تواجه الموازنة العامة للدولة للعام الثالث على التوالى، تحديا كبيرا يتعلق بقدرتها على تحقيق العجز المستهدف، نتيجة ارتفاع أسعار المواد البترولية عالميا بصورة متسارعة تتخطى التوقعات التى وضعتها الحكومة فى الحسبان عند إعداد موازنتها قبل العرض على البرلمان.
وسلمت الحكومة مشروع موازنة السنة المالية المقبلة 2018/2019 فى 28 مارس الماضى، إلى مجلس النواب الذى يستعد الأسبوع المقبل لبدء المناقشات حولها بعد إعلان وزير المالية البيان المالى بالجلسة العامة للمجلس، وقد تم احتساب سعر البترول فى الموازنة عند 67 دولارا للبرميل، وسعر الدولار 17.25 جنيه، ولكن قبل أن تبدأ مناقشة الموازنة فعليا قفزت أسعار العقود الآجلة للنفط لأعلى مستوياتها منذ عام 2014 لتتخطى حاجز 72 دولارا للبرميل، وهو ما يزيد عن توقعات مشروع الموازنة بحوالى 5 دولارات مرشحة للزيادة.
وتبدأ السنة المالية فى أول يوليو من كل عام وتنتهى بنهاية يونيو، وطبقا لنصوص الدستور تلتزم الحكومة بتسليم مشروع الموازنة العامة إلى مجلس النواب فى موعد أقصاه 31 مارس من كل عام، على أن يناقش المجلس الموازنة خلال فترة الثلاثة أشهر حتى نهاية يونيو لإقرارها، ويتم تصديق رئيس الجمهورية عليها ونشرها بالجريدة الرسمية، لتدخل حيز التنفيذ يوم 1 يوليو من كل عام.
وعندما تضع وزارة المالية مشروع الموازنة العامة للدولة، تأخذ فى اعتبارها كافة المتغيرات الدولية والمحلية التى يمكن أن تحدث خلال السنة المالية، ومن أهمها أسعار البترول والمواد الخام والسلع الغذائية العالمية مثل القمح والسكر والتى تحتاج لتدبير اعتمادات مالية بالموازنة لاستيرادها من الخارج خلال السنة المالية، وتعتمد وزارة المالية فى هذه التوقعات على البنك الدولى، ولكن فى السنوات الأخيرة كثيرا ما تأتى توقعات الأسعار مختلفة تماما عما يحدث إما بسبب تزايد المخاطر السياسية والنزاعات المسلحة، أو التغيرات المناخية التى تؤثر كثيرا على أسعار المحاصيل الزراعية، وغيرها من المتغيرات.
ومن أكثر ما يؤثر فى إعداد الموازنة العامة من هذه العوامل هى أسعار المواد البترولية، وخصصت الموازنة خلال السنة المالية الحالية 2017/2018 ما قيمته 110 مليارات جنيه لدعم المواد البترولية، مرشحة للزيادة فى حدود 120 مليار جنيه بنهاية السنة، خاصة وأن الموازنة حددت سعر برميل البترول عند 55 دولارا عند إعدادها، ولكن واقع الأمر أن السعر ارتفع إلى 72 دولارا للبرميل حاليا، وهو سعر مرشح للزيادة، فكيف يمكن أن تواجه الموازنة هذا التحدى الكبير؟
توقع إبراهيم مصطفى خبير الاقتصاد والاستثمار، أن تستمر أسعار المواد البترولية فى الصعود خلال الفترة المقبلة، وقد تصل إلى 80 دولارا للبرميل قريبا، وهو ما يمثل عبئا كبيرا على الموازنة العامة.
وأرجع مصطفى، الارتفاع الكبير فى أسعار النفط إلى التوتر الجيوسياسى فى المنطقة، سواء بالخليج أو إيران، بالإضافة إلى التوتر الناشئ بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، حيث تعد الصين أكبر دولة مستوردة للنفط فى العالم وفى ظل هذا التوتر تتهافت على شراء البترول، وكذلك تفعل الكثير من الدول، بما يعنى زيادة الطلب بصورة كبيرة خوفا من اشتعال مزيد من التوتر، وهو ما يرفع الأسعار العالمية.
ومن غير المتوقع أن ينتهى هذا الوضع المتوتر فى الأجل القريب، خاصة مع قرب نشوب حرب دولية جديدة فى سوريا، حيث تهدد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشن ضربات عسكرية على القوات السورية، لم تحدد موعدها بعد، ولكن مسئولون فى البيت الأبيض لم يستبعدوا مواجهة مباشرة مع القوات الروسية فى سوريا، بحسب ما أوردته وكالات أنباء عالمية اليوم، وهو ما يعنى أن حدة النزاع الدولى ستزداد اشتعالا بصورة يصعب السيطرة عليها فى المستقبل القريب.
واقترح خبير الاقتصاد والاستثمار، عدم تثبيت سعر برميل البترول فى الموازنة، وتغييره كل 3 أشهر طبقا للمتغيرات العالمية، وأن يتم الوضع فى الاعتبار نسبة 10 – 15% مبلغا إضافيا لدعم المواد البترولية للتحول من التقلبات العالمية، وهو ما يمكن أخذه فى الاعتبار عند مناقشة الموازنة بالبرلمان.
الحكومة بدورها انتهت من الموازنة وأصبحت الكرة الآن فى ملعب البرلمان الذى يستعد لبدء المناقشات بالموازنة الجديدة خلال أيام، ولكن هل يمكن أن يغير البرلمان مستهدفات الدعم بالموازنة الجديدة خلال المناقشات تماشيا مع التطورات العالمية فى أسعار النفط؟.
فيما، قال ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، لـ"انفراد"، إن المجلس سيأخذ فى اعتباره التغيرات فى الأسعار العالمية بالطبع، ولكن المشكلة أن العجز فى الموازنة كبير، وليس هناك حيز مالى للتحرك، لافتا إلى أن وضع سعر 17.25 جنيه للدولار فى الموازنة جاء واقعيا هذه المرة، وبالتالى سيقتصر التأثير على تحرك أسعار المواد البترولية، ولن يكون هناك تغيير متوقع فى سعر الدولار.
وأكد عمر، على أن زيادة أسعار المواد البترولية عالميا تشكل مزيدا من الضغط على الموازنة العامة التى لا تحمل عجزا أكبر مما هى عليه الآن، وقال: "إذا وصلت أسعار النفط إلى 80 دولارا ستكون مشكلة كبيرة وسنناقش ذلك فى البرلمان".
وأوضح وكيل لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، أن كل دولار زيادة فى السعر العالمى للبترول يحمل الموازنة عبئا يزيد عن 2 مليار جنيه.
وتستهدف موازنة السنة المالية المقبلة 2018/2019 عجزا كليا بنسبة 8.4% من الناتج المحلى الإجمالى، مقابل 9.8% عجزا متوقع خلال السنة المالية الحالية 2017/2018.