الحلقة السابعة7.. مخيمات النازحين فى مأرب.. قصص الهروب والاستغلال الجنسى.. الخيام تلاصق بعضها ولا خصوصية ولا كهرباء.. وسيدات:«فيه ناس بتستغل حاجتنا للعيش الحاف وبيتحرشوا بينا».. وحتى الأطفال لم يسلموا

-«سيدة»: هربت من صنعاء بطفلى الرضيع بعد أن قتل الحوثيون زوجى وأخفوا جثته 3 أشهر.. والحاجة «ناجية»: «ابنى مات عند الحوثة ومارجعوش جثته ولاحقوا زوجته وماتت بطلقة فى الرأس وأعول ولادهم الثلاثة».. والحاجة ملكة: طردونا من بيوتنا وهربنا متنكرين - مواطن: أى شخص يأسره الحوثيون لن يخرج طبيعياً لأنهم يتفننون فى التعذيب -الرئيس التنفيذى لإدارة مخيمات النازحين: كثيرات تعرضن لاعتداءات جنسية بالمخيمات ويفضلن الكتمان خوفاً من المجتمع المحافظ.. والانقلاب الحوثى خلّف 5 ملايين نازح خلال 3 سنوات بينهم 2 مليون و800 ألف طفل ومليون و150 ألف امرأة.. و10% من الأسر النازحة تعولها سيدات -«محمد»: هناك موظفون مخصصون لصفع السجناء حتى يفقدوا الوعى.. وكانوا يقدمون لنا وجبة واحدة كل يومين من بقايا أكل جنودهم.. والطفل أيمن: «نفسى فى جزمة علشان الرملة هنا سخنة وبتلسعنى» -أحد الفارين من أسر الحوثى لـ«انفراد»: «الناس ماتت من التعذيب ونهش الكلاب».. والحوثيون حولوا المدارس فى صنعاء إلى سجون للتعذيب.. وأسرى أصيبوا بالشلل النصفى بعد إجبارهم على الوقوف على أطراف الأصابع لساعات طويلة -كفيف نازح من صنعاء: جئنا للمخيمات خشية الجوع.. والحوثيون حاصروا مركز النور للمعاقين وعذبوا من فيه دون رحمة -مركز الملك سلمان يتولى إرسال 50 شاحنة مواد غذائية وطبية شهرياً لمأرب.. والأهالى: قوات التحالف وقفت معنا وأنقذتنا من «الحوثى» -عبدربه مفتاح: مأرب عانت من الإهمال 33 عاما أثناء حكم على عبدالله صالح والآن أصبحت تضم مشروعات ضخمة وجامعات ومطاراً دولياً -الحاجة فزعة: ابنى اتقتل فى الحرب.. والحوثيون خطفوا ابنى الثانى ثم قتلوه وخسرت كل شىء وخرجت بهدومى اللى كنت لابساها - الطفلة «سهام»: قتلوا أبى وسجنوا أخى 3 مرات.. وأبيع الحلوى فى المخيمات لأساعد أمى.. والحوثيون يطلبون 500 ريال شهريا من كل طالب - 462ألف طفل يمنى يعانون من أمراض سوء التغذية - 5ملايين نازح يمنى منذ بدء انقلاب الحوثيين فى 2015 وحتى الآن - 562ألف نازح يمنى يتواجدون فى مأرب فروا من انتهاكات الحوثيين لا تبعد مأرب عن صنعاء سوى بمسافة 173 كيلومترا فقط، لكن انتقالنا إلى تلك المحافظة التى تحررت منذ العام 2015، وتضم 14 مديرية، تطلّب استخدام الطيران العسكرى التابع للقوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية، وكان معنا على متن الطائرة فريق تابع لمركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية، لتوزيع قافلة إغاثية على النازحين فى المحافظة، حيث تستقبل مأرب على أرضها النازحين فى 4 مخيمات، أكبرها الميل وجو النسيم. تملك مأرب مقومات تميزها عن بقية المحافظات، فهى المصدر الرئيسى لحقول الغاز فى اليمن، بجانب حقول النفط أيضا، وتتمتع بقدر كبير من الاستقرار، ويصل عدد سكانها إلى 2 مليون نسمة، طبقا لبيانات المحافظة، كما تحوى مأرب العديد من الأماكن الأثرية التى تجعلها مقصدا للسائحين، أهمها عرش بلقيس، وسد مأرب، ومدينة سبأ القديمة، ومدينة