تواجه العديد من دول العالم المختلفة تحديات فى إخضاع أنشطة الاقتصاد الرقمى إلى الضرائب، فهى ليست مشكلة مصر وحدها، وإنما مشكلة عالمية جاءت نتيجة جمود التشريعات الضريبية التى لم تستوعب التطور التكنولوجى السريع فى الأنشطة الاقتصادية.
خدمة النقل الذكى للركاب ليست الوحيدة وإنما واحدة من الخدمات الرائجة التى تقدم عبر الإنترنت حول العالم، ولكن مازالت الإدارات الضريبية تواجه صعوبة فى تحصيل الضرائب منها للعديد من الأسباب التى يوضحها الدكتور مصطفى عبد القادر خبير الضرائب الدولية بالأمم المتحدة ورئيس مصلحة الضرائب الأسبق.
ويؤكد مصطفى عبد القادر أن مشكلة صعوبة فرض أو تحصيل الضرائب على أرباح الشركات العاملة فى مجال الاقتصاد الرقمى، ليست مشكلة مصر وحدها، ولكنها أزمة عالمية دعت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ومجموعة العشرين أن تجعل الخطوة الأولى فى حزمة تآكل الوعاء وترحيل الأرباح بعنوان التحديات الضريبية فى مجال الاقتصاد الرقمى، والتى انتهت بصدور التقرير النهائى فى عام 2015.
وأرجع مصطفى عبد القادر السبب فى ذلك أن القواعد التقليدية لفرض الضريبة التى تعتمد على ضرورة وجود ما يعرف بالمنشأة الدائمة بمفهومها التقليدى الوارد فى النماذج الدولية حالياً وكذلك قانون الضريبة على الدخل رقم (91) لسنة 2005 وتعديلاته وكل الاتفاقيات الدولية التى أبرمتها جمهورية مصر العربية، وهذا لا تناسب حالياً طبيعة نشاط الاقتصاد الرقمى الذى يعتمد بشكل أساسى على تطبيق أو أصل معنوى ومستخدمين ومن ثم يكون للشركة العاملة فى مجال الاقتصاد الرقمى، كما هو الحال فى نشاط "أوبر" و"كريم"، أن تنقل مكان إقامتها بعيدا عن الدول التى يكون سعر الضريبة فيها مرتفعا إلى دول لا يكون فيها ضريبة أو أن يكون سعر الضريبة منخفضا.
وتابع الخبير بالضرائب الدولية، أنه فى حالة شركات النقل الذكى، يتعين بين خضوع نشاط تلك الشركات للضريبة فى مصر الذى يتم من خلال تطبيق ومستخدمين غير متواجدين بداخل مصر، وبين خضوع السيارات التى تزاول نشاط نقل الركاب داخل البلاد، الأمر الذى يجعل خضوعها صعباً حتى فى حالة إجراء أى تعديلات تتعلق بفرض الضريبة وفقا للقانون المقترح لأنها ستظل بمنأى عن الخضوع الضريبة وفقا لكل اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبى التى أبرمتها مصر.
وأكد مصطفى عبد القادر أنه بالنسبة لنشاط أوبر وكريم فإن الأرباح التى تحققها من إدارة المنظومة لا تخضع للضريبة فى مصر وفقا للقانون (91) لسنة 2005 وتعديلاته أو وفقا لكل الاتفاقيات المتعلقة بتجنب الإزدواج الضريبى التى أبرمتها جمهورية مصر العربية مع كافة الدول لاعتماده على فكرة المنشأة الدائمة التقليدية التى يشترط أن يكون مقرها فى مصر.
وأضاف أنه بالنسبة للسيارات التى تستخدم فى النقل الذكى فى مصر، فوفقا للقانون (91) لسنة 2005 وتعديلاته تخضع خدمات النقل للضريبة باعتبار أن نقل الأشخاص يدخل فى مجال النشاط التجارى، ولا يشترط للخضوع للضريبة حصول تلك السيارات على ترخيص بالنقل، إذ أنه من المعروف أن فرض الضريبة لا يتأثر بمشروعية التصرف أو النشاط، ومن ثم طالما تم التحقق من مزاولة النشاط فيخضع للضريبة حتى ولو لم يحصل مزاول هذا النشاط على الترخيص اللازم لمزاولة هذا النشاط.
