نجحت الحكومة المصرية فى تحقيق معدل النمو الاقتصادى المستهدف بنسبة 4.2% فى العام المالى 2014/2015 (المنتهى 30 يونيو الماضى)، لكن يبدو أن هذا الالتزام سيكون تحديا كبيرا أمام حكومة المهندس شريف إسماعيل خلال العام المالى الحالى 2015/2016، والذى يستهدف فيه نموا اقتصاديا بمعدل 5%، بسبب أزمة القطاع السياحى الذى شكل حوالى 19.5% من إجمالى الناتج المحلى فى العام المالى الماضى.
ومما لاشك فيه أن قطاع السياحة سيواجه صعوبة بالغة فى تحقيق معدلات نمو مقاربة للعام الماضى فى ظل الأزمة التى يمر بها من جراء كارثة انفجار الطائرة الروسية أزمة السياحة، وهو ما سيلقى بظلاله على مستهدفات النمو الاقتصادى للعام الجارى، إذا لم تبادر الحكومة بخطط بديلة لاحتواء الأزمة.
وبلغت إيرادات السياحة الذى يدر حوالى 15% من موارد العملة الصعبة سنويا حوالى 7.3 مليارات دولار فى العام المالى 2014/2015، بينما كانت الحكومة تستهدف 9.5 مليارات دولار فى العام المالى الحالى قبل الحادث المأساوى.
وتقدر الخسائر المتوقعة للسياحة 2.2 بحوالى مليار جنيه شهريا وفقا لوزير السياحة هشام زعزوع، وبالتالى قد تصل إلى 26.4 مليار جنيه سنويا (3.4 مليار دولار) إذا لم ترفع روسيا وبريطانيا الحظر الجوى الذى فرضتاه على رعاياهما لمصر، إذ بلغ عدد سياح البلدين إلى 4 ملايين مواطن، من إجمالى 9.9 مليون سائح استقبلتهم مصر العام الماضى.
والمفاجأة التى فجرها الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، فى تصريحه لـ"انفراد"، هى أن الحكومة قد تعدل توقعاتها للنمو الاقتصادى المستهدف خلال العام المالى الجارى فى ضوء المتغيرات التى ستترتب على أزمة السياحة، أنها أول اعتراف رسمى باحتمال فشل الحكومة فى تحقيق النمو المستهدف فى خطة 2015/2016.
وأكد العربى أن مؤشرات النمو الاقتصادى خلال النصف الأول من 2015/2016 ستكون أقل من 5%، مضيفا أن نتائج النصف الأول من العام المالى الحالى ستعطى صورة أوضح حول إمكانية تخفيض المستهدفات أو تعديل الأرقام فى خطة الحكومة.
آمال على المشروعات الكبرى فى النهوض بالاقتصاد
وبالرغم من هذا الاحتمال، أشار العربى، إلى أن هناك قطاعات أخرى ومشروعات كبرى ستحقق معدلات نمو كبيرة مثل الكهرباء والطاقة والعقارات والنقل واللوجستيات، وهو ما قد يعوض التراجع المتوقع لقطاع السياحة بسبب حادث الطائرة الروسية.
ونوه وزير التخطيط إلى أن الحكومة رفعت توقعاتها للنمو الاقتصادى فى العام المالى الماضى من 3.8% إلى 4.2% بسبب مشروع قناة السويس الجديدة، مؤكدا أن الحكومة نجحت فى خفض معدلات البطالة إلى 12.7% بعد تفاقمها بعد ثورة 25 يناير إلى 13.4%، موضحا أن هناك مستهدفات لتقليل تلك المعدلات خلال الفترة القادمة.
لكن إجابة وزير التخطيط على نفس التساؤل تقريبا من "انفراد" فى جلسة مع عدد من الصحفيين مطلع الشهر الجارى، كانت أكثر تفاؤلا، لأنه استبعد تماما تأثر معدلات النمو بحادث الطائرة الروسية وتداعياته، مؤكدا أن الدولة لديها خطة لتحقيق معدلات النمو المستهدفة رغم أزمة قطاع السياحة، موضحا أن الخطة تعتمد على عدد من الإجراءات منها صندوق دعم السياحة لتنشيط القطاع واختراق أسواق جديدة وزيادة السياحة الوافدة من دول الخليج، إلى جانب صناديق إدارة الأصول واستغلال الأصول غير المستغلة.
تقارير دولية متفائلة بنمو الاقتصاد المصرى
وتتماشى توقعات وافتراضات الحكومة مع توقعات مؤسسة "موديز "للتصنيف الائتمانى التى تتنبأ بنمو الاقتصاد المصرى بمعدل 5% فى العام المالى 2015-2016، متوقعة أن تعزز الاستثمارات الخاصة والعامة النمو الاقتصادى فى مصر خلال 12-18 شهرا المقبلة.