صرواح. قصدنا مخيمات النازحين وبرفقتنا اللواء عبدالعزيز الدخيل من قوات تحالف دعم الشرعية، وهناك استمعنا إلى الكثير ممن عاشوا مآسى انتهت بهم إلى ترك منازلهم وأعمالهم، والهجرة قسريا إلى أرض غير تلك التى نشأوا وعاشوا فيها، وبدلا من بيوت كانت تضمهم، صاروا أسرى لمخيمات ينتظرهم فيها المجهول. مخيمات على حدود مأرب - صنعاء بمجرد وصولنا إلى مخيمات الميل، المواجهة لسلسلة جبال الميل الشاهقة المكتسية باللون الأسود، على حدود محافظة مأرب مع صنعاء، سارع إلينا الأطفال، والتفوا حولنا وهم ممسكون ببعضهم البعض، وكان واضحًا أنهم يتطلعون إلى أن يحمل الضيوف أملا جديدا أو إغاثة تخفف الواقع الأليم. المخيم عبارة عن خيام متراصة لا يفصل بينها سوى بضعة سنتيمترات، أبوابها عبارة عن أكياس بلاستيكية أو نايلون، وبعض من الأسر وضع قطعا من الأقمشة لعلها تستر القليل من حياتهم الخاصة، وتجد قليلا من المخيمات عبارة عن غرف أسمنتية صغيرة، والبعض أحجار متراصة بشكل عشوائى. بدأ فريق مركز الملك سلمان عمله بتوزيع «كراتين» تحتوى على وجبات غذائية، بمعدل «كرتونة» لكل خيمة، وعلمنا أن حجم المساعدات الغذائية التى تم توجيهها من المركز للمخيمات فى اليمن خلال الفترة من 2015 إلى 2018 بلغ حوالى 46274 طن مواد غذائية تم نقلها بريا، و549 طنا تم نقلها جوا من خلال 50 طائرة إغاثة. محمد: «بيمسكوا أى حد يتكلم» فى أول مخيم للنازحين، وجدناه عبارة عن دورة مياه وغرفة أو غرفتين تم تجهيزها للمعيشة، وبالداخل موقد للطهو وبطاطين.. وقت أن دخلنا كان الظلام قد بدأ يحل بالمكان، ولا توجد كهرباء أو وسيلة إضاءة، وهم مع اقتراب الغروب يفتحون الأكياس التى يغلق بها المخيم، لعل شعاع الضوء يدخل ليقضوا حاجاتهم قبل حلول المساء، والناس هنا مضطرون للتنازل عن خصوصيتهم مقابل إنارة الظلام الدامس، لفت نظرنا حين وجدناه جالسا فى ركن مظلم.. إنه الشاب محمد محمد على، جاء للمخيم منذ أسبوع نازحا من صنعاء، علمنا أنه فقد ساقه اليمنى فى لغم، وقطع المسافة من أمانة العاصمة لمخيم الميل بساق واحدة.. بعد تردد وافق على الحديث إلينا، وبدأ بوصف معيشته فى صنعاء منذ سيطرة الحوثيين قائلا: «أى حد يتكلم على الحبس على طول، وينزلوا فيه ضرب وتعذيب ما يسيبوه إلا وهو مشلول.. الحوثة منتشرون فى الشوارع والحارات بس متخفيين علشان يتنصتوا على اللى بيتكلم ويبلغوا قياداتهم، وفجأة يطبوا عليه ياخدوه من بيته قدام أهله.. محدش يعرفه فين، واللى يقع فى إيديهم مالهوش دية». هارب من أسر الحوثى فى مخيم آخر دخلناه، وجدنا «قران» النازحة من صنعاء.. رفضت ذكر اسمها كاملا خوفا من الحوثيين، تجلس أمام الموقد لصناعة الخبز، وحكت لنا أن الحوثيين حبسوا زوجها سنة و7 أشهر، دون أى ذنب، وواصلت: «كنت أبحث عنه مثل المجنونة بين كل السجون، واتعذبت والله، شمتوا فينا أنا وعيالى، و كانوا خافيين مكانه ما نعرفه فين، مع إنه ما عملش حاجة، ولما خرج من الأسر جه على هنا وبعده أنا جيت». وتابعت: «فترة حبسه كانت فترة صعبة، كنت أشقى على عيالى الأربعة مكنش حد غيرى يتحمل المسؤولية، وكان الحوثة يدخلوا البيوت يضربوا النسوان، غير إنه هناك كل حاجة الأكل والشرب والبترول أسعارها تتضاعف كل يوم، واللى مش معاه