كان الحدث الأبرز فى اليوم الأول من «أسبوع شوقى» الذى بدأ 29 إبريل 1927 قول الشاعر حافظ إبراهيم فى قصيدته التى ألقاها: «أمير القوافى قد أتيت مبايعا/ وهذى وفود الشرق قد بايعت معى».
كان ذلك بمثابة إعلان مبايعة لشوقى «أميرا للشعراء»، ويذكر يونان لبيب رزق فى «الأهرام- 11 أكتوبر 2001»: «بدأت المشاركة العربية بقصيدة طويلة (117 بيتا) ألقاها الشاعر اللبنانى المشهور شبلى ملاط، عنوانها «فم الميزاب»، والميزاب قمة لبنانية فى جبال الأرز يزيد ارتفاعها على ثلاثة آلاف متر واستهلها بالقول: «ردت على مطامحى وشبابى ذكرى الصبا وملاعب الأحباب/ أيام تغدو فى مراتعها الظبا وتروح أسرابا إلى أسراب».. وألقى شاعر القطرين خليل مطران قصيدة زادت فى طولها عن قصيدة شبلى ملاط وجاء فى مطلعها:
«قبس بدا من جانب الصحراء هل عاد عهد الوحى فى سيناء/ أرنو إلى الطور الأشم فاجتلى أعاض برق واضح الإيماء».
وألقى شوقى قصيدة، وألقت السيدة إحسان أحمد القوصى كلمة السيدات، ويتوقف عندها «جابر عصفور» فى كتابه «فى محبة الشعر» عن «الدار المصرية اللبنانية- القاهرة»، مؤكدا أن ذلك كان توفيقا من اللجنة التنظيمية التى لم تغفل دور المرأة المصرية التى صعدت إلى بؤرة الضوء مع ثورة 1919، ويضيف: «أعلنت هدى شعراوى تأسيس الاتحاد النسائى 1923، واستمر يمارس دوره الصاعد، وأنابت عنها إحسان أحمد التى بدأت كلمتها بقولها: باسم جمعية الاتحاد السنوى، بل باسم المرأة المصرية الناهضة نشترك فى هذه الحفلة تكريما لأمير شعراء الشرق العربى، مدفوعات لذلك بعوامل شتى، أولها: شعورنا بوجوب تقدير النوابغ، ثانيا: عرفان الجميل لنصيرٍ تفخر المرأة بمناصرة مثله، وثالثها، أن الإنسان مطبوع بفطرته إذا امتلأت نفسه بعاطفة مال إلى الإعراب عنها، والإفضاء بها إلى مشاركيه فيها».. وتشير «إحسان» إلى أن أسباب اختيارها لإلقاء الكلمة، يعود إلى علاقة الصداقة التى ربطت بين والد أحمد شوقى وجدها الشيخ على الليثى، مؤكدة ذلك بشعر شوقى فى الشوقيات القديمة».
يؤكد عصفور، أنه فى المساء شهد «تياترو الأزبكية» حفلا، تليت فيه بين الفصول قصيدة لحضرة الأستاذ الفاضل محمد الشربينى مدير المطبوعات شرق الأردن، وكتب «داود باشا بركات» رئيس تحرير الأهرام، الذى كان حاضرا حفل الافتتاح، أن المناسبة هى «مبايعة الأقطار العربية مصر بالإمارة على لغتها، إذ كانت مصر صاحبة هذا المجد من قدم، فهى كعبة الضاد يقوم عليها سدتها، وفيها حرمها وقبلتها، ثم سلمت مصر هذه الإمارة على صاحب لواء بيانها شوقى بك وألقت إلى يمينه صولجانها. وأدارت على مفرقه معقد تاجها».
كان يوم السبت 30 إبريل، مثل هذا اليوم، 1927 حافلا، وتنوعت فقراته، وحسب يونان لبيب رزق: «قامت الوفود بزيارة لدار الكتب التى أعدت برنامجا يمكن مندوبى البلاد العربية من الوقوف على جميع ما يهم العلم به، وعقد اجتماع حافل فى قاعتها خصص لسماع محاضرات ضيوف مصر وقصائدهم والقصائد المرسلة من وراء البحار»، وفى نفس اليوم وفى الجمعية الجغرافية، ووفقا لعصفور، ألقى الأمير شكيب أرسلان قصيدة وألقى الأستاذ الكبير إسعاف النشاشينى مقالة فى اللغة العربية، وألقى الشاعر الطرابلسى الكبير عبدالحميد بك الرافعى قصيدة، وألقى محمد بن أحمد داود من تطوان بالمغرب الأقصى مقالة، وألقى كل من الأمير الجليل صالح سعد سالم من سلطنة لحج، والأستاذ فاندنبرج نائبا عن شعراء البلجيك، والأستاذ الكبير بدر الدين النعسانى من أفاضل حلب، والأستاذ وديع البستانى، والأستاذ الكبير قيصر إبراهيم المعلوف، والأستاذ الكبير أنيس المقدسى، قصائد، وألقيت قصيدة من البحرين.. فى المساء أقيمت حفلة سمر وعشاء بكازينو الجزيرة، ألقى فيها كلمات كل من فكرى بك أباظة، وحافظ بك عوض، وخليل بك مطران».
استمرت باقى أيام الأسبوع فى زخم فكرى وأدبى، وكان لافتا فيها حسب عصفور «إلقاء حاخام الطائفة الإسرائيلية كلمة فى علاقة الآداب العبرية بالعربية»، وفى يوم الاثنين أقيمت حفلة موسيقية غنى فيها المطرب محمد عبدالوهاب، وألقى محمود أبوالوفا قصيدة، وفى الأربعاء 4 مايو ألقى الدكتور طه حسين محاضرة فى الجامعة المصرية عن «الأخطل»، وفى الخميس 5 مايو، زارت الوفود دار الآثار القبطية، وفى المساء استضاف أمير الشعراء الجميع، وألقى الأستاذ محمد أحمد خلف الله قصيدة عن كرمة ابن هانئ»، وكانت هذه الحفلة آخر احتفالات الأسبوع لتصبح دار ابن هانئ بعدها «دارا للأمير بعد أن كانت مجرد سكن للشاعر»، حسب تعبير يونان لبيب رزق.