كانت القاهرة على موعد مع ختام «أسبوع شوقى» يوم 6 مايو «مثل هذا اليوم 1927»، وتتويج الشاعر أحمد شوقى أميرًا للشعراء، بمبايعة من شعراء وأدباء عرب حضروا فعاليات هذا الأسبوع منذ 29 إبريل 1927، «راجع ذات يوم 29 و30 إبريل 2018».
فرضت هذه المشاركة العربية المؤثرة نفسها على كلمة أحمد شفيق باشا، رئيس لجنة الاحتفال، أمام الحفل الذى نظمته «الرابطة الشرقية بالقرشية» يوم 6 مايو، حيث قال: «رأينا الوافدين والمشتركين عن بعد فى هذا المهرجان يجمعون كلمتهم على أن مصر تعتبر فى مقام من الزعامة جدير بالاعتبار، وأن هذه الزعامة لتفرض على أبناء وادى النيل واجبات معينة ينبغى أن يتعهدوها بصدر رحيب وعناية عظيمة، وعهدى بهم أنهم يؤدون هذه الواجبات بهمة لا تعرف الملل كما تقضى رتب الزعامة».
هكذا أكد شفيق باشا أن المشاركين لم يمنحوا «شوقى» إمارة الشعر العربى فقط، إنما أكدوا «زعامة مصر» لكل الناطقين بلغة هذا الشعر، وقدّم اقتراحًا انتهى المؤتمر إليه، فحسب «حوليات مصر السياسية- الحولية الرابعة 1927»، اقترح أن تشكل دار الرابطة الشرقية لجنة تتعهد بعقد مثل هذا المؤتمر، و«تتراسل بشأنه مع الاختصاصيين والأدباء فى بلاد الشرق»، وقال: «أذكر أن جلالة الملك فيصل «ملك العراق 1921-1933» كان قد أعلن عن رغبته فى عقد مثل هذا المؤتمر، فهذه الرغبة من ملك عربى كريم ستكون إن شاء الله من أهم أسباب نجاح هذه الفكرة الحيوية».
بعد انتهاء الحفل كتب شفيق باشا بيانًا نشرته الصحف، مشيرًا فيه إلى أن عدد المحاضرات والقصائد المشاركة فى فعاليات الأسبوع زادت إلى الحد الذى عجزت معه اللجنة المنظمة عن تلاوتها خلال الحفلات طوال أسبوع التكريم، واعتذر عن ذلك مؤكدًا أنه «سيتم نشر أهمها فى الكتاب الذهبى الذى سيطبع بمناسبة هذا التكريم».
ووجه «شفيق» الشكر إلى كل الذين تقدموا بالهدايا إلى أمير الشعراء، واعتبرها «مثالًا حيًا لأريحية الشرق إلى حب المكرمات».
ويحدد جابر عصفور هذه الهدايا، قائلًا فى كتابه «فى محبة الشعر» عن «الدار المصرية اللبنانية- القاهرة»: «كانت نخلة من الذهب الخالص، وكان جناحها لؤلؤًا متدليًا، هدية من أمير البحرين، وكأسًا ذهبية من الاتحاد النسائى المصرى، وقلمًا ذهبيًا من النادى العربى بعدن، وعلبة فضية وداخلها إطار من الفضة حول قصيدة «قم ناج خلق» من النادى العربى فى بومباى».
ولم تكن هدية البحرين مجرد هدية بالمعنى المادى، وإنما عبرت عن الرغبة فى مد جسور التواصل العربى ثقافيًا وفكريًا، فحسب العرض الذى قدمته جريدة «الأيام البحرينية» فى عددها «21 مايو 2017» لكتاب «البحرين وتكريم أمير الشعراء» للباحث صقر عبدالله المعاودة، فإنه بالرغم من صغر مساحة البحرين، وقلة عدد سكانها، وصعوبة التواصل وبعد المسافات، فإن أدباءها ومثقفيها المتفتحين فكريًا كانوا على اطلاع بما يجرى حولهم محليًا وخارجيًا، متطلعين لرفعة شأن بلادهم ونهضتها، لذلك لم يتأخروا، بل كانوا حريصين على مشاركة أشقائهم العرب فى احتفالات تكريم أمير الشعراء أحمد شوقى عام 1927، ويؤكد «المعاودة» أن هذه المشاركة جاءت بدعم ومؤازرة المغفور له الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، نائب حاكم البحرين آنذاك، وأخويه سمو الشيخ محمد، وسمو الشيخ عبدالله، رحمهما الله.
ويكشف «المعاودة» عن نص خطاب رئيس النادى الأدبى الشيخ محمد بن عبدالله بن عيسى آل خليفة إلى أحمد شفيق باشا، رئيس لجنة «أسبوع شوقى»، وقال فيه: «بناء على ما نشرته الصحف المصرية، وإطلاعها على النداء الموجه إلى العالم العربى للمشاركة فى احتفالات تكريم الشاعر أحمد شوقى المزمع إقامتها بالقاهرة، تقدم عضوا النادى الأدبى بالمحرق، الأديب عبدالله بن على الزايد وصديقه الأديب خالد بن محمد الفرج بمقترح إلى إدارة النادى بالمشاركة فى تلك الاحتفالات، مع تقديم هدية تذكارية فى شكل نخلة من الذهب واللؤلؤ البحرينى، تقديرًا لإبداعه فى الشعر والأدب، وما قدمه للأمة العربية والإسلامية.. تحيا مصر ويحيا نابغة الشعر العربى». يؤكد «المعاودة» أن «النخلة صنعت من الذهب الخالص بارتفاع 33 سم، تتدلى منها أربعة عقود منضدة باللؤلؤ البحرينى، تم تثبيتها على قاعدة مثمنة الشكل صنعت من حجر الكهرمان الأصفر، وغطيت بقبة من الزجاج، قدر ثمن الذهب فيها بمائة وخمسين جنيهًا، وأرفقت معها قصيدة نظمها عضو النادى الشاعر خالد الفرج خصيصًا لهذه المناسبة، وتعبيرًا عن شعوره وجميع أهل البحرين تجاه أمير الشعراء»، ويؤكد «المعاودة» أنه نظرًا لظروف غير معروفة، لعل منها بعد المسافة وصعوبة السفر فى ذلك الوقت، لم يحضر أحد من أعضاء النادى الأدبى احتفالات التكريم، وتم انتداب الأستاذ محمد على الطاهر، صاحب جريدة «الشورى» التى تصدر بالقاهرة، لتمثيل النادى.