- بيت الرواية فى تونس مكسبا ينبغى دعمه
- ينبغى دراسة الفعل الروائى فى التعليقات والسلوك لأنه بطئ
- القارئ يقبل على الرواية لأنها تعرفه على نفسه ومجتمعه
ما الذى يجعل الرواية العربية قادرة على المنافسة عالميا؟ سؤال أجاب عنه الكاتب التونسى شكرى المبخوت، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية البوكر، عن روايته "الطليانى" 2015، ضمن أسئلة أخرى أجاب عليها خلال حواره مع "انفراد" أثناء تواجده فى انطلاق فعاليات ملتقى تونس للرواية العربية، الذى ينظمه بيت الرواية، لمؤسسة الكاتب التونسى كمال الرياحى، والذى انطلق فى مدينة الثقافة فى تونس.
وخلال لقاء "انفراد" بالكاتب شكرى المبخوت، أجاب عن الأسئلة التى يناقشها ملتقى تونس للرواية العربية، فى دورته الأولى، الذى يستضيف نخبة من كتاب الرواية فى عالمنا العربى، ويحل الكاتب الليبى الكبير إبراهيم الكونى، ضيف شرف عليه، للحديث عن تجربته الروائية.
بداية.. ما رأيك فى تأسيس بيت للرواية العربية فى تونس؟
كل مؤسسة ثقافية جديدة هى دائمًا تمثل حدثًا مهما كانت مآلات هذه المؤسسة، لأننا نعيش فراغا ثقافيا يجعل كل شخص وكل مبدع منكفئا على نفسه، فى ورشته الخاصة، أو فى حالة غياب هذه الورشة ينتقل إلى النميمة وإلى كل ما لا صلة له بالإبداع، وبيت الرواية فى تونس أنا معتز به جدًا؛ لأنها يمكن أن تكون بل يجب أن تكون فضاءً للحوار بين المبدعين، ذلك الحوار الهادئ الرصين حول القضايا المضمونية والجمالية وآفاق الرواية وواقع الرواية العربية وإلى أين نريد أن نذهب بها؟ ولهذا فأنا اعتبر أن هذه المؤسسة مكسبا ينبغى دعمه، وينبغى العمل على تطويره، ولهذا أقدم تحية خاصة للكاتب كمال الرياحى صاحب الفكرة، وإلى كل من دعم فى مدينة الثقافة وجود هذا البيت الذى نأمل منه الكثير.
هل لديك ثمة نصائح أو ملاحظات تود أن تلفت انتباه كمال الرياحى لها من أجل إنجاح بيت الرواية؟
ليست لى نصائح؛ لأنه بحكم فكرته فليذهب بحلمه إلى أقصى ما يستطيع، ونعرف جميعا أن الفارق بين الحلم والواقع هو مسافة مهمة، ولكنى أعتقد أن كمال الرياحى له من الإصرار ومن الخيال ومن الإرادة ما يستطيع به إنجاح هذا البيت، ما يجعلنى متفائلا بهذا المشروع.
هل ترى أن الرواية غيرت المجتمعات العربية؟
سبق أن كتبت فى هذه المسألة، عدة مقالات، وأعتقد أنه يكفى لدينا أن نشير إلى ردة فعل المحافظين فى بداية الرواية العربية وخاصة الروايات المترجمة فى أواخر القرن التاسع عشر والعشرين، حتى نعرف أن هؤلاء المحافظون قد فهموا بعقليتهم الرجعية دور الرواية فى التغيير، لذلك فإن دورها بطبيعة الحال مثل مختلف الأفكار التى ينتجها الإنسان، فلها دور أساسى، إلا أنه ينبغى أن يتم دراسته بدقة وبعناية لتبين خصائصها وتتبع الفعل الروائى فى العقليات وفى السلوك، لأنه بطئ بالفعل وليس آنيا، ولكنه عموما مثل مختلف التعبيرات الثقافية كالموسيقى وكالرقص والرسم، فإن هذه الرواية لها بالفعل القدرة على التغيير.
هل يمكن رصد بعض ملامح هذا التغير؟
حين ننظر الآن إلى ضعف علم الاجتماع عند العرب، فإننا نجد أن الرواية تعوضه، فهذا الإقبال على الرواية سببه أن القارئ يجد صورة المجتمع فى تعدده وتناقضاته وفى الصراعات بالرواية، فيتعرف على نفسه، ويتعرف على أغلب مشاكلها، ويرى أن مجتمعاتنا العربية ليس كما يصورها الخطاب الأحادى، سواء أكان دينيا أو رسميا أم سياسيا أم ثقافيا، ليس مجتمعا أحاديا وإنما هو مجتمع متعدد متنوع.