ولفت رئيس مصلحة الضرائب الأسبق إلى أن قائدى سيارات النقل الذكى خاضعون للضرائب بموجب القوانين السارية، وفى هذه الحالة يمكن التنسيق مع هذه الشركات للوقوف على قيمة الإيرادات والمحاسبة عنها وفقا لقواعد مسبقة حتى ولو كانت بتعليمات كما هو الحال فى سيارات الأجرة العادية الحاصلة على ترخيص بمزاولة نشاط النقل، دون الحاجة إلى إصدار تشريع جديد بذلك وعن الفترة السابقة من تاريخ عمل هذه الشركات فى مصر.
وأضاف عبد القادر التوجه العالمى حالياً فى مجال الاقتصاد الرقمى يعتمد على تبسيط الإجراءات، والمرونة فى التشريعات الضريبية لاستيعاب هذا النوع من الأنشطة فى مجال ضريبتى الدخل والقيمة المضافة، خاصة أن تطبيق القواعد التقليدية فى تحديد الوعاء الضريبى تقلق الشركات العاملة فى مجال أنشطة الاقتصاد الرقمى وبصفة خاصة مع السلطات الضريبية فى الدول النامية.
وتعتمد المقترحات الدولية الجديدة فى هذا المجال - بما فى ذلك التوصيات الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ومجموعة العشرين - على ضرورة فرض ضريبة مقطوعة على هذه الشركات لصعوبة تحديد نسبة الإيرادات المتحققة من الاقتصاد الرقمى فى كل دولة على حدة، كما أن ذلك يتحقق أيضاً فى مجال الضريبة على القيمة من خلال نظام محاسبى مبسط.
ولأن الاقتصاد الرقمى ليس فقط أوبر وكريم ونظائرهم، وإنما هناك العديد من الخدمات والأنشطة التى تقدم عبر الإنترنت مثل تقديم الاستشارات الفنية عبر الانترنت، وهو ما أوضحه الدكتور نبيل عبد الرءوف أستاذ المحاسبة بأكاديمية الشروق، مشيرا إلى أن التشريعات الضريبية تتضمن طريقة المحاسبة أيا كانت طبيعة النشاط وطريقة تأديته، ولكن المشكلة التى تواجه الإدارات الضريبية فى كثير من الدول هى توافر المعلومات حول العمليات التى تتم.
وضرب أستاذ المحاسبة مثلا بتقديم خدمة استشارات محاسبية عبر الإنترنت، فى هذه الحالة يتلقى المحاسب طلب الخدمة ويقوم بتأديتها من خلال شبكة المعلومات الدولية، ويتلقى أتعابه نظير تأدية الخدمة عبر تحويل الأموال سواء من خلال البنوك مثلا أو يمكن أن يحصل مقدم الخدمة على أتعابه من نقدا ويعود بها إلى داخل البلاد عبر الدوائر الجمركية إذا كان مسافرا فى الخارج.
وفى الحالتين فهناك أموال دخلت الدولة مقابل تقديم الخدمة، ولكن هل يقوم البنك المركزى المصرى بإبلاغ وزير المالية بالتحويلات التى تأتى بصورة مباشرة وبالتالى تبلغ مصلحة الضرائب لمعرفة طبيعة العمليات والخدمات التى تتم أم لا؟ وفى حالة دخول الأموال عبر الدوائر الجمركية، هل تبلغ مصلحة الجمارك بدورها مصلحة الضرائب بالأموال التى تعبر الحدود نقدا أم لا؟
وأكد عبد الرءوف أن الدول بالخارج تقوم بربط البنوك المركزية بإدارات الضرائب بصورة فعلية ويتم تبادل المعلومات لمتابعة الاقتصاد الرقمى، وهو ما يجب حدوثه فى مصر حتى يتم معرفة ما يحدث عبر الفضاء الإلكترونى.