مع استقبال الألفية الجديدة، حلم العالم بمزيد من التطور والتقدم، فيما كان العرب، وبخاصة المصريين، على موعد مع "أم المعارك"، ومحاربة ما أسموه بالكفر وإعلاء كلمة الله التى اعتقدوا أن رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السورى حيدر حيدر، تنال منها! وهو نفسه الذى أعلن تضامنه مع الروائى أحمد ناجى، مؤكدا "الحرية ثم الحرية لأحمد. أنا أصافحه وأعانقه فى محنته".
بعد 16 عامًا تقريبًا من أزمة وليمة لأعشاب البحر، وعقب ثورتين شعبيتين تطلعتا إلى حرية التعبير، تشهد المحروسة معركة جديدة، تُرفع فيها شعارات الأخلاق فى وجه الكتاب والروائيين والشعراء، ويخوض بعض المصريين معركة ضد فصل من رواية أحمد ناجى "استخدام الحياة" تهمة خدش الحياء العام.
حيدر الذى يمتنع عن إجراءات حوارات صحفية طوال الفترة الماضية، كسر "انفراد" صمته الإعلامى، ووجه رسالة لناجى فى محبسه "الحرية ثم الحرية لأحمد. أنا أصافحك وأعانقك فى محنتك، آملاً من المثقفين المصريين وحتى العرب أن يقفوا معه وإلى جانبه كما وقفوا معى إبان أزمة الوليمة". سألناه ما السبيل؟ فأجاب: مصادرة الحرية تطالنا جميعًا، ولا نملك سوى التضامن والاستمرار فى الجهر بقول الحقيقة ولو كان الثمن النفى أو السجن أو حتى الموت.
أزمة حيدر التى أنهتها الدولة، بإغلاق جريدة الشعب، يراها مؤلف الرواية أنها كانت "سياسية فى جوهرها بين السلطة وجماعة الإخوان"، معتبرًا أن المنحى الدينى مجرد جسر أو ذريعة لإدانة النظام فى ذلك الوقت. وما كان المنحى الجنسى مهماً أو أساسياً فى الأزمة المثارة حول الرواية، ومع ذلك تواصلت الحملة إعلامياً وفى الشارع من خلال المظاهرات ومنع أو حرق الرواية واستباحة دم الروائى الملحد والكافر. مُنعت الرواية ثم مُنعت وأغلقت جريدة الشعب التى شنّت حملات شعواء ضد الرواية والكاتب".
قلنا لمؤلف رواية "الزمن الموحش": إغلاق الجريدة مواجهة أمنية أيضًا، ومكافحة المنع بالمنع، فقال "إغلاق الصحيفة شأن خاص بين النظام والجريدة، وهو شأن سياسى بين الطرفين"، مستدركًا "لو كنت فى مصر آنذاك أو كان بالإمكان الردّ على الهجوم والاتهام لواجهت الكلمة بالكلمة والمقال بالمقال لأننى من أنصار الحرية فى القول والكتابة".
بين أزمة ناجى، الذى يقضى حكما بالحبس لعامين، وأزمة حيدر حيدر، ثمة تقاطعات ومتباينات، فالنصان يحاكمان فى القضاء ويتعرضان لهجمة شرسة، بيد أن موقف السلطتين السياسيتين مختلف، ففى الوقت الذى تآزرت السلطة مع "وليمة حيدر"، تقف السلطة الراهنة من "استخدام الحياة" موقفًا يبدو حياديًا. من جهته، يعلق حيدر حيدر "نحن فى بلاد العرب أو البلاد الإسلامية بشكل عام واقعون فى قبضة استبدادين؛ الاستبداد السياسى والدينى. وغالبًا من يدفع ثمن الحرية فى هذه المجتمعات هو المثقف الحرّ المدافع عن الحرية والتنوير والحقيقة العارية، تتم مصادرة الحرية باسم مفاهيم أخلاقية أو دينية مغلقة فى مجتمعات متخلفة معادية للتقدم والحرية، وهذه المفاهيم يرعاها ويتعهدها النظام السياسى المتواطئ معها".
وكانت محكمة مستأنف بولاق أبو العلا، فى 20 فبراير الماضى، قضت بقبول الاستئناف المقدم من النيابة العامة على براءة أحمد ناجي، الصحفى بجريدة أخبار الأدب، ورئيس تحرير الجريدة طارق الطاهر، لاتهامهما بنشر مواد أدبية تخدش الحياء العام وتنال من قيم المجتمع، وقررت حبس المتهم الأول عامين، وتغريم الثانى 10 آلاف جنيه.
وأدان حيدر حيدر حبس أحمد ناجى، معتبرا حبسه ولو ليوم واحد عمل مدان ومرفوض، "يذكرنا يذكرنا بحالات سابقة تعرّض لها المثقفون العرب، كعلى عبد الرازق وأحمد عباس صالح وطه حسين وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد ونجيب محفوظ إلى حيدر حيدر، والقائمة ستطول وتتنامى ما دامت الحرية مصادرة وممنوعة فى بلاد العرب".
"قل على الثورة السلام"، عبارة رفض تمنيها الكاتب السورى حال استبدال ثورة يناير بقيم العدالة الاجتماعية والحرية، التى ضح الناس فى سبيلها، قيم الأخلاق والمفاهيم الدينية والمجتمعية المتوارثة والسائدة. معربًا عن تفاؤله على المدى البعيد للوصول إلى "مجتمع سوى" بتعبير إريك فروم، فـ"ستمر عصور طويلة على بلادنا ومجتمعاتنا حتى نصل إلى حرية التعبير فى الكتابة وقراءة الأدب بعيداً عن الوصاية الدينية والسياسية، ولن يكون هذا إلا فى مجتمع مدنى يتم فيه فصل الدين عن الدولة".