فى الذكرى الـ135 لرحيل كارل ماركس.. هل أحرق رئيس روسيا بقايا مؤسس الشيوعية؟.. بوتين سخر منه.. وصلاح فضل: تعاليمه ملهمة للتطورات.. الواقعية الاشتراكية أصبحت فى ذمة التاريخ.. وافتقاد الحرية سبب انهيار "

تمر اليوم الذكرى الـ135 على رحيل الفيلسوف كارل ماركس (5 مايو 1818 – 14 مارس 1883)، الذى أثرت أفكاره الاشتراكية الثورية فى تأسيس علم الاجتماع، وتطوير الحركات الاشتراكية، ما جعله أحد أعظم الاقتصاديين فى التاريخ. وإذا ما نظرنا إلى تجليات الشيوعية، فسوف نجد أنها تتمثل فى أمرين، الأول وهو السياسة، وفى هذا الصدد فإن رئيس روسيا فلاديمير بوتن، سخر من ماركس خلال حفل تدشين وحدة إنتاجية جديدة، عندما استشهد أحد المسئولين بأقوال مؤسس الشيوعية عن أهمية الإنتاج، فما كان من بوتين إلا أن سخر من ماركس، حينما قال: "منذ وقت طويل ونحن لا نبدأ اجتماعًا بأقوال ماركس.. نحن حرصنا على اختيار الأقوال التى يجب أن تستأثر باهتمامكم.. لماذا يجب أن تستأثر أقوال ماركس باهتمامى؟"، ليضيف بوتين ساخرًا: "لعل أقوال ماركس يجب أن يهتم بها وزير التنمية الاقتصادية". أما عن التجلى الثانى للشيوعية، فيتمثل فى الأدب، ويعد كتاب "رأس المال" لـ"ماركس" عمدة فى مكتبات وأفكار كل من ينتمى إلى الفكر الاشتراكى، وأطلقوا على أنفسهم كتاب يساريون، ومن هنا وجدت مصطلحات مثل الكاتب الملتزم، والتى تعنى التزام الكاتب بقضايا وطنه وأمور الجماهير، ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وانحصار ما يسمى باليسار، فإن السؤال الذى يطرح نفسه ويعنينا فى هذه الذكرى الآن هو: هل لا تزال فكرة الكاتب الملتزم أو الكتابة الاشتراكية أو الكاتب اليسارى قائمة فى الأدب؟. الرأسمالية ابتلعت الشيوعية الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، قال فى تصريحات لـ"انفراد"، إن مفهوم الاشتراكية ذاته، تطور فى الفكر المعاصر فى العقدين الأخيرين بشكل جذرى يختلف عن الدوجمة الماركسية السابقة، فمبادئ مثل الحتمية التاريخية، وضرورة تطور كل المجتمعات لكى تتحول إلى الشيوعية كمصير ضرورى وقدر لا فكاك منه، أصبحت خارج السياق، وسقطت بسقوط الاتحاد السوفيتى، لكن أثرها العظيم الحقيقى تمثل فى أمرين. الفكر الرأسمالى المتجدد ويوضح صلاح فضل أن الأمر الأول، هو امتصاص الفكر الرأسمالى المتجدد دائمًا، لعناصر محسوبة من العدالة الاجتماعية، وإدراجها فى منظومته، بحيث لا يمكن تجاهل الفروق الطبقية العظمى، كما لا يمكن الادعاء بإمكانية محوها تمامًا، فرفع مستوى الفقراء لكى يرتقوا إلى مرتبة المواطنين، الذين يصبح من حقهم الدستورى والعملى أن يتلقوا التعليم الأساسى، والرعاية الصحية الكاملة، وتكافؤ الفرص فى الوظائف والسكنى اللائقة لحياة البشر، هذه الحقوق أصبحت من صلب الأيديولوجية الليبرالية بفضل الضغط الماركسى الشيوعى طيلة النصف الثانى من القرن العشرين. تعاليم ماركس حملت الدول مسئولية العدالة الاجتماعية ويتابع "فضل": معنى هذا، أن دعوة "ماركس" و"لينين" للمجتمعات القائمة على العدل المطلق، والمساواة التامة، وملكية الدولة لجميع أدوات الإنتاج وأصبحت اليوتوبيا حلمًا مثل كل الأحلام التى راودت جفن الإنسانية عبر التاريخ، لكن فعالياتها العظيمة، التى لا ينكرها أحد، أنها وضعت العدالة الاجتماعية مطلبًا أساسيًا لكل المحرومين والمهمشين وحملت الدول مسئولية توفير الحد الأدنى الضرورى لكل مواطن الذى أشرنا إليه، كواجب أساسى بمختلف الطرق التى تحافظ على كيان المجتمعات من ناحية، وتدير الصراع الطبقى بطريقة أذكى وأكثر فعالية لا تعتمد على الثورية الانقلابية، وتحقق التقدم الصناعى والتكنولوجى لسد حاجات الجميع، والرقى بمستويات التعليم المبدع والرعاية الصحية الكاملة التى تحققت فى الكثير من المجتمعات الغربية الراقية. التطورات التاريخية استلهمت أفكارها من تعاليم ماركس أما عن الأمر الثانى، فيقول صلاح فضل: دخلت تعاليم ماركس ولينين باكرة التاريخ وظلت ملهمة لكل التطورات التى تحدث فى المجتمعات المعاصرة وتحولت فى الوقت الراهن إلى قوى معنوية ترفض هيمنة القطب الواحد وتضع حدًا للتغول الرأسمالى المتوحش وتجبر أصحاب النوايا الاستعمارية التى كانوا يستعبدون بها الشعوب بإيقاعها فى العهود الماضية أن يتخفوا وراء شعارات تنموية واقتصادية جديدة. وأضاف "فضل": لم يعد بوسع