كانت الساعة الخامسة مساء يوم الأحد 16 مايو «مثل هذا اليوم 1971» حين توجه عميد وضابط من مباحث أمن الدولة إلى منزل الفريق أول محمد فوزى، ودعوه إلى التوجه معهم إلى سجن أبو زعبل، وذلك بعد مضى أقل من 72 ساعة على استقالته من منصبه وزيرا للحربية، ضمن استقالات تقدم بها وزراء ومسؤولون للرئيس السادات مساء 13 مايو «راجع - ذات يوم 13 مايو 2018».
جاء اعتقال «فوزى» بعد أن أتم مهمته بإعادة بناء القوات المسلحة بعد نكسة 5 يونيو 1967 استعدادا لمعركة تحرير سيناء، منذ أن اختاره جمال عبدالناصر قائدا عاما لها يوم 11 يونيو 1967، وفى خلال هذه الفترة قاد حرب الاستنزاف ضد إسرائيل التى مهدت انتصاراتها الباهرة لانتصارات 6 أكتوبر 1973 «حرب الثلاث سنوات 1967 - 1970 - محمد فوزى - دار المستقبل العربى - القاهرة».
يروى «فوزى» وقائع اعتقاله للكاتب الصحفى عبدالله إمام فى كتاب «انقلاب السادات - أحداث مايو 1971» عن «دار الخيال - القاهرة»: «فى الساعة الثانية صباحا يوم 14 مايو 1971 استيقظت على دقات الجرس ففتحت باب منزلى، فوجدت ضابطا من الحرس الجمهورى قال لى: «أنا متأسف يافندم صدر قرار رئيس الجمهورية بتحديد إقامة سيادتك فى منزلك، ولن يحدث شىء سوى تