سؤال لا يجد إجابة قاطعة، وإن وجد تكون الردود ليست مقنعة بشكل كافٍ.. لماذا أهملت الحكومة أو تجاهلت المشروع القومى لتنمية سيناء والذى كان المقرر الانتهاء منه العام المقبل؟
كان من المنتظر أن يكون العام المقبل هو عام الازدهار والرخاء فى سيناء وتحويلها لهونج كونج الشرق، وقبلة الاستثمار العالمى، لكن على الأرض الحقائق مرة، والإهمال والتجاهل أكثر مرارة.
فى 13 أكتوبر 1994 أقر مجلس الوزراء استراتيجية شاملة لتنمية سيناء، وأصبح المشروع أحد مشروعات خطة التنمية الشاملة.
وفى سبتمبر 2000 تم إعادة رسم استراتيجية التنمية الشاملة لسيناء؛ لتضم محافظات القناة. وبلغت التكلفة الاستثمارية الجديدة 110.6 مليار جنيه حتى عام 2017، منها 64 مليار جنيه لشمال سيناء و46.6 مليار جنيه لجنوب سيناء، وكان يهدف المشروع لتوطين 3 ملاين مواطن فى سيناء.
وفى 2006 أقرت الحكومة الإسراع بتنفيذ الخطة الشاملة لتنمية سيناء، التى تتضمن مشروعات عديدة فى مجالات البنية الأساسية والخدمات، وقيام وزارة الصناعة بإنشاء هيئة خاصة للتنمية الصناعية بسيناء تتولى إنشاء 7 مصانع جديدة، بالإضافة إلى قيام وزارة البترول بإنشاء شركة قابضة لتنمية الثروة البترولية والمعدنية فى سيناء، وقيام وزارتى الرى والزراعة باستصلاح 400 ألف فدان جديدة بشمال سيناء، وزيادة فرص توطين الخريجين.
والنتيجة عام 2016 ما يزال المشروع فكرة وعدد سكان سيناء فى تناقص وليس فى تزايد، ومشروعات التنمية لم تكتمل وتوقفت فى منتصف الطريق؛ لا قطار سيناء اكتمل ولا ترعة السلام وصلت للوسط ولا تم إنشاء مشروعات عملاقة تنسف البطالة بعد إنفاق أكثر من 15 مليار جنيه عليها.
الجهاز الوطنى للتنمية حبر على ورق
أيضًا تم إنشاء الجهاز الوطنى لتنمية سيناء، والذى يعتبر حبرًا على ورق منذ تم إصدار المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2012 والتنمية فى تدهور، ولم يتم إنشاء شركات تقود التنمية، وتحول الجهاز إلى مجرد جهاز معلومات فقط، يكلف ميزانية الحكومة أكثر من 15 مليون جنيه سنويًا دون جدوى منه.
الجهاز الوطنى بات بمثابة "الكابوس" لأبناء سيناء ومصدر التعقيد والحرمان من الحقوق القانونية والدستورية، ويحتاج إلى إعادة نظر أو تحويل الموظفين فيه للعمل بمحافظة شمال سيناء توفيرًا للنفقات.
والتنمية فى سيناء تعانى من عدة عقبات؛ أبرزها معديات قناة السويس بداية من معديات بورسعيد وشرق التفريعة مرورًا بمعديات القنطرة، ثم الفردان ونمرة 6 وسرابيوم، ولكى يتم تجاوز العقبة التى تتمثل فى انتظار السيارات بالخمسة أيام للعبور لابد من إنشاء عددٍ كافٍ من الأرصفة المخصصة لسيارات النقل الثقيل لتقل فترة العبور من 5 أيام إلى عدة ساعات فقط، ومقابل رسوم محدودة.
إن السيارات تنتظر يوميًا على معديات القنطرة من الاتجاهين بطول 3 أو 4 كيلو مترات انتظارًا للعبور، ولا تحمل المعدية فى كل مرة إلا شاحنة واحدة، وبالتالى يحدث التكدس، والحل فى بناء 3 أرصفة جديدة للمعديات وتخصص لسيارات النقل بما يساهم فى الحركة والتنمية.
مشاكل المعديات وانتظار السيارات بالأيام
الأمر الثانى المعرقل للتنمية توقف المشروعات العملاقة، وعدم تقنين أوضاع واضعى اليد أو حتى بيع الأراضى فى مزادات بدلاً من قيام شركات زراعية بشراء الأرض من واضعى اليد، الفدان بألف جنيه ثم تقنن أوضاعها وتبيع الفدان بأكثر من 80 ألف جنيه دون استفادة الدولة.
