اتصل الدكتور طه حسين بمحمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «الأهرام» لاستكمال جهوده لحل مشكلة ديون الكاتب الصحفى محمد التابعى. «راجع- ذات يوم 22 إبريل 2018».
كان الاتصال يوم 23 إبريل «مثل هذا اليوم 1969»، حسبما يؤكد «محمد الدسوقى» سكرتير طه حسين، مضيفا فى كتابه «أيام مع طه حسين»: قال «العميد» لهيكل: الأستاذ التابعى جاءنى، وهو يشكو من آلام صحية كثيرة، وعليه ديون للأخبار، ويرجو أن تعمل له شيئا، رد الأستاذ هيكل على ما قاله العميد نحو عشر دقائق، كان العميد يردد فى أثنائها: «مش معقول، هذا غلط، يا سلام»، ومع هذا طلب من الأستاذ هيكل أن يعمل ما يقدر عليه.
بعد انتهاء المكالمة، كشف «حسين» للدسوقى: «تصور أن الأستاذ التابعى ينفق على ابنه «14 عاما» 650 جنيها فى شهر واحد، ينفقها فى العبث. إنه بهذا يقضى على ابنه، ثم إن الأستاذ هيكل قال لى: «إنه كلم الرئيس جمال عبدالناصر بخصوص الأستاذ التابعى، فأعطاه الرئيس مرة خمسة آلاف جنيه، ومرة أخرى ألفين، ويأخذ من الأهرام 200 جنيه، ومن رئاسة الجمهورية 200 جنيه ثم يشكو الآن من الأقساط والديون».
يكشف سامى شرف مدير مكتب جمال عبدالناصر فى مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر»، أن «التابعى» كتب رسالة إلى الرئيس حول نفس الموضوع تاريخها 10 مارس 1962، بدأها بمقدمة عاطفية، فيها: «ليس أمامى إلا أن ألجأ إليكم لعلكم تجدون لى حلاً لدى البنوك أو مؤسسة «أخبار اليوم»، وأضاف: «أنا يا سيدى الرئيس مدين فى نحو عشرة آلاف جنيه لبنك مصر، والبنك العربى، وبنك التجارة وبنوك أخرى، ومنها ألف جنيه لمؤسسة «أخبار اليوم»، وسددت منها حتى الآن نحو 700 جنيه».
ويضيف: «يجب علىّ أن أعترف بمسؤوليتى، بل بسوء تصرّفى، فقد كنت مسرفاً كل الإسراف فى شبابى، فلم أقتصد شيئاً، وكان إيرادى يكفينى وكنت أنفقه كله، ثم كان ما لم يكن فى حسابى فتزوجت فى سن متأخرة، وورث ابنى وابنتى عنى وعن أمهما أمراض الحساسية وعلى رأسها الربو، واضطررت نزولاً على رأى الأطباء أن أصحب ابنىّ إلى جبال سويسرا أو لبنان سنوات متوالية للعلاج والاستشفاء، وكنت فى كل مرة أستدين نفقات الرحلة، وزوجتى أيضاً أصيبت بجلطة فى ساقها اليسرى عقب إجراء عملية جراحية لها «الزائدة الدودية»، وسافرنا مرتين إلى ألمانيا الغربية لعلاج الساق الضعيفة فى حمامات بادن، ومرضت أنا فى عامى 1956 و1957، وأجريت لى عمليات جراحية وأقمت فى المستشفى نحو ثلاثة أشهر.
وكان يومئذٍ أول عهدى بالاستدانة، فمرضى كلفنى نحو ألفى جنيه، ومن يومها تراكمت علىّ الديون، ولما كنت لا أملك شيئاً على الإطلاق، رأيت أن أؤمن مستقبل ولدىَّ الاثنين فعملت لهما بوليصتى تأمين، قيمتهما 15 ألف جنيه، وأدفع عن البوليصتين أقساطاً سنوياً نحو 750 جنيهاً، ومؤسسة «أخبار اليوم» تستقطع شهرياً من مرتبى 50 جنيهاً على الأقل من قيمة دينها علىّ.
أنا يا سيدى الرئيس لا أزعم أن لى حقاً أو حقوقاً لدى «أخبار اليوم» ولكننى أرجو أن تكون الاعتبارات الآتية موضع العطف والتقدير، «أولا» لقد تنازلت فى 1946 عن مجلة «آخر ساعة» بعقد بيع، جاء فيه أننى تناولت ألف جنيه وهذا غير صحيح، لأننى لم أتناول قرشاً واحداً، وأعتقد أن مصطفى وعلى أمين يعترفان بهذا، «ثانياً» كان المتفق عليه أن يكون مرتبى خالصاً من الضرائب، ولكن عقد الاتفاق جاء خالياً من النص على هذا، ولما كنت يومئذٍ مريضاً جداً باحتقان الكبد والمرارة ومصاباً بانهيار عصبى بسبب كثرة العمل والإرهاق النفسى، فقد سكت ولعلى كنت أعتقد فى قرارة نفسى أننى لن أعيش طويلا، «ثالثا» قمت بثمانى رحلات صحافية طويلة إلى أقطار فى أوروبا وآسيا خلال الستة عشر عاماً التى مضت على اتفاقى مع «أخبار اليوم»، وأرسلت خلالها أكثر من مائتى مقال، وكانت هذه الرحلات على نفقتى الخاصة لم تسهم فيها «أخبار اليوم» بقرش واحد حتى ولا أجرة السفر بالباخرة أو بالقطار، ما عدا فى عامى 1958 و1961، تناولت 500 جنيه مساهمة من الدار فى نفقات السفر، هذا بينما تكفلت الدار دائماً بنفقات رحلات أى محرر أو محررة، وبلغ بعضها عدة آلاف من الجنيهات!
وكنت أعتقد فى عام 1946 أن حياتى لن تطول، وقُدر لى أن أعيش، وأتزوج وتتضاعف نفقات وتكاليف الأمراض التى ابتليت بها أنا وأفراد أسرتى، ومن هنا كانت ديونى التى كنت أؤجلها من عام إلى عام ومن شهر إلى شهر، ومعظمها تُستحق فى مارس الحالى. صدقنى يا سيدى الرئيس إننى خجل، ولكن الدنيا ضاقت فى وجهى فلم أجد أمامى سواكم، وأنا لكم دائماً وفى جميع الحالات الشاكر المحب المخلص».
يؤكد «شرف» أن عبدالناصر أسقط ديون التابعى، وأمر بإذاعة مقال له فى «صوت العرب» بمقابل مادى، غير أن تاريخ الرسالة الذى يسبق لجوء التابعى إلى طه حسين بنحو سبع سنوات يلفت النظر، فهل بقيت المشكلة كل هذه السنوات؟