديراته السياسية، وما يتطلبه صون المصالح العليا للبلاد، ويمتنع على السلطة القضائية بجميع جهاتها ومحاكمها التدخل فى أى من هذه الشؤون جميعها حتى تمامها، فإذا نُشرت المعاهدة وفقًا للأوضاع المقررة فى الدستور، وأصبح لها قوة القانون، جاز مراقبتها قضائيًا من وجهين:
الأول: رقابة استيفائها للشروط الشكلية المقررة فى الدستور.
الثانى: الرقابة الموضوعية للمعاهدة، وهى رقابة تجد موجباتها فى نص الفقرة الأخيرة من المادة (151) من الدستور، التى حظرت مخالفة المعاهدة لأحكام الدستور كافة، وهذه الرقابة القضائية على المعاهدات، من وجهيها، هى رقابة دستورية وليست رقابة مشروعية، وهى، بهذه المثابة، منوطة استئثارًا بالمحكمة الدستورية العليا، لا تشاركها فيها جهة قضائية أخرى أيًّا كانت.
الاتفاقية عمل من أعمال السيادة
وهديًا بما سبق؛ فإن توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتى جمهورية مصـر العربية والمملكة العربية السعودية، يعـــــد، لا ريب، من الأعمال السيادية، وإذ كان الحكم الصادر فى الدعويين رقمى 43709، 43866 لسنة 70 ق "قضاء إدارى" والمؤيد بالحكم الصادر مـن دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 74236 لسنة 62 ق "عليا"، قد خالف هذا المبدأ، بأن قضى باختصاص القضاء الإدارى بنظر صحة توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين حكومتى جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، حال كونه ممنوعا من ذلك، على نحو ما سلف، عدوانًا على اختصاص السلطة التشريعية، فإنه يكون خليقًا بعدم الاعتداد به.
وحيث إن المادة (190) من الدستور تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه....."، وكان الحكم الصادر فى الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة المؤيد بالحكم الصادر فى الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعى جنوب القاهرة قد خالف هذا النظر، وفصل فى منازعة تنفيذ موضوعية متعلقة بحكم صادر من المحكمة الإدارية العليا، فإنه يكون قد انتحل اختصاصًا ممتنعًا عليه دستورًا، ويكون، والحال كذلك، حقيقًا بعدم الاعتداد به.