فوضى تشهدها البرامج الطبية على الفضائيات، فالأمر أصبح أحد أساليب الدعاية الطبية والإعلانات عن الأطباء وعياداتهم رغم مخالفة ذلك لآداب مهنة الطب وأخلاقياته، خاصة أن ذلك قد ينتج عنه توصيل رسائل غير دقيقة للمرضى، ويستوجب على جهاز حماية المستهلك أن يتخذ إجراءات حيال ذلك، بجانب دور وزارة الصحة فى إحكام الرقابة، انطلاقًا من مسئوليتها الدستورية عن صحة المواطنين، هذا ما أكده الدكتور علاء غنام مسئول ملف الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عضو اللجنة القومية لتعديل قانون التأمين الصحى الشامل بوزارة الصحة، تعليقا على غياب الرقابة على البرامج الطبية بالقنوات الفضائية.
الترويج للخدمات الطبية بلا ضابط ولا رابط
وأضاف غنام، فى تصريحات لـ"انفراد": "الترويج للخدمات الطبية أصبح فالت، ليس له ضابط ولا رابط، وجهات الرقابة كثيرة لكنها غير مفعلة بشكل جيد، فالقنوات أحيانا يتم بثها من خارج مصر، لكن من الممكن أن يتم إغلاقها كما القنوات الإباحية، ويفترض أن يتولى المجلس الأعلى للإعلام جزء من مسئولية هذا الأمر فى أن يتعامل ضد القنوات التى ترسل رسائل ليست منضبطة وإغلاقها، بالإضافة إلى دور مجلس النواب، بجانب ضرورة أن تتدخل نقابة الأطباء وتحاسب أعضائها الذين يروجون بالإعلانات عن أنفسهم، بداية من اللافتات الموضوعة بالشوارع وصولا إلى البرامج التليفزيونية".
وفى سياق متصل، قال الدكتور خالد سمير، أستاذ جراحة القلب بكلية الطب جامعة عين شمس، أمين صندوق النقابة العامة للأطباء الأسبق، إن البرامج الطبية تتم الرقابة عليها حسب المحتوى المقدم من خلالها، فهى تقسم إلى برامج للتوعية تكون تابعة للمجلس الأعلى للإعلام، وأخرى ترويجية عن الأدوية أو العلاج تابعة لوزارة الصحة، لافتًا إلى أن الأمر أصبح له العديد من الأشكال وبعضها بات برامج مقنعة، حيث يتم إذاعة إعلانات لمدة 10 دقائق فى الفواصل بين المسلسلات للترويج عن أطباء أو مستحضرات طبية، فى حين أنه من الممكن أن يكون كثيرين منهم ليسوا أطباء من الأساس، أو ينتمون لمهن طبية أخرى.
العلاج بالتليفون "جريمة"
وطالب سمير مجلس النواب بتفعيل القانون رقم 206 لسنة 2017 والخاص بتنظيم الإعلان عن المنتجات والخدمات الصحية، لوضع نهاية لفوضى الإعلانات الطبية، موضحًا أن أغلب إعلانات المستحضرات الطبية تشير إلى حصولها على الترخيص من وزارة الصحة لكسب ثقة المتلقى، فى حين أن إدارة التراخيص لا تتابع طرق التسويق عن المنتجات المسجلة بها، قائلا: وفى الواقع الانضباط بالبرامج والإعلانات ورقى فقط.
ووصف تلقى الطبيب لاتصالات ووصف العلاج بالتليفون بـ"الجريمة"، قائلا: ذلك الأمر ممنوع على الطبيب عمله طبقا للائحة آداب المهنة، فمن الممكن أن يخطأ المريض فى وصف مشكلته، أو فى تطبيق النصيحة الطبية التى حصل عليها من الطبيب، بالإضافة إلى مخالفة إذاعة أسرار المرضى على الهواء.