الولايات المتحدة، ولا روسيا، أن تستأنف موجة استعمارية جديدة، بنفس الطريقة التى كانت سائدة فى القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، فاضطرت إلى الصناعة، ومناورات جديدة، للهيمنة الاقتصادية وإجبار الدول الصغيرة على الدوران فى فلكها، وتحمل مقاومة المراكز الجديدة التى نشأت فى آسيا على وجه الخصوص مثل اليابان والتنين الصينى الذى يوشك أن يهيمن على العالم بدلا منها. اختلفت الخارطة تمامًا عما كانت عليه أيام ماركس، وأثبت التاريخ أنه لا يمضى طبقا للطرائق المرسومة التى كان يضعها منظرو الحتمية التاريخية. الواقعية الاشتراكية أصبحت فى ذمة التاريخ ويوضح صلاح فضل أن الواقعية الاشتراكية، لم يتسن تطبيقها إلا بسلطة الدولة داخل الاتحاد السوفيتى نفسه، ولم تلبث أن انتصرت بعد ذلك، حركة المنشقين حتى قبل سقوط الاتحاد السوفيتى، وأصبحت منذ ذلك الحين فى ذمة التاريخ، وحلت محلها موجات الالتزام الوجودى التى تلجأ إليها الثقافات فى فترات المحن القومية، وتتخفف منه إبان تطورها التاريخى الطبيعى، واتسعت مساحة الحريات وارتفع سقفها فى العصر الحديث، حتى أصبحت هى القيمة المهيمنة على الإبداع الإنسانى كله وعلى حركة التاريخ، ولذلك فإن أى مجتمع ينحو إلى تقييد هذه الحريات، أو الانتقاص منها، يسبح ضد تيار التقدم الحقيقى، ويخسر خسارة فادحة فرص إبداعه ولحاقه بتطورات العصر العلمية والفنية والثقافية. ويضيف "فضل": لقد أصبحت الحرية هى العقيدة التى لا بد أن يتحصن بها جميع المبدعين فى العلوم والفنون والآداب حتى يتمكنوا من مواصلة خلقهم، وعندما تكفر بها أى سلطة، سواءً كانت دينية أو عسكرية أو مدنية، وتحاول خفض سقفها، تختنق إمكانات النمو البشرى والازدهار الحضارى، وليس هذا مقصورًا على الأدب فقط، وإنما يشكل كل الفنون والعلوم، لأن الوعى البشرى تطور لكى يكتشف أنها الأكسجين الذى لا يتنفس الإبداع بدونه. صلاح فضل: افتقاد الاتحاد السوفيتى للحريات سبب انهياره ويرى صلاح فضل أن العامل الأساسى فى سقوط الاتحاد السوفيتى مع عرامة قوته العسكرية ووضوح تفوقه العلمى وعدالة توزيعه الاقتصادى إلى أقصى درجة، وتحقيقه لتكافؤ الفرص والمساواة بين الناس، بالرغم من كل تلك المزايا كان افتقاده للحريات الفردية والاجتماعية هو الذى أصابه بالهشاشة حتى انهار دون أية حروب خارجية. ويشير صلاح فضل: أذكر فى هذا الصدد أننى عندما زرت روسيا فى بداية القرن الجديد، للاحتفال بذكرى توفيق الحكيم ضمن وفد مصرى، أخذ سكرتير اتحاد الكتاب الروس، يعدد لى حالة التدهور حينئذ فى الظروف الإنتاجية وفى الصناعة الروسية وفى البضائع التى غزتها المنتجات الأمريكية والغربية، فلما سألته وهل يؤثر نتيجة لذلك عودة الاتحاد السوفيتى، صاح بأعلى صوته "لا"، لأننا لو كنا نعيش الآن فى الاتحاد السوفيتى لما أمكننى لأن أملك الحرية لأصرح برأيي، وهذه الحرية فى تقديرى أغلى وأهم من كل العيوب التى ذكرتها. أما عن تعريف الكاتب اليسارى، أو الملتزم، فيقول صلاح فضل: إن التعريف الحقيقى لليسار، هو الذى يشير إلى من يعتقد أن العالم ليس فى أفضل أحواله، وأن بوسع الإنسان أن يجعله أرقى وأجمل مما هو عليه، هذا هو التعريف الأصلى لكلمة اليسار، الناجمة عن التوزيع المكانى لأعضاء البرلمان لناحية اليمين أو اليسار، فاليسارى هو الذى يعتقد أن العالم يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه الآن، واليمينى هو من يتصور أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، ويعتقد أن كل شىء يسير على ما يرام، ولا يطمح إلى أى تغير حقيقى، فاليمين بطبيعته قنوع، وفاقد للطموح، وإذا اكتفينا بهذا التعريف خلصنا إلى أن السعى الدائم للأفراد والمجتمعات لتجاوز مراحل ضعفها، والتفوق على عجزها، والانتصار على مشاكلها، وصياغة مستقبل أفضل، للأجيال الجديدة، كل ذلك يمثل هما إنسانيا لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عنه، وطموحا مشروعا لا يمكن للبشرية أن تعيش وترقى بدونه، ولهذا فإن فك الاشتباك بين مفهوم اليسار واعتناق الماركسية أو الإيمان بالشيوعية، والالتزام بالمفهوم الأصلى، الذى أشرت إليه، ينتهى بنا إلى أن من يعمر هذا الكون ويجدده ويرتقى به علميا واقتصاديا وإبداعيا لا بد وأن يكون هم اليساريون.












الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;