يدفع يموت، وفيه أسر كاملة تموت هناك من الجوع، كنا نجلس بالأيام لا نأكل، فأخدت بعدها ولادى وجيت على هنا». انتقلنا إلى الزوج الذى طلب عدم ذكر اسمه، واكتفى بـأن نناديه بـ«أبوصلاح»، لأن أباه وأخاه لا يزالان بيد الحوثيين، قال لنا: «كنت أعمل سائق قطاع خاص، أنقل شحنات أو عفشا، وفى يوم حدثت بينى وبين زبون من الشام مشكلة، وكان قياديا حوثيا متعاونا مع الحوثة، وكان ينقل على سيارتى مؤنا للمجهود الحربى للحوثيين، وبعدما انتهت الخناقة روحت أصلى العصر فى الجامع، ولما خرجت لقيت طواقم من الحوثة مسلحين، أخدونى من جنب الجامع، وأخفونى بعدها 9 أشهر عن أهلى، ومحدش كان يعرف مكانى، ولا أى حاجة عنى». وتابع: «خصصوا طاقما لتعذيبى فقط، فحبسونى فى بدروم سرى على عمق 3 أدوار تحت الأرض فى مقر الأمن السياسى بصنعاء.. غرفة لا ترى النور ولا الضوء، ومساحتها متر فى متر، وكان معى 7 أنفار غيرى، وفيه مدارس عاملينها سجون سرية للتعذيب ودونى فيها ، وتم أسرى لمدة عام و7 أشهر اتعرضت لكل أشكال التعذيب». وواصل متحدثا عن تفاصيل ما تعرض له من تعذيب داخل سجون الحوثى، قائلا: «كنا ننام واقفين لحد ما جالى الروماتيزم والكلى، ولدى إصابة فى ظهرى أيضا، وكان ييجى واحد منهم ملثم ياخدنى لفوق لغرفة التحقيقات بعد أن يغطى عينيه، ويتم الاستجواب تحت التعذيب بالكهرباء والضرب بالعصى، على الحال ده كل يوم يبدأ التحقيق من المغرب حتى 1 صباحا، وبعدها تنزل تانى على البدروم»، وأضاف: «هو يكرر ما يسأله عشرات المرات، وإذا لم تجب يركلك، وبعدها يضرب بالهراوات على الظهر والرأس لحد إما تفقد الوعى أو تعترف، وفيه ناس ماتت قدام عينى وناس جنت من التعذيب». واستطرد: «هم لديهم طرق كتيرة قوى للتعذيب، ويتفننون فيها، وكل صنف له طاقم متخصص فيه، وتختلف شدته من شخص لآخر حسب الجرم اللى أنت ارتكبته، يعنى أنا مثلا حرمت طول المدة من زيارة أهلى وحطوا على أجسامنا قطع لحمة وأطلقوا علينا الكلاب، أُصبنا بإصابات بالغة ومنا من مات، أيضا كانوا يلجأون للعصى الكهربائية، والشوى فى جهاز مخصص للتعذيب، وهناك التعليق، ونزع الأظافر والسلخ»، وتابع: «هم يجبرون الأسير أيضا على الوقوف على أطراف أصابعه ووجهه للحائط لساعات طويلة، ويعاودون تكرار نفس العملية حتى أصيب البعض بالشلل النصفى، واللى بيخرج من عندهم بيكون عنده مشاكل فى الذاكرة والعظام أو مصاب بشلل، وأيضا مشكلات فى الأذن». ويشير إلى أن «الحوثة» لكى يضمنوا إخراس أسيرهم بعد إطلاق سراحه، يقومون بالإبقاء على واحد أو أكثر من أسرته فى الأسر، مبينا أنه خرج ضمن صفقة تبادل أسرى فيها 26 أسيرا، «وبعد ما خرجت وضعونى تحت المراقبة المشددة، وبمساعدة ناس أصدقائى اتهربت على مأرب». حشرات سامة تحت السرير قصة أخرى من قصص الفارين من الأسر، رفض ذكر اسمه خوفا على حياته وزوجته، واكتفى بأن نشير إلى الأحرف الأولى منه «ع . م»، يقول: «كنت موظفا حكوميا قبل الهجوم الحوثى، ولما حصل الهجوم كثير من الشركات قفلت، كنت أقعد مع صحاب لى نضيع الوقت شوية، ومرة وأنا مروح البيت قبضوا عليا وغموا عينى، ووصلنا لمكان كله صور لعبدالملك الحوثى وشخص جالس على الكرسى ومعه دفتر كبير يعرض عليك الحديث مبدئيا دون ضرب أو اعتداء علك تعترف، وإذا لم