توجه ستة أشخاص هم: حافظ عبدالحميد، أحمد الحصرى، فؤاد إبراهيم، عبدالرحمن حسب الله، إسماعيل عز، زكى المغربى، إلى منزل حسن البنا فى الإسماعيلية وفقا لتأكيد «مذكرات الدعوة والداعية» إعداد «البصائر للبحوث والدراسات - القاهرة»، وقالوا له: «نريد الآن أن نقدم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يدى الله، وتكون أنت المسؤول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل، وإن جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه وتموت فى سبيله، لا تبغى بذلك إلا وجهة، لجديرة أن تنتصر، وإن قل عددها وضعف عددها».
كان هؤلاء الستة «من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التى كنت ألقيها»، حسبما يذكر البنا، مؤكدا أنه بدأ هذه الدروس فى الإسماعيلية التى سافر إليها يوم 16 سبتمبر 1927 ليتسلم فيها عمله بالتدريس فى مدارسها الابتدائية الأميرية بعد تخرجه فى «دار العلوم»، وأنه اختمرت فى رأسه فكرة إلقاء دروس دينية فى ثلاث مقاهٍ كبيرة تجمع ألوفا من الناس، ورتب فى كل منها درسين فى الأسبوع، وذلك مع مزاولة التدريس بانتظام فى هذه الأماكن»، وحدد أسلوبه بأن «لا يطيل حتى لا يمل، ولكنه لا يزيد فى الدرس على عشر دقائق، فإذا طال فربع ساعة».
تؤكد «مذكرات الدعوة والداعية» أن لقاء «الستة مع البنا» الذى تم يوم 22 مارس «مثل هذا اليوم» عام 1928، كان هو التأسيس العملى لجماعة الإخوان التى بدأت بالدعوة، ومع تشعبها فيما بعد فى أرجاء القطر المصرى انتهجت الإرهاب والاغتيالات، وكونت تنظيمها السرى لهذا الغرض، ومن عباءتها خرجت أفكار التطرف والتكفير التى عبرت عن نفسها بعمليات اغتيال فى أربعينيات القرن الماضى، وأشهرها اغتيال المستشار أحمد الخازندار رئيس محكمة استئناف القاهرة فى 22 نوفمبر 1947، والنقراشى باشا رئيس الوزراء فى 28 ديسمبر 1948، ومحاولة اغتيال جمال عبدالناصر فى 26 أكتوبر 1954.
يكشف حسن البنا رد فعله على كلام الستة أشخاص الذين اجتمعوا به فى منزله: «لم أستطع أن أتنصل من حمل ما حملت، وهو ما أدعو إليه وما أعمل له، وما أحاول جمع الناس عليه، فقلت لهم فى تأثر عميق: «شكر الله لكم، وبارك هذه النية الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح يرضى الله وينفع الناس، وعلينا العمل وعلى الله النجاح، فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندا، وفيها حياة الوطن وعزة الأمة»، ويضيف: «كانت بيعة»، ويزعم: «وكان قسما أن نحيا إخوانا نعمل للإسلام، ونجاهد فى سبيل الله».
فى هذا اللقاء ولد الاسم الذى سيطلق على هذه الجماعة، ويوضحه البنا قائلا: «قال قائلهم: بم نسمى أنفسنا؟، وهل نكون جمعية أو ناديا؟ أو طريقة أو نقابة حتى نأخذ الشكل الرسمى؟، فقلت: لا هذا، ولا ذاك، دعونا من الشكليات، ومن الرسميات، وليكن أول اجتماعنا وأساسه: الفكرة والمعنويات والعمليات.. نحن إخوة فى خدمة الإسلام، فنحن إذن «الإخوان المسلمون».. وجاءت بغتة.. وذهبت مثلا.. وولدت أول تشكيلة لـ«الإخوان المسلمين» من هؤلاء الستة، حول هذه الفكرة، على هذه الصورة وبهذه التسمية».
لم يقتصر الاجتماع على اختيار اسم الجماعة، وإنما امتد إلى قضايا تنظيمية أخرى: «تشاورنا فى مكان الاجتماع، وما نعمل فيه، واتفقنا أخيرا على أن نستأجر حجرة متواضعة فى شارع فاروق فى مكتب الشيخ على الشريف بمبلغ 60 قرشا فى الشهر، نضع فيه أدواتنا الخاصة، ونجتمع فيها اجتماعاتنا الخاصة، على أن يكون لنا حق الانتفاع بأدوات المكتب بعد انصراف التلاميذ ابتداء من العصر إلى الليل، ويسمى هذا المكان «مدرسة التهذيب» للإخوان المسلمين، ويكون منهاجه دراسة إسلامية قوامها تصحيح تلاوة القرآن، بحيث يتلوه الأخ المنتسب إلى هذه المدرسة، وبالتالى إلى الدعوة وفق أحكام التجويد، ثم محاولة حفظ آيات وسور، ثم شرح هذه الآيات والسور وتفسيرها تفسيرا مناسبا، ثم حفظ بعض الأحاديث وشرحها كذلك، وتصحيح العقائد والعبادات، وتعرف أسرار التشريع، وآداب الإسلام العامة، ودراسة التاريخ الإسلامى، وسيرة السلف الصالح والسيرة النبوية بصورة مبسطة تهدف إلى النواحى العملية والروحية، وتدريب القادرين على الخطابة والدعوة تدريبا عمليا بحفظ ما يستطاع من النظم والنثر، ومادة الدعوة، وعمليا بتكليفهم التدريس والمحاضرة فى هذا المحيط أولا، ثم فى أوسع منه بعد ذلك». هكذا كان النهج الذى حدده لقاء «22 مارس 1928»، ويكشف البنا: «تربت المجموعة الأولى من الإخوان فى نهاية العام المدرسى «1927 - 1928» سبعين أو أكثر قليلا».