كما توقعت الوكالة فى تقرير حول الأوضاع الاقتصادية والمالية فى مصر صدر نوفمبر الماضى، أن يقدم مشروع قناة السويس الجديدة إسهامات ائتمانية إيجابية لعوائد مصر المالية وميزان المدفوعات على المدى المتوسط. وأضافت "موديز" فى تقريرها الذى حصلت "انفراد" على نسخة منه أن الإصلاحات الاقتصادية ساهمت فى تحسين الأوضاع المالية والاقتصادية فى مصر، لكنها أكدت أن الاحتياجات التمويلية لا تزال تمثل تحديا كبيرا.
لكن توقعات صندوق النقد الدولى تبدو أقل تفاؤلا من الحكومة المصرية، إذ توقع الصندوق فى تقريره حول مستجدات آفاق الاقتصاد العالمى، الذى صدر مطلع أكتوبر الماضى أى قبل حادث الطائرة الروسية، نمو الاقتصاد المصرى بمعدل 4.3% خلال العام المالى الحالى، مؤكدا أن خطط استقرار أداء الاقتصاد الكلى والإصلاحات الهيكلية واسعة النطاق من شأنها زيادة الثقة فى الاقتصاد المصرى.
تأثير متغيرات الاقتصاد العالمى على مصر
هانى توفيق، المحلل المالى ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للاستثمار المباشر، يرى أن ما هو أكثر أهمية من توقعات النمو هو أن تعكس التقديرات الحكومية فى إعداد الموازنات والخطط المستقبلية المتغيرات الاقتصادية فى الدول التى ترتبط بها مصر بعلاقات تجارية واقتصادية، مثل تباطؤ الاقتصاد الأوروبى والصينى وتأثير ذلك على الصادرات المصرية، وتراجع حوالات المصريين من دول الخليج بسبب أزمة انخفاض أسعار النفط.
أيضا يجب أن تضع التوقعات الرسمية فى اعتبارها بنود المساعدات والمنح فى ظل أزمة النفط التى تمر بها دول الخليج المصدرة للنفط والتى تواجه عجزا فى موازناتها حاليا.
وتابع: إذا لم تراعى تلك المتغيرات الاقتصادية فى إعداد الموازنات والخطط الاقتصادية تصبح توقعات النمو "أرقاما حالمة ..لا تعبر عن الواقع ..ومن الصعب تحقيقها".
وطالب توفيق الحكومة بالإفصاح بشفافية عن تدابير سد عجز الموازنة، مضيفا الزيادة الكبيرة فى المعروض النقد ، ترجح أن الدولة تتوسع فى طباعة البنكنوت وهو ما يتسبب فى ارتفاع معدلات التضخم بطريقة قد يصعب السيطرة عليها مستقبلا.
طفرة نمو فى قطاعات أخرى تعوض خسائر السياحة
على الجانب الآخر، أوضح الدكتور فخرى الفقى المستشار السابق بصندوق النقد الدولى، أن الخدمات قطاع متنوع يشمل الخدمات الصحية، والتعليم، والنقل، وقناة السويس والخدمات الحكومية والسياحة والفنادق والمطاعم، و شكل ما يقرب من 60% من إجمالى الناتج المحلى المصرى، مستبعدا تراجع معدلات النمو الاقتصادى عن التقديرات الرسمية للعام المالى الحالى بسبب أزمة السياحة.
وأوضح الفقى أن مساهمة قطاع الخدمات فى إجمالى الناتج المحلى يقاس بناء على القيمة المضافة أن يقدمها، وتتمثل فى أجور ورواتب العاملين به، لذلك استبعد أن يؤثر تراجع إيرادات السياحة على مساهمة القطاع فى إجمالى الناتج المحلى.
وعلى الجانب الآخر، توقع الفقى أن يحقق القطاع السلعى والذى يشمل قطاعات الزراعة والصناعة والكهرباء والإنشاءات نموا كبيرا خلال العام المالى الحالى، مدعوما بالطفرة المتوقعة فى الزراعة والتصنيع الزراعى بفضل مشروع المليون ونصف مليون فدان والتى بدأت باستصلاح 10 آلاف فدان فى الفرافرة، والإعلان عن حل مشكلات ما يزيد عن 300 مصنع متعثر من إجمالى 1200 مصنعا، فضلا عن الخطة العاجلة لزيادة إنتاجية الكهرباء بإضافة 3 جيجا وات إلى 25 حاليا، فضلا عن خطة سيمنز الألمانية لإنشاء 3 محطات لتوليد الكهرباء لإضافة 14 جيجا وات إلى 28 حاليا، وهو ما يزيد معدلات إنتاج الكهرباء بنسبة 50%.