تعترف ينزلوا فيك صفع، وهذه أداة تعذيب أساسية عندهم، لدرجة أن له موظفين خصيصا للصفع حتى النزيف أو الشلل». وتابع: «كانوا يقدمون لنا قُدم عيش ومعه طبق فيه بقايا أكل الجنود بتوعهم مرة، والأكل لا يقدم كل يوم، يعنى هى وجبة واحدة كل يومين، عبارة عما يتبقى من جنودهم، بعدها أوقفوا تقديم الطعام وطلبوا بياس «فلوس»، واللى مش معه يموت من الجوع، وشفت ناس معى ماتت من قلة الأكل»، ويستكمل: «هناك موظفون ينثرون الحشرات الجبلية السامة تحت سريرك، حتى لا يعطوك فرصة للنوم، وقد لدغت بواحدة من تلك الحشرات»، منهيا بالقول: «أى شخص بيتم أسره فى سجون الحوثيين لن يخرج طبيعيا، فهم يتفنون فى التعذيب». كفيف: أنقذوا المعاقين فى قلب مخيمات اللاجئين التقينا مع عائلة مكونة من أب كفيف وزوجته، ووالدته الجالسة على كرسى متحرك، وأربعة أطفال، رفض ذكر اسمه، لأن بقية عائلته لا تزال فى صنعاء، ولا يريد أن يعرضهم للخطر، وقال لنا: «جئنا من صنعاء هاربين من خلال البيضاء، جينا بدل ما نموت من الجوع هناك.. الحوثيون خربوا كل شىء، كل حاجة استولوا عليها، حتى مركز النور للمعاقين استولوا عليه ومحاصرين المعاقين وبيعذبوهم، ومحدش سأل فيهم ولا حد فاكرهم». «سيدة» هربت برضيعها انتقلنا إلى أسرة أخرى، جذبنا إليها صراخ متواصل لرضيع، واستأذنا بالدخول، قادتنا الحاجة فتحية لزوجة ابنها سيدة، القادمة هربا من صنعاء أيضا، وجدناها تفترش الأرض حاملة الرضيع على ذراعيها، سألتها كيف وصلت إلى المخيم، فقالت: «إحنا من أبناء صنعاء.. تعبنا من العيشة الصعبة، وجينا هربا.. اتنقلنا من سيارة لسيارة والحوثيون عرقلونا ووقفونا كذا مرة ويسألوا انتوا تبع الدواعش ولا إيه، وهم يقصدون بالدواعش أتباع الحكومة الشرعية.. الرحلة خدت 15 ساعة، والواد تعب منى وبقى بين الحياة والموت، وأنا أصبت بالحمى». تستكمل سيدة الحديث: «زوجى كان مجندا، واستشهد فى معركة الفردة فى مواجهة الحوثيين، وحجزوا جثته 3 شهور عندهم، ولما استلمتها منعونى أعمل عزا أو حتى أخد عزاه.. خفت من الملاحقات ولسه بيراقبونى عن طريق ناس فى الحارة، كمان جاع ابنى ومش لاقيه له لبن، كله هناك بالغالى، بيتحكموا هم فى الأسعار وكل ساعة يزودوها، أسعار كل شىء محدش يقدر عليها فجيت على هنا». أمل: زوجى مات فى سجون الحوثى لا تختلف قصة سيدة عن أمل التى مات زوجها فى سجون الحوثيين، وعن مأساتها تقول: «إحنا على قدنا عايشين اليوم بيومه، ساعات كان جوزى يطلع يدور على لقمة عيشه هنا ولا هنا.. فى يوم خرج الصبحية، وأمه الضريرة اللى عايشة معانا قالت لى قلبى مش مطمن على ابنى..خرجت أنا وشفت حد من جيرانا فى الحارة جه معايا وقلبنا البلد، وفضلنا مدة ندور عليه، لحد ما جه عيال من حارة بعيدة عنا لكن يعرفوا جوزى، قالوا لى الحقى عم عبدالحميد الحوثة خدوه.. طلعت لشيخ الحارة أسأله قالى منعرفش حاجة عن جوزك.. رحت القسم قالوا لى مش موجود.. فضلنا على الحال ده 4 أشهر، وفى يوم كنت رايحة أجيب عيش فتحت الباب لقيت جثته على العتبة ما حسيتش بروحى، وأمه ماتت من الحسرة عليه، وبقيت أنا وحدى مش قادرة حتى أخرج من البيت، هما كتير قوى فى الشوارع.. انتظرت لما جمعت حق الأجرة وهربت على هنا ونحمد الله». ناجية عبدالرحمن: أعول أحفادى قصص