ولابد من تحديد سعر للفدان حتى لواضعى اليد، بما يضمن إدخال حصيلة للدولة، خاصة أن هناك نحو 500 ألف فدان معدة للزراعة فى نطاق ترعة السلام.
الأمر الثالث هو ضعف مساهمة القطاع الخاص فى التنمية، حيث لم يحقق القطاع الخاص إلا أقل من 1% من المستهدف من استثمارات التنمية، ولابد من تقديم حوافز كافية للاستثمار فى سيناء تجعلها قبلة فعلية لرجال الأعمال، خاصة مناطق الوسط المهملة رغم ثرواتها.
الأمر الرابع: أدى تجاهل التنمية إلى خلق حالة من الفراغ، ولدت الإرهاب والفكر المتطرف الذى بات الآن عقبة كبيرة فى طريق التنمية.
الأمر الخامس يتعلق بالفشل فى تسويق سيناء فهناك 220 كيلومترًا على سواحل البحر الأبيض المتوسط غير مستغلة، وهناك أراضٍ جاهزة لمشروعات زراعة الأعشاب الطبية مهملة، وهناك ثروات محجرية وتعديدية هائلة ما تزال غير مستغلة.
هذا دون أن نغفل أن سيناء بحاجة إلى ضخ مبلغ 10 مليارات جنيه سبق وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى عن تخصيصها لسيناء الفترة المقبلة للقضاء على البطالة، وبالتالى عدم ترك الشباب فريسة للإرهاب وللأفكار المتطرفة.
دعم شركة مصر سيناء
والواقع أن سيناء تحتاج أيضًا إلى دعم حكومى كامل لشركة مصر سيناء للاستثمار والتنمية التى تقود التنمية حاليًا، وتسعى لبناء 5 مصانع ملح و10 مصانع رخام لتوفير نحو 12 ألف فرصة عمل الفترة المقبلة، بالتنسيق مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية من خلال دعمها ماليًا، وأيضًا الإسراع بمشروعات مصانع الرخام والملح وفتح كوبرى السلام للسيارات، والانتهاء سريعًا من بناء عدة أرصفة جديدة للمعديات بما يسهل الحركة.
كذلك لابد أن تعلن الحكومة عن تفصيل الشركة الجديدة لتنمية سيناء، ومتى ستبدأ وهل ستمارس نفس دور شركة مصر سيناء، خاصة أن المهم هو تنفيذ المشروعات بدون النظر عن المسميات .
أيضًا لابد للحكومة أن تضع استراتيجية لتوطين ملاين المواطنين فى وسط سيناء، عبر بناء مصانع عملاقة ومجتمعات سكنية وعمرانية متكاملة ومد خط مياه من الإسماعيلية لوسط سيناء، مرورًا بمنطقة الجفجافة، سواء مياه رى أو مياه شرب بما يساهم فى دعم التنمية.
بناء 20 مصنعًا ونشر الصناعات المتوسطة
وحتى تنجح الحكومة فى تنمية سيناء، فإنها بحاجة إلى بناء نحو 20 مصنعًا عملاقًا توفر ما بين 20 إلى 50 ألف فرصة عمل فى مناطق وسط سيناء وشمال سيناء، مع زراعة نحو مليون فدان، والتوسع فى صناعات البتروكيماويات بالقرب من ملاحات البردويل وشرق التفريعة، ونشر مصانع للصناعات الصغيرة والمتوسطة فى المناطق الصناعية بالمساعيد وبئر العبد، وأيضًا فى منطقة الصناعات الثقيلة بوسط سيناء مع بناء مجتمعات عمرانية كبيرة ومتكاملة تساهم فى الاستقرار، يضاف لذلك بسط السيطرة الأمنية على كل شبر من المحافظة، وتطوير ميناء العريش ليكون من الموانئ التجارية العملاقة المساعدة لتصدير الرخام والأسمنت، وأيضًا بحث استغلال منجم فحم المغارة بعد ارتفاع قيمة الفحم عالميًا.
آلية جديدة لمعبر رفح
ولابد أن يعاد النظر فى آلية فتح معبر رفح لإدخال مواد الخام ومواد البناء المصرية لغزة، بما يدعم الاقتصاد، ويوفر آلاف فرص العمل لأبناء سيناء من خلال عملات الشحن والنقل والتعبئة، وعدم ترك إسرائيل تهمين على قطاع غزة اقتصاديًا بما يضر بمصلحة مصر.