شاهد جمهور السينما، قصة فلاحة تبيع الفجل، ثم أصبحت نجمة ناجحة، وسيدة مجتمع معروفة.. القصة هى لفيلم «شادية الوادى» بطولة ليلى مراد، تأليف وإخراج يوسف وهبى، وإنتاج الأخوين نحاس، وتم عرضه لأول مرة يوم 7 أبريل «مثل هذا اليوم» عام 1947 فى دار سينما «الكورسال»، حسب الكاتب والناقد والمؤرخ الفنى أشرف غريب، فى كتابه «الوثائق الخاصة لليلى مراد» عن «دار الشروق- القاهرة».
القصة على هذا النحو تبدو عادية، وهى طبقًا لغريب: «معالجة لأسطورة «بيجماليون»، غير أن اللافت فى الفيلم هو الاستعراض الذى جاء بعنوان «أوبرا الأسيرة» أو «مأساة فلسطين»، تأليف الشاعر أحمد رامى وألحان الموسيقار رياض السنباطى وغناء ليلى مراد وكارم محمود وآخرين، ويؤكد: «الاستعراض لا علاقة له بالقصة ولا بالأحداث»، ويرى أن «الانتباه إليه اكتشاف»، والاكتشاف: «يحمل دلالات مهمة فى مسيرة ليلى مراد الوطنية»، وقيمة ذلك أنه يرد بقوة على الآلة الإسرائيلية التى حاولت تشويه سيرة هذه السيدة العظيمة، بالتشكيك فى وطنيتها وإسلامها التى اعتنقته بعد أن كانت يهودية وابنة لموسيقار مصرى يهودى الديانة، هو «زكى مراد».
جاء عرض الفيلم فى سياق سياسى ملتهب، حيث كانت العصابات الصهيونية تواصل مخططها الإجرامى لاحتلال أرض فلسطين واقتلاع شعبها بسفك الدماء، وزرع اليهود القادمين من شتى بقاع الأرض مكانه، ويؤكد غريب أن استعراض «مأساة فلسطين» ضمن أحداث الفيلم «كان أول عمل فنى يضع يده على الجرح الفلسطينى، بل ويتنبأ بما سيحدث من دخول القوات العربية–متطوعين ونظاميين- إلى فلسطين قبل حدوث ذلك بعدة أشهر»، والمعروف أن القوات العربية دخلت فلسطين لمحاربة العصابات اليهودية فى 15 مايو 1948»، فى حين أن استعراض الفيلم كان يوم 7 أبريل 1947.
يقوم استعراض «مأساة فلسطين» على حوار شعرى غنائى يدور بين فتاة وفتى «فلسطين» وآخرين ينطقون باسم «الحجاز» و«مصر» و«الشام» و«العراق»:
«الفتاة: ابن عمى ويح قلبى مادهاك.. الفتى: قوم من الغرب جاءوا وأعملوا السيف فينا/ وأوسعوا الحى سلبا وشردوه بنينا/ ليسوا من الدار أهلا ولامن الأرض طينا/ خبرى االشرق وقولى أختكم تلقى العذاب/ مالها فى الأسر راع غيركم عند المصاب/.. الفتاة: أواه من ظلم القوى وسلبه حق الضعيف/ طمن فؤادك يا حبيبى وانتظر عون اللهيف/ سأمضى إلى كل قطر شقيق وأسأله أن يجيب الطلب/ ومادام فينا دم العرب يجرى فينا فنحن أشقاء عند النوب».
يشير «غريب» إلى أن ظهور اسم الملك فاروق فى الاستعراض من خلال البيت الذى يقول: «شعب فاروق العظيم قدموا عون الكريم»، أدى إلى حجب هذا الاستعراض وحذفه من شريط الفيلم، فى المرات القليلة التى أذاعه فيها التليفزيون المصرى خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، ويلتقط«غريب»الزاوية الخاصة بأهمية هذا العمل بالنسبة إلى ليلى مراد، والذى يصل إلى حد المفاجأة طبقًا لتعبيره، موضحًا: «الفيلم المعروض فى أبريل 1947، كان سابقًا على الإشهار الرسمى لإسلام ليلى مراد الذى تم فى ديسمبر من العام نفسه، وهذا معناه ببساطة ووضوح أنه حينما قامت بغناء هذا العمل الذى يهاجم عصابات اليهود ويدعو إلى نصرة عرب فلسطين، لم يكن أحد يعلم بإسلامها الشفهى»، ويؤكد «غريب» أن عام 1946 شهد إسلام ليلى شفهيًا ونطقها بالشهادتين قبل أن تشهره رسميًا، كما شهدت الأشهر الأخيرة من نفس العام «1946» تصوير فيلم «شادية الوادى»، ويستخلص «غريب»: «فعلت ذلك فى الوقت الذى كان جمهورها العريض يتعامل معها على أنها يهودية، بما يعنى أن وطنيتها تغلبت على ديانتها، وأن انتماءها سبق عقيدتها، ومصريتها هى التى انتصرت فى النهاية».
يضع غريب يديه على قصة أخرى فى هذا المسار، وقعت عام 1945، حينما استهلت فيلم «ليلى بنت الفقراء» إخراج أنور وجدى، بأغنية «ياست نظرة» كلمات بيرم التونسى، وألحان الشيخ زكريا أحمد، وغنتها بمناسبة الاحتفال بمولد السيدة زينب، ويوضح: «فى هذه الأغنية تنشد: «يا بنت بنت نبينا وأخت الحسين الغالى مدد ياسيدة.. عيدك ده فرحة ونصرة وعيد الإسلام»، على الرغم من أنها لم تكن تحولت بعد عن اليهودية واعتنقت الإسلام، ولم تكن حتى قررت الاقتران بأنور وجدى الذى قربها- بلا شك -خطوة نحو الدين الإسلامى، والذى دخلت فيه شفهيا بعد هذا الفيلم بعام، ورسميا بعده بسنتين».
يؤكد غريب: «يوم أن شدت ليلى بهذه الأغنية لا أظن أن أحدا استوقفه تلك المفارقة المهمة، فلا ليلى شعرت بأى غضاضة، ولامحيطها اليهودى استنكف فعلتها، ولا أحس جمهور المسلمين فى مصر والوطن العربى كله بأى حساسية، أن تقدم مطربة يهودية هذا العمل الدينى الذى يمجد الإسلام وآل البيت».