الأرامل والعائلات لأسرهن لا تنتهى، فالحاجة ناجية أم للمجند حسين عبدالنبى، مات وترك لها أبناءه الثلاثة، أصغرهم يبلغ عمره عامين، لا يجدون عائلا لهم سوى الجدة، تصف أزمتها قائلة: «أنا جيت من صنعاء.. أنا ست عجوز كيف أعول 3 عيال، ابنى مات وسابهم لى، كان يخدم مع المقاومة الشعبية لدعم الشرعية، وبعدها ما بقاش يروح، بس الحوثة راقبوه وكانوا يضايقوه وبعدين فى يوم خدوه من البيت قدامى وقدام مراته وما رجعش، وعرفنا إنه مات، ومالناش حد يرجع لنا جثته وفضلوا بعدها يلاحقونا ويهجموا علينا عشان إحنا تبع الشرعية». تواصل الحاجة ناجية: «مرات ابنى ماتت بعد ما ظلوا يلاحقوها.. ماتت بطلقة فى راسها، كانت تعيننى على الحياة بعد ابنى، ودلوقت ماليش حد، بس مقدر ومكتوب، ياريت حد يساعدنا». نازحة من ذمار: الحوثة لاحقوا أخى وزوجى وحبسوا زوج أختى فى مخيم آخر التقينا مع «زوجة رشيد»، هكذا أخبرتنا، بعد أن قالت إنها لا تذكر اسمها لأحد، وواصلت: «أنا نزحت من عام، لأن الحوثة طاردوا أهالينا فلاحقوا أخى وزوجى، موظف بالجامعة، وحبسوا زوج أختى، مدرس، لمدة سنة، كانت تهمتهم أنهم مع الشرعية، وبعدها هربوا فى الجبال، وإحنا لحقناهم إلى هنا». وتضيف: «الحوثة هجموا على بيت جيران لنا فى ذمار، وسحلوا الرجل قدام أهل بيته وقتلوه، وبعدها سحلوا جثته وخدوا الجثة مسحولة فى الطريق»، وختمت حديثها بالدعاء على الحوثيين: «الله يشردكم مثلما شردتونا». أما الحاجة ملكة التى التقيناها فى مخيم جو النسيم، فتقول باكية: «طردونا الحوثة من بيوتنا وجينا هنا متنكرين، أنا مريضة قلب وسكر وابنى عنده كهربا فى الدماغ وبنتين، وأنا اللى مسؤولة عنهم، وزوجى متوفى، لينا سنتين ومحدش سأل فينا.. الله موجود». أطفال المخيمات الأطفال هم من يدفعون النصيب الأكبر من فاتورة الحروب وتوابعها، وعلى رأسها النزوح، ويتحملون العبء و المعاناة، وهم يمثلون ثلث النازحين فى اليمن ككل، وهم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض، ويفقدون حلمهم بالتعليم، وفى مخيمات النازحين التقينا الطفلة سهام محمد، التى تبلغ من العمر 11 عاما، تقف فى دكانة صغيرة تضم علبا بسيطة من الحلوى، تحكى سهام لنا الظروف التى دفعتهم للنزوح من صنعاء: «الحوثيون طردونا من بيوتنا، وكنت بالصف الخامس الابتدائى، وكل شوية يغلوا أسعار التعليم، وبقوا يطلبوا 500 ريال فى الشهر من كل طالب، وإحنا مش معانا ندفع». وبصوت خافت تواصل: «أبويا قتلوه الحوثة فى الحرب لما دخلوا صنعاء، وبعدها حبسوا أخويا 3 مرات وهو عنده 20 سنة، كل شوية يحبسوه ويخرجوه، ويرجعوا يحبسوه تانى، وآخر مرة ما خرجش تانى، وبعدها إحنا جينا على هنا من شهر أنا وأخويا الصغير وأمى عشان لاحقونا ومش عارفين نعيش.. حتى أخويا خايفين نروح نزوره لاحسن يحصل لنا زى الست جارتنا، راحت تشوف ابنها وما رضيوش يطلعوها حتى حرقت شعرها وبرضه ما رضيوش.. أمى خافت يحصلها زى الست دى فقالت إحنا نمشى من صنعاء وجينا على هنا.. أنا بشتغل عشان أساعد أمى ونجيب قوت يومنا.. بس نفسى أتعلم وأرجع المدرسة تانى». الطفل أيمن منعم: «نفسى فى جزمة» من مخيمات الميل إلى مخيمات جو النسيم أيضا على حدود مأرب، تأخذ المخيمات نفس الشكل، والمكان يتشابه كثيرا مع سابقه، ولكن لا يواجهه الجبل.. أثناء وجودنا فى مخيم جو النسيم اقترب منا طفل يدعى أيمن منعم، 6 سنوات، بادرنا بأسئلة لم أستطع التعليق عليها: «أنتم هتاخدونا من هنا؟ طيب أمتى هترجعونى بيتى وسريرى.. أنا سبت لعبى ولبسى هناك جنب الدولاب، مش معايا إلا شبشب ونفسى فى جزمة عشان الرملة هنا سخنة بتلسعنى». أما سلمى معاذ، فى الصف الخامس الابتدائى، فنزحت إلى مخيم جو النسيم مع عائلتها منذ أيام، تقول: «لى 6 أخوة وجئنا هربا من الحوثيين الذين يقاتلون المسلمين.. توقفت عن الدراسة منذ أن جئنا إلى هنا، وأمنيتى الوحيدة أن أعود أدرس مرة أخرى»، فيما قال محمد ياسين، 7 سنوات: أتمنى العودة لمنزلنا مرة أخرى فى محافظة ذمار». سيدات تعرضن للتحرش المرأة اليمنية تتحمل الكثير والكثير فى كل ميدان من الميادين، وجدناها فى المستشفى تعالج المرضى، وأيضا على الجبهات تسعف الجرحى، وناشطة حقوقية وأم الشهيد، وهى فى المخيمات تعول أكثر من 10% من الأسر رغم تأزم المعيشة.. تحدثت إلينا السيدة «ك. ع» القادمة من محافظة ذمار، بعد أن استحلفتنى كثيرا بألا أغلط وأنشر اسمها، قائلة: «لا تودرينا يا أستاذة»، وواصلت: «أنا أم فى الثلاثينيات من عمرى، وعندى طفلان، والأب متوفى، وأنا وحدى وفى بلد غريبة.. المساعدات اللى بتيجى هنا مش بتكفينا كام يوم، أضطر أبحث عن أى لقمة عيش عشان العيال دى ما تموتش من الجوع، أتعرض للتحرش ومد الإيد نظير بس لقمة عيش حاف، وباسكت عشان مقدرش أتكلم.. أتفضح فى وسط الناس وكتير زيى كده، كل اللى بعمله مش بروح المكان ده تانى وبشوف غيره». أرشدتنى لمخيم آخر به سيدة نازحة من الحديدة تعول أسرة تتكون من طفلين توأم معاقين، فى البداية سألتها عما أتى بها إلى هنا، فردت: «الألغام والجوع فالحوثة مش سايب لنا نفس حتى، إذا نزلت الشوارع تلاقيهم فى كل حتة يرقبوا أنفاسك وممكن يقبضوا عليك من غير سبب، والسلع هما يتحكموا فى أسعارها.. أسعار البترول خلت المواصلات شحت، سعر أنبوبة البوتاجاز وصل 8000 ريال، بطلنا نستخدمه وبقينا نجمع مخلفات بلاستيك نولع فيها النار ونستخدمها بدل الأنابيب، ومفيش كهربا، والأدوية للى معه فلوس بس، والناس اللى مش معها بنشوفها تموت والله العظيم، الحال فى الحديدة وجع وتعب و موت». وتستكمل: «ولاد الحلال سلفونى تمن أجرة عربية وجيت عشان ولادى محتاجين علاج ، طبعا أبيت فى الخيمة وأنا خايفة، مفيش باب أقفله عليا، مفيش حيطان تحمينى، أحيانا ألاقى رجالة تبص عليا وأنا مش واخدة بالى، وعشان أدخل الحمام لازم أخلى واحد من العيال يبقى حارسنى، لما بنزل أدور على حد يساعدنى فى علاج ولادى أو مصدر دخل بلاقى تحرش أحيانا واستغلال حوجتى، وجسمى مطمع، ومش بقدر أتكلم بتاكلنى الحسرة من جهة على عيالى ومن جهة على شرفى وكرامتى». الحاجة فزعة هربت من تعذيب الحوثيين أما الحاجة فزعة التى هربت من تعذيب الحوثيين فتقول باكية: «تركنا بيوتنا كان عندى ولدين واحد راح يحارب على الجبهة واتقتل والتانى اختطفه الحوثيون وقتلوه قبل ما أشوفه، وخسرت كل شئ ولادى وبيوتنا وحالنا ما جبت معى شىء طلعت بهدومنا اللى لابسنها بس، فين ولادى دلوقتى». مضايقات حتى للأطفال فى أحد المخيمات التقينا طفلة، طلبت عدم ذكر اسمها، تبلغ من العمر 14 سنة، تحدثت عما