كان حسن البنا، المرشد العام لجماعة الإخوان فى زيارة إلى قرية «ميت خاقان» مركز شبين الكوم، محافظة المنوفية، وأثناء تناوله طعام الغداء كان يجلس معه على نفس المائدة مأمور مركز الشرطة، فهمس فى أذنه: «الحكومة برئاسة مصطفى النحاس باشا أصدرت قرارا جديدا بإغلاق جميع شعب الإخوان فى كل الأقاليم، ما عدا المركز العام فى القاهرة، فقطع «البنا» زيارته وعاد إلى القاهرة لاستطلاع الأمر، وفقا لتأكيد «فرج النجار» «1924-2009» فى «ويكيبديا جماعة الإخوان» «إلكترونية»، وهو من قدامى قيادات الجماعة وعضو تنظيمها الخاص، ومن «ميت خاقان» القرية التى كان فيها «البنا» وقت تلقيه خبر إغلاق «شعب الإخوان»، وكان ذلك فى فبراير 1943، وحسب أحمد عز الدين فى دراسته وتقديمه لمذكرات «مصطفى النحاس» عن «دار العصور الجديدة - القاهرة»، فإن النحاس أقدم على هذه الخطوة، لانتقاد الفروع لحكومته بعيدا عن قبضة المركز».
وبعد نحو ثلاثة أشهر وفى خطوة مفاجئة قرر «النحاس باشا» إلغاء قراره يوم 8 مايو «مثل هذا اليوم عام 1943»، وسمح للإخوان فى المحافظات بممارسة نشاطهم، وبين «المنع» و«العودة» دارت قصة التباعد والتقارب بين «الجماعة» بقيادة حسن البنا والحكومة الوفدية برئاسة «النحاس التى بدأت عهدها فى 6 فبراير 1942.
«يعتبر فرج النجار قرار الغلق نتيجة، ضغوط قوى الاستعمار على الجماعة»، فى حين يضعها آخرون فى قلب المعركة بين النحاس باشا، ومكرم عبيد باشا بعد قيام «عبيد» بإصدار «الكتاب الأسود»، وحسب الدكتور مصطفى الفقى فى كتابه «الأقباط فى السياسة المصرية» عن «دار الهلال - القاهرة»: «كان صورة عريضة إلى الملك ويحتوى على عدة فصول عن أنواع مختلفة من الفاسد والمحسوبية، وصدرت النسخة الكاملة من «الكتاب الأسود» يوم 29 مارس 1943 فى حوالى 500 صفحة، وكان عنوانه الرسمى «الكتاب الأسود فى العهد الأسود».
احتوى «الكتاب الأسود» على اتهامات للنحاس وحكومته بالفساد،ورد «النحاس» عليها وقام بتفنيدها تحت قبة مجلس النواب، وشهدت هذه الأزمة فصل «عبيد»، من حزب الوفد ثم فصله من مجلس النواب يوم 11 يونية 1943 ثم اعتقاله، وتأثرت شعبية حزب الوفد، وحسب «عز الدين»: «اشتد القلق بالحكومة البريطانية بسبب تدهور شعبية الوفد، وساد لديها انطباع غريب بأن المناخ السياسى يمكن أن يخلق من جديد حالة شبيهة بمقدمات ثورة 1919، وفى منتصف عام 1943 كانت استطلاعات السفارة البريطانية فى القاهرة تؤكد انخفاض شعبية الوفد خاصة بين المتعلمين، أما الطبقات العليا والجيش والبوليس والموظفون فقد أصبحوا يعادون الوفد بدرجة كبيرة، وأرسلت الحكومة البريطانية نصائحها إلى النحاس لإعادة جمع قاعدته الشعبية التى تتبدد، فأقدم يوم 8 مايو 1943 بعد اتساع دوائر تأثير الكتاب الأسود على إلغاء الحظر الذى كان قد فرضه على اجتماعات جماعة الإخوان خارج القاهرة، وكان سبب إقامته انتقاده لفروع حكومته بعيدا عن انتقاد الحكومة وحزبها علانية، بل أنه زاد على ذلك بأن صرح بأن الكتاب الأسود هو وثيقة خادعة لا يجب تصديق أكاذيبها»، وبعد أسبوع واحد حضر يوم 16 مايو أربعة وزارء وفديين اجتماعا كبيرا للإخوان فى القاهرة».
ووفقا للدكتور «حمادة حسنى»: «فى 15 إبريل 1943 علق البنا بطريقة غير مباشرة على ما جاء فى الكتاب الأسود» قائلا: نظام الحكم فى مصر كله عفن، ويحتاج إلى إعادة تنظيم شامل يلعب فيه الإخوان دورا بارزا ،ويصل «حسنى» من هذا التصريح إلى نتيجة هى: «يخشى النحاس أن يتضامن البنا مع مكرم عبيد، ويسعى إلى الحصول على تأييد الإخوان والتحالف معهم، فألغى قرار «حظر شعب الجماعة»، وسمح للإخوان فى 8 مايو 1943 بعقد مؤتمراتهم، ويؤكد حسنى: «وجه البنا دعوة للحكومة الوفدية لزيارة مركزهم العام فلبى الدعوة فؤاد سراج الدين وزير الزراعة، وعدد من الوزراء وهم محمود سليمان غنام ومحمد صلاد الدين سكرتير عام مجلس الوزراء، ووزير الخارجية فى وزارة الوفد التالية، وبعض النواب والشيوخ وكان فى استقبالهم المرشد العام، وأحمد السكرى وكيل الجماعة، واستقبل الحاضرون كل وزير بالهتاف والتكبير: «الله أكبر، ولله الحمد»، وألقى البنا خطبة ترحيب تتضمن أهداف ومبادئ دعوة الإخوان، وخطب بعده وزراء الزراعة والتموين والتجارة، ومما قاله «سراج الدين» فى خطابه: «دخلت الإخوان» يقصد مركز الجماعة»، وزيرا وخرجت منها جنديا لخدمة مبادئ الإسلام».. «انفراد - 8 يناير 2009».
ويرى «عز الدين» قرار إلغاء الحظر على شعب الإخوان بوصفه: «تأكيدا على الازدواجية فى العلاقة بين الحكومة المصرية وجماعة الإخوان، وازدواجية مدرسة الليبرالية المصرية فى موقفها من الجماعات السلفية عموما».