حين تصاعدت أزمة مقتل القاضى أحمد الخازندار فى مارس 1948، وجد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان نفسه مطلوبا من الجميع، متهما أمام سلطات التحقيق بتهمة قتل القاضى الذى ينظر ملفات الجماعة، رأسه قد تطولها قوائم اغتيالات التنظيم السرى الذى شكله بنفسه بعد صدامه مع رأس التنظيم، وغضب أعضاء الجماعة من عجزه عن التصرف إزاء قرار الحل قد يطيح بما تبقى له من مستقبل سياسى أو دعوى.
هذه الأجواء رصدها بدقة الدكتور عبد العزيز كامل، وزير الأوقاف الأسبق، وابن الإخوان البكر بحسب تعبير البنا قبل أن ينشق -اى كامل- عن التنظيم، حيث قال فى مذكراته "فى نهر الحياة" إن البنا قال أمامه وهو قلقا "لهذا خلق الله الندم".
فى الذكرى الـ90 لتأسيس جماعة الإخوان يبدو قراءة المشهد الذى دارت فيه عجلة العنف ولم تتوقف حتى اليوم أمرا فى غاية الأهمية، وللمفارقة فإن نفس تاريخ تأسيس الجماعة 22 مارس 1928، كان هو نفسه بلوغ شرارة العنف ذروتها بحادثة اغتيال القاضى أحمد الخازندار فى 22 مارس 1948 أى بعد 20 عاما فقط من تأسيس الجماعة.
اللافت أيضا أن الحالة التنظيمية للعنف داخل جماعة الإخوان بدت متشابهة إلى حد التطابق طول تاريخ الجماعة، وملخصها أن أطراف داخل الجماعة تتحرك وتشكل تنظيما ينتهج العنف وينفذ عمليات إغتيالات، وأمام الرأى العام يدعى رأس الجماعة أو مرشدها إدانته لهذه العمليات وعدم رضاه عنها، ثم يتبين أن شخصا آخر هو الذى يدير التنظيم غير هذا الذى يتبرأ من العنف أمام الرأى العام.
التنظيم السرى واغتيال الخازندار
وفقا لروايات متواترة فان واقعة اغتيال الخازندار جائت بموجب ضوء أخضر من حسن البنا بسبب إمتعاضه من أحكام قضائية أصدرها ضد كوادر الجماعة، فكان أن قال "لو حد يريحنا منه"، فاعتبرها عبد الرحمن السندى قائد التنظيم الخاص إشارة للتخلص من القاضى، الذى أطلق عليه عضوان من الجماعة النار وهو ممسكا فى يده بملف قضية تفجيرات سينما مترو المتورط فيه الإخوان.
تنصل حسن البنا من الحادث، وقال عن منفذيه إنهم "ليسوا إخوان وليسوا مسلمين"، لكن المتهمين بعد إلقاء القبض عليهما عثر بحوزتهما على أوراق تفيد بإنضمامهما للإخوان، وثبت أن أحدهما هو السكرتير الخاص للبنا الذى أقر فى التحقيقات بمعرفته بالمتهمين لكنه أنكر معرفته بنيتهما بتنفيذ العملية.
وأتخذت المواجهة بين البنا وعبد الرحمن السندى قائد التنظيم الخاص طابعا دراميا فى جلسة عاصفة بمكتب الإرشاد، وصلت لذروتها حين أنكر البنا علمه بالأمر وإصداره أوامر بقتل القاضى، بينما أكد السندى أنه تلقى أوامره بدفع الشباب لقتل الخازندار من البنا مباشرة لأن مجرد إعلان رغبته فى التخلص من الخازندار هو أمرا واجب النفاذ.
وانتهى الأمر بتشكيل لجنة تضم عدد من كبار المسئولين بالجماعة حتى لا ينفرد السندى باتخاذ القرار داخل التنظيم الخاص ولكبح جماح عجلة العنف.
تنظيم 1965
نشأ تنظيم 1965 بمبادرة من شباب الإخوان، بعيد عن القيادات الذين كانوا مغيبين داخل السجون، ثم أصبح سيد قطب هو المرشد الفعلى للتنظيم، والمنظر الفكرى له، وكان قد خط سلسلة من الكتابات تضع الأساس النظرى لفكر العنف وتكفير المجتمع ووصفه بالجاهلية وتخريب مرافق الدولة ومن أهمها كتاب "معالم فى الطريف".
رد فعل قيادات التنظيم فى السجون ومن تبقى منهم خارجها عندما علموا بأمر التنظيم تراوح بين الصمت والتواصل غير القوى مثلما فعل حسن الهضيبى المرشد العام للجماعة آنذاك، أو محاولة إنهاء وجوده مبكرا خوفا من بطش السلطات، وحين سقط التنظيم اتفقت القيادات على التنصل من التنظيم أمام سلطات التحقيق بل وإدانتهم حتى، وإن تباكوا على إعدامهم علنا.
حسم ولواء الثورة
تعد تنظيمات حسم ولواء الثورة هى استمرار لنفس نهج تنظيمات العنف الإخوانية تاريخيا، ففى حين تنصل منها امام التحقيقات محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد بعد إلقاء القبض عليه، فإن نفس التحقيقات كشفت عن أن محمد كمال قبل مقتله كان هو الرأس الحقيقى للتنظيم، وأن حديث قيادات الجماعة داخل السجون عن إدانة العنف لا يساوى فى حقيقة الأمر شيئا.
المتغير الوحيد فى هذه المرة أن القيادات الهاربة خارج مصر أصبح لها رأيا وصوتا عكس ما كان عليه الحال فى الستينيات، حيث هربوا وقتها ولاذوا بالصمت، وتشير مواقف قطاع كبير من الهاربين فى الخارج إلى سعيها لبقاء عجلة العنف دائرة.