تتعرض له داخل مخيم النزوح: «بنتعرض لمضايقات خصوصا لما الليل يخش ومفيش إنارة، مرة واحد من الشباب حاول يعمل معى الغلط ورا التل اللى هناك ده، وأنا زعقت وطلعت أجرى، حاول يمسكنى ويعرينى، بالعافية جريت بس خفت أقول لأمى، وأبويا متوفى، وفيه عيال غيرى بيحصل معهم كده وبيسكتوا برضه، عشان مالناش باب يتقفل علينا». إحصائيات النزوح.. كارثة إنسانية يعد النزوح والتشريد أحد أسوأ الانتهاكات التى خلفتها ممارسات جماعة الحوثى ضد الشعب اليمنى، وتأثرت بها فئات النساء والأطفال بشكل خاص، باعتبارهم الأكثر تضررا من هذه الأوضاع، وهو ما يؤكده الدكتور محمد عسكر، وزير حقوق الإنسان اليمنى، مشيرا إلى ما يترتب على النزوح من مشكلات صحية، مثل أمراض سوء التغذية، التى يبلغ عدد المصابين بها من الأطفال 462 ألف طفل، فضلا عن أنه- والكلام لعسكر- غالبا ما يكون النزوح مصحوبا ببعض الجرائم وممارسات العنف، والتى تدفع بالأسرة للفرار دون أن تأخذ شيئا من ممتلكاتها، فمنهم من هرب من القتل أو الاعتقال أو الألغام. ويشير الدكتور نجيب السعدى، الرئيس التنفيذى لإدارة مخيمات النازحين، التابعة للحكومة اليمنية، إلى أنه منذ الانقلاب الحوثى خلال الفترة من 2015 حتى 2018 بلغ إجمالى النازحين فى اليمن 5 ملايين نسمة، مثّل عدد الأطفال النازحين منهم مليونان و800 ألف طفل، طبقا لإحصائيات المجلس، والنساء بلغن مليونا و150 ألف امرأة. ويضيف السعدى: عاد مليون ونصف المليون من إجمالى من نزحوا، ليصبح أعداد النازحين اليمنيين الآن 3 ملايين ونصف المليون، منهم 3 ملايين بداخل محافظات اليمن، ونصف المليون خارجها، وعدد الأطفال النازحين الآن مليون و800 ألف، والسيدات 800 ألف، حيث يمثل الأطفال 55% من إجمالى النازحين، والنساء 23% من الإجمالى، بينما تعول المرأة 10% من الأسر النازحة، مبينا أن النازحين يتوزعون بأعداد كبيرة فى كل من مأرب «562 ألفا»، تليها عدن «435 ألفا»، ثم تعز «427 ألف نازح»، فيما تشير منظمة رصد للحقوق والحريات، التابعة للتحالف اليمنى لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، إلى أن المحافظات التى جاءت منها الأغلبية من النازحين هى صنعاء، والبيضاء، وتعز، وذمار، والحديدة، والجوف، والضالع لصعوبة الأوضاع الأمنية والإنسانية بها. انتهاكات جنسية ويقول السعدى إن النزوح كارثة ترتب عليها العديد من الأزمات، فهناك انتقال الأسرة من مجتمع مألوف إلى مجتمع جديد لا تعرفه، إلى جانب فقدان الأسر للسكن الآدمى والآمن والصحى، وفقدان هذه الأسر لمصدر عيشهم يعرض الفئات الضعيفة «النساء والأطفال» إلى كثير من الانتهاكات، وفى مقدمتها التحرش أو الاستغلال الجنسى مقابل لقمة العيش، فيكون هناك استغلال لوضع النازحين وحاجتهم المادية، خاصة أن النساء يتولين إعالة نسبة من تلك الأسر. ويضيف أنه تم توثيق بعض الحالات القليلة، رغم أن الانتهاكات ملازمة لعملية النزوح وتحدث بكثرة، لكن الغالبية تفضل الكتمان، لأن المجتمع اليمنى محافظ، وتغلب عليه ثقافة العيب، لذلك لا تجد من يتحدث عن هذه الانتهاكات، مبينا أن نصيب الأطفال من الضرر كبير، فهم لا ينالون فرصتهم فى التعليم، ويتعرضون للتسرب من المدارس، خاصة أن الطاقة الاستيعابية لمدارس المحافظات لا