كيف كتب الروائى العربى الحروب والحروب الأهلية؟
لدينا نماذج كبرى، منها الحرب اللبنانية كما تتجلى فى الرواية، وهناك نماذج بديعة جدًا فى التعبير عن قلق الهوية الفردية والجمعية، والتناقضات التى يعيشها الإنسان، والتى يتداخل فيها ما هو سياقى ظرفى سياسى أو طائفى أو غير ذلك، وما هو وجودى أصيل يتصل بالإنسان الفرد فى محنته داخل هذه الدوامة الهائلة، نجد هذا أيضا فى الرواية العراقية، ولكن فترة الثورات العربية أو حراك التغيير فى العالم العربى ما زال فى تقديرى لم ينتج أعمالا تعبر عنه؛ لأننا ما زلنا فى آتون هذه الصراعات وهذه التحولات التى سوف تفرز ولا ريب رؤى أخرى ومعانى جديدة لدى الروائيين العرب.
برأيك كيف تصدى الروائى بالتخيل للأنظمة الشمولية ونقل الانتفاضات الشعبية والانتكاسات السياسية؟
هنا نعرف أنه توجد أمثلة عديدة على قوة التخيل فى الكشف والفضح وتفكيك آلية الاستبداد، ولدينا العديد من الأعمال التى أصبحت ذات دلالة قوية، نذكر مثلا رواية "شرق المتوسط" للكاتب عبد الرحمن منيف، ويكفى أن نذكر مثلا رواية "اللجنة" للكاتب المصرى صنع الله إبراهيم، ولكن هناك روايات أخرى كثيرة لعدد كبير من الروائيين، فجل الكتاب العرب الجادين قاموا بفضح هذه البنية الاستبدادية وتعريتها وكشفها.
برأيك أيضًا ما الذى يهدد الرواية العربية؟
فى تقديرى الشخصى أرى أن ما يهدد الرواية العربية هو الابتعاد عن القارئ، بحثا عن القارئ الناقد الذى يثمن التجريبية ويثمن الألعاب الشكلية فى حين أن الرواية مسألة بسيطة جدًا، بمعنى أن السر فيها هو هذا الجمع بين الحكاية، وحين أقول حكاية فلا أقصد المعنى الساذج، ولكن بما فى ذلك التقنيات وبين العمق الفلسفى الذى يتخفى ورائها، ففى تقديرى لا بد أن نعود إلى الرواية فى معناها العميق، وليس بالضرورة أن تكون الواقعية، وإنما من الممكن أن تكون نمطا من النوع الذى تمتع القارئ وتحثه على طرح أسئلة على نفسه ومجتمعه وعلى الآخر، هذا الدور المهم للرواية هو الذى سوف ينقذها، ولكن فى الحقيقة لا أرى الأخطار كبيرة؛ لأن ما نشهده اليوم فى العالم العربى زخم روائى وتعدد لمراكز الرواية، حيث لم تعد مصر والشام فقط، بل أصبح هناك عدة مناطق عربية تقدم إنتاجا روائيا جديدًا، فهذا يطمئن على مستقبل الرواية العربية، وهنا بقى السؤال الأهم، وهو: هل هذه الرواية قادرة على المنافسة عالميا فى ظل آلاف الروايات التى تصدر سنويا وهى روايات بديعة، فإننى أقول أن الرواية تحتاج إلى أن يكون الخيال الذى تعبر عنه أوسع، والعمق الإنسانى أكبر، والأساس الفلسفى أمتن.
ويذكر أن الدورة الأولى من ملتقى تونس للرواية العربية يشارك فيها كل من: رشيد الضعيف من لبنان، الحبيب السالمى من تونس - فرنسا، إبراهيم عبد المجيد من مصر، مسعودة بوبكر من تونس، إنعام كجه جى من العراق - فرنسا، أبو بكر العيادى من تونس - فرنسا، أمين الزاوى من الجزائر، محمد على اليوسفى من تونس، آمال مختار من تونس، عبد العزيز بركة ساكن من السودان - النمسا، حسونة المصباحى من تونس، كمال الزغبانى من تونس، حسن بن عثمان من تونس، هدى بركات من لبنان - فرنسا، آمنة الرميلى من تونس، محمد الجابلى من تونس. محمود عبد الغنى من المغرب، أحمد مجدى همام من مصر، الحبيب السائح من الجزائر، محمود طرشونة من تونس، على المقرى من اليمن - فرنسا، خيرية بوبطان من تونس، سعود السنعوسى من الكويت، شفيق الطارقى من تونس.