تضليل المشاهدين
وأكد أن نقابة الأطباء ليس لها سلطة فى الأمر، وفقط يمكن الاستعانة بها فى التأكد من تسجيل الطبيب قبل استضافته، مشيرًا إلى أن كثيرا يرفقون باسمائهم الأستاذ الدكتور، فى حين أن الاستاذية لقب علمى يحصل عليه بعد مرور 10 سنوات بعد الحصول على الدكتوراه، وإنجاز 10 أبحاث علمية والتقدم لامتحانات، وعدة إجراءات ليست سهلة، وأصبح المريض يتم التغرير به، لأنه لا يملك إمكانية التأكد من ذلك.
فيما أكد الدكتور خالد أمين زارع، أمين نقابة أطباء الجيزة، أن لائحة آداب المهنة تمنع الطبيب من الترويج عن نفسه فى وسائل الإعلام أو السوشيال ميديا، مشيرًا إلى أن جهاز العلاج الحر ضعيف جدا من حيث القدرات البشرية والمادية، ما أدى إلى خلق فوضى ناتجة عن عدم وجود رقابة حقيقية، لافتًا إلى أن قانون نقابة الأطباء لا يمنحها حق الضبطية القضائية، ولا يتيح لها حق استدعاء الطبيب دون ضرر يقع على المريض، وتلقيها شكوى منه، والعلاج الحر يملك الضبطية لكن عدد العاملين به ضعيف جدا، ففى محافظة الجيزة وحدها 22 ألف طبيب، وأكثر من 40 ألف منشأة طبية، فى الوقت الذى لا يتجاوز فيه عدد الأطباء بالعلاج الحر عن 7 وعددا من الموظفين.
ميثاق شرف إعلامى الحل
وأكد أنه يمكن حل الأمر من خلال عمل ميثاق شرف إعلامى يتم الاتفاق عليه، بحيث يتم منع إذاعة البرامج المضللة، والتأكد من الشهادة والدرجة العلمية لكل طبيب قبل استضافته، من خلال التواصل مع نقابة الأطباء، مع التأكيد على الحديث استنادًا على دراسات علمية، مشيرًا إلى أن النقابة لم يسبق لها أن تتلقى شكوى من قبل من مواطنين حول البرامج التليفزيونية الطبية.
فيما أكد الدكتور أسامة عبد الحى، وكيل النقابة العامة للأطباء، أنه طبقا لنص المادة 18 من الدستور، فأن وزارة الصحة هى المعنية بالرقابة على الإعلانات الصحية، وأن دور النقابة يقتصر أنه فى حال تلقيها شكوى أن طبيب تجاوز آداب المهنة فى الإعلان عن نفسه تحقق معه، موضحًا أن لائحة آداب المهنة تنظم ظهور الأطباء فى الإعلام، مضيفًا:"فى حال تم دعوة طبيب فلا يحق له الحديث إلا فى المعلومات العلمية المقطوع بصحتها، ولا يشرح أى دواء أو تجارب جديدة، والحديث بأسلوب مبسط بهدف الفائدة للمرضى، وُيمنع من الإعلان عن نفسه ويظهر فقط اسمه وصفته أو درجته العلمية لمنح ثقة للجمهور، ولا يدع فى البرنامج لنفسه ميزة عن باقى الأطباء أو إحداث سبق.
هيئة الاستثمار وضوبط الإعلان عن الخدمات الطبية
وأضاف عبد الحى لـ"انفراد": سبق مخاطبتنا لوزارة الصحة، إلا أننا علمنا أن ذلك تابع لهيئة الاستثمار، وأغلبها يتم بشكل تجارى مدفوع الأجر للإعلان عن الأطباء، وطالبنا هيئة الاستثمار بوضع ضوابط، ولم نجد حتى الآن أى استجابة، فقط نريد وضع قواعد للبرامج الطبية حتى لا تتحول إلى إعلانات مثل الشاى وغيره من المنتجات".