يمكنها تحمل كل هذه الأعداد القادمة لها، بالإضافة للافتقار إلى الخدمات الصحية فى أماكن النزوح، وكل هذا يخلّف مشاكل أيضا للمجتمعات المضيفة، لافتا إلى أنه من أزمات النزوح الأخرى نشاط الجماعات المسلحة داخل مجتمعات النزوح من أجل التجنيد، وخصوصا تجنيد الأطفال. التحالف والتنمية تحررت مأرب من قبضة الحوثيين منذ ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الوقت والحكومة الشرعية تطلق مسيرة البناء لمواجهة ما خلّفه الحوثيون من دمار، ويتحدث وكيل المحافظة الدكتور عبد ربه مفتاح عن أن مأرب عانت من الإهمال مدة 33 عاما فى فترة حكم صالح، والآن بها مشروعات ضخمة، حيث تم افتتاح جامعة إقليم سبأ، وفى 2015 تم فتح مطار دولى، وأيضا فى 2016 أعيد افتتاح العديد من المصانع التى أغلقت فترة الحرب، وفى 2017 تم افتتاح المحطة الغازية للكهرباء فى صافر، وسيتم ربط مديريات محافظة مأرب بالكهرباء، وكذلك المحافظات المجاورة، وكل هذا بدعم من أشقائنا فى قوات تحالف دعم الشرعية. كثير من الأهالى أكدوا لنا أن المساعدات تأتى فقط من مركز الملك سلمان، ولا وجود للمنظمات الدولية التى يسمعون عنها، فيما أوضح منسق عمل المركز فى مأرب، فتحى بصابيح، أنه يتم إرسال 50 شاحنة شهريا، تحمل مواد غذائية وطبية لدعم مركز الأطراف الذى أنشأته السعودية هنا لمساعدة المعاقين الذين فقدوا أطرافهم جراء القصف والألغام. من داخل مخيمات جو النسيم وجدناها بجوار خيمتها تجلس وحيدة، بادرتنا: «تركنا بيوتنا وكان عندى ولدين واحد راح يحارب على الجبهة وقتل والتانى اختطفه الحوثيون وقتلوه قبل ما أشوفه» مضيفة: «خسرت كل شىء ولادى وبيوتنا وحالنا ما جبت معى شىء طلعت بهدومنا اللى لابسينها بس»، أما سميرة محمد وهى أم لثلاثة أولاد فجاءت نازحة بهم من صنعاء، فتقول: تعبنا قوى فى صنعاء ولاحقوا جوزى فهرب منهم بسرعة، بيهجموا عشوائى على البيوت، وكنت بشوف جيرانى بيتعرضوا للضرب، كمان ما نحصلش الغاز، وعملنا موقد نار وندور نجمع الحطب والحاجات البلاستيك، وكتير ننام على الحصى «لحم البطن» بدون أكل، وتابعت: هنا فى المخيمات مفيش منظمات بتيجى.. هنا أحيانا مركز الملك سلمان.. بس مش بيكفينا وبننزل السوق ندور على قوت يومنا ولما مش بنلاقى بنقعد على الحصى. زوجة أخرى بالمخيم الملاصق لمخيم سميرة قادمة من ذمار، وصفت مشقة الرحلة قائلة: «جينا على السكة خايفين من الحوثة وما قلنا أسامى حقيقية ولا أزواجنا جم معنا، هم بيجيوا من طريق تانى تهريب، وإحنا النساء نيجى لحالنا، وزوجى لسه ما جاش أنا وصلت من شهر». وقال محمد على نازح من ذمار ومعه 4 أطفال: جئنا هربًا من ملاحقة الحوثيين وتضييق الخناق علينا مفيش شغل وحتى التعليم مبقاش للغلابة كل عيل مطلوب عليه من 500 إلى 1000 ريال فى الشهر فقعدتهم من المدرسة، وجينا هنا نبحث عن الأمان الذى فقدناه منذ هجوم الحوثيين، وخوفًا على عيالنا وزوجاتنا. في الحلقة التالية - الحوثيون تجار الجثث - ميليشيا تختطف المدنيين وتستخدمهم كدروع بشرية أو تعذبهم بأشكال متعددة وتساوم على تسليم جثث الموتى منهم مقال مبالغ مالية تزيد حسب مكانة المختطف ونشاطه السياسى




























الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;