اتصل وزير الداخلية شعراوى جمعة بالكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الأهرام، يطلب منه اللقاء عاجلا، كان ذلك يوم 1 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1971، وحسب «شهادة شعراوى»، إعداد محمد حماد عن «مركز الأهرام والنشر-القاهرة»، فإن هذا الاتصال جاء بعد أحداث احتفال عيد العمال وخطاب الرئيس السادات فيه، حيث بدا فيه تصاعد الصراع بينه وبين معارضيه، وكان شعراوى من أبرزهم.
كان الاحتفال بعيد العمال «بداية الانفجار النهائى» بتعبير عبدالمحسن أبوالنور، أمين عام الاتحاد الاشتراكى «التنظيم السياسى الوحيد وقتئذ»، قائلا فى مذكراته «الحقيقة عن ثورة يوليو»، عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة»: «عندما جاء موعد الاحتفال فى هذا الجو، كان السادات يخطرنى بأن أعضاء الاتحاد الاشتراكى فى القاهرة والجيزة بقيادة عبدالمجيد فريد، وفريد عبدالكريم يهاجمونه فى اجتماعاتهم، فاجتمعت معهما، وقالا إن هذا لم يحدث وإنها وقيعة».
يؤكد أبوالنور أن «الاحتفال كان مقصورا على العمال فى دائرة القاهرة والجيزة فقط، لأنه كان يستمر إلى وقت متأخر من الليل، وحتى لا نكلف العمال مشقة التنقلات، وحيث إن السادات قد شكا لى من تصرفات الاتحاد الاشتراكى فى القاهرة، قمت بترتيب الاحتفال، مراعيا عدة أشياء.. ألا يقل عدد الحاضرين عمن كانوا يحضرون أيام عبدالناصر، حتى يظهر الحشد كبيرا، وأن يحضر عمال أقل من القاهرة والجيزة، وتكون النسبة الكبيرة من القليوبية والمنوفية والغربية، لنبعده عن شبهة التحزب ضد السادات من عمال القاهرة».
يشرح أبوالنور ما حدث أثناء الاحتفال: «كان واضحا أن العمال يحملون صورا لجمال عبدالناصر، لأنه كان أول احتفال بعد وفاته «28 سبتمبر 1970»، كما كانوا يعتبرون ذلك وفاء له ولذكراه ومبادئه، وإن هذا سيرضى السادات لكثرة ما كان يردد فى كل مناسبة بأنه يسير وفق مبادئ عبدالناصر، ولكن ذلك لم يكن ليرضى السادات، ومن كثرة ما كان ينقله إليه الذين يريدون التقرب إليه بالوقيعة، ظن أن رفع صورة عبدالناصر فيه تحد له، فقال لى فيما بعد تعليقا على عبدالناصر: «هما بيخوفونى بعبدالناصر».. يضيف أبوالنور: «فى ملابسات هذا الجو وما قبله بدأ التجهم على السادات وهو يقرأ فى نهاية خطابه هجوما على من سماهم بمراكز القوى، وعندئذ أحس العمال بأن السادات يقصد القيادات الناصرية، فما كان منهم إلا أن هتفوا باسم عبدالناصر وسقوط أمريكا وإسرائيل، وأصبح الموقف ينذر بالغليان، بل بدأ بعض العمال بالخروج من مكان الاجتماع، فناديت من مكانى المسؤول عن تنظيم الحفل، وطلبت منه منع أى عامل من ترك موقعه حتى لا يزداد الأمر سوءا، خصوصا أن الحفل منقول على الهواء مباسرة بواسطة التليفزيون، وانفض المؤتمر والجو كله مكهرب ومملوء بالغضب والشائعات».
يوضح شعراوى أن السادات بعد أن انتهى من قراءة الخطبة التى كتبها هيكل، أخرج من جيبه ورقة كتبها بنفسه، لأن هيكل رفض كتابتها فى الخطاب، تقول: «ليس من حق أى فرد أو جماعة مهما كان هذا الفرد أو تلك الجماعة أن تزعم لنفسها قدرة منفصلة عن قدرة هذا الشعب، وأن تدعى لنفسها موقفا تستطيع من خلاله أن تفرض رأيها على جموع الشعب، أو أن تتستر وراء شعارات، أومناورات تحاول أن تشكل مراكز القوى، ليبقى الشعب وحده سيد مصيره».
يعلق شعراوى، أن هذه الفقرة المضافة كانت تعنى أن السادات قرر بدء مرحلة من التصفيات ليتمكن من الانفراد بسلطة القرار، وكانت تلك الفقرة هى «البداية»، ويضيف أنه كان على موعد مع السادات فى اليوم التالى «2 مايو»، ورأى أن يشرك غيره فى القضايا المتوقع إثارتها معه، ويؤكد: «طلبت هيكل على التليفون وقلت له: تعرف أنى على موعد غدا مع الرئيس، وفكرت أنه قد يكون من المناسب أن أناقش معك بعض الموضوعات المنتظر أن يثيرها معى، ووافق هيكل وطلب أن يحضر اللقاء بيننا المهندس سيد مرعى، ووافقت، وجرى لقاؤنا الذى ضم أيضا سامى شرف، فى مكتب الأستاذ هيكل فى الأهرام».
يؤكد شعراوى، أنه طرح على الاثنين سؤالا: «أتصور أن الرئيس السادات سوف يثير معى أكثر من موضوع، منها ما يخص الاتحاد الاشتراكى، ومنها ما يتعلق بعلى صبرى «نائب رئيس الجمهورية»، وأريد أن أتعرف على وجهة نظركما فى هذا الشأن بصفتكما ضمن المجموعة التى تلتف حوله»، يضيف شعراوى: «جرت المناقشات، واتفقنا فى النهاية على أنه ليس من الصالح العام، ولا من صالح البلد فى الوقت الحالى على أن يتم اتخاذ إجراء بحل الاتحاد الاشتراكى أو بإقالة على صبرى».