انفتحت قاعة الاحتفالات الملكية الكبرى بقصر السعادة بتونس لاستقبال حفل «زواج القرن التونسى»، بتعبير الكاتب الصحفى التونسى «الصافى سعيد» فى كتابه «بورقيبة سيرة شبه محرمة» عن «دار رياض الريس للكتب والنشر- نوفمبر 2000».
كان حفل الزواج للرئيس «الحبيب بورقيبة» و«وسيلة بنت محمد عمار».كان بورقيبة فى الـ61 عاما، ووسيلة فى الخمسين عاما «مواليد إبريل 1912»، وكان زواجهما يوم 12 إبريل «مثل هذا اليوم» 1962، لتبدأ محطة جديدة فى تاريخ تونس هى «ارتباط طبقة اجتماعية بطبقة أخرى فى تونس لما بعد الاستقلال»، حسبما يؤكد «سعيد» الذى يذكر قصة الزواج كاملة فى كتابه.
جلس بورقيبة ووسيلة على كرسيين ملكيين وحضر الحفل أكثر من 250 مدعوا، ودعا مفتى الجمهورية لهما بالسعادة والتوفيق ثم انسحب، ووقف وزير الداخلية «الطيب المهيرى» أمام العروسين، فسيطر الصمت العميق على القاعة ليستمع الكل إليه وهو يقول: «إن الرئيس يختارك كزوجة له، وهو سيرفعك إلى أعلى مقام تتمنى كل تونسية أن تصله، إن سلامة الرئيس وهدوئه وسعادته هى الآن بين يديك، فهل تقبلين بذلك؟».
تم الزواج بعد سنوات طويلة من المعاشرة والحب. رآها «بورقيبة» لأول مرة فى أواسط ثلاثينيات القرن الماضى فى بيت ابنة عمتها زوجة شقيقه أحمد، كان هو متزوج من «ماتيلد الفرنسية» التى أنجبت له ابنه الوحيد، وتكبره بنحو 12 عاما، واعتنقت الإسلام عام 1958 وحلمت اسم «مفيدة»، وكانت «وسيلة» ابنة مالك كبير للأراضى، ومتزوجة من الطبيب «على الشاذلى»، تعددت اللقاءات بينهما ثم توقف كل شىء حين أصبح بورقيبة فى المنفى، وبعد عودته أثناء الحرب العالمية الثانية التقاها ثانية، وحين لمحها من جديد فى بيت أخيه تقدم نحوها ليقبل يديها على مرأى من النسوة وهو يردد: «ألم أقل لك منذ لقائنا الأول أن النساء لا يحتجبن من الزعماء والأطباء»، كانت وقتئذ فى الثلاثين من عمرها، ولديها ابنة فى طور المراهقة اسمها «نبيلة»، وحين اضطر «بورقيبة» إلى السفر من جديد، وكانت مصر هى محطة منفاه، بدأت هى فى مواجهة العواصف مع عائلة زوجها، بعد أن أفصحت عن علاقتها مع الرجل الذى كان يتزعم حزب الدستور وقتئذ.
كان يكتب رسالة أسبوعية إليها، وفى القاهرة كان يعاشر نساء كثيرات كما قال عنه رجال من حزبه فى تونس، واحدة اسمها «وهيبة»، وثانية اسمها «سكينة» التى قالت إن لها ابنة ثمرة هذه العلاقة، فاعترف بالعلاقة لكنه لم يعترف بالطفلة، وثالثة ابنة الفنان المصرى سيد شطا «ولد فى مصر 1897 واستقر فى تونس 1943»، ونشروا فى تونس صورة له وهو يعانقها على شاطئ الإسكندرية، عرفت «وسيلة» بكل ذلك فقررت مواجهته، وأقنعت زوجها بالسفر لأداء فريضة الحج، وحطت فى القاهرة ودبرت لقاء سريا معه، أقسم فيه ببراءته، وأن صورته مع ابنة «شطا» هى مع عائلة هذا الفنان الذى تعرف عليه وأكرمه فى غربته.
هزت هذه العلاقة أركان أكثر من بيت، وأكثر من طرف، عارضها ابنه «الحبيب» ونصحه بإنهائها لأنها تسىء إليه كزعيم، وتسىء إلى أمه كامراة فاضلة وصبورة، وعارضتها الزوجة ماتيلد، لأنها تطعن كرامتها كزوجة وأم، أما الزوج على الشاذلى فهددها بالطلاق، لكنه لم يفعل لوقوعه تحت سحر شخصيتها وسطوة عائلتها الكبيرة، واتهمها حزب الدستور بأنها امرأة يقال إنها مشبوهة ولها علاقات غامضة مع الإدارة العامة الفرنسية، غير أن كل ذلك لم يزحزح العلاقة عما كانت عليه، وبقى كل شىء معلقا على طلاق «ماتيلد» التى صممت «وسيلة» عليه كشرط للزواج.
وافقت «ماتيلد» على الطلاق تحت إلحاح بورقيبة وابنهما، واشترطت أن تظل حاملة للقب «بورقيبة»، وتدفن فى تونس أرض الإسلام إلى جانب ابنها، وقالت وهى تمسح دموعها للباهى الأدغم «رئيس الوزراء فيما بعد» الذى ذهب لإقناعها: «إننى مسلمة، ولا أتمنى مكروه للرئيس». كان ذلك فى يوليو 1961، وفى 12 إبريل 1962 تم زواج العاشقان، وحملت «وسيلة» لقب «الماجدة»، أى سيدة تونس الأولى، واحتلت صورها جدران البنايات ومكاتب الإدارات وبيوت الحزبيين، ودكاكين التجار والجزارين وبائعى الخضار والغلال فى المدن والقرى، وخلال سنوات قصيرة أصبحت هى تقريبا الحاكم الفعلى، امتدت أيديها إلى جميع الملفات، تمكنت من بلورة كتلة سياسية ضاربة لم تقتصر على أقاربها فقط بل جمعت جميع الحاساسيات السياسية، أطاحت وزراء، ونصبت آخرين، شكلت غرفة عمليات فى القصر إذ كانت مغرمة بعالم الاستخبارات، أصبحت رئيسة أخرى للبلاد أو شريكة فى القرار.
وظلت على هذا النفوذ الطاغى حتى بدأت فى الانحدار عام 1982، بفعل صراعاتها مع بعض رجال بورقيبة الذين نصبوا حوله شبكة محكمة دفعته إلى أن يتبدل حاله نحوها فيقوم بإهانتها وإهانة أقاربها، وفى عام 1986 وجدت نفسها مطلقة وحيدة فى شقتها بباريس، وفى صيف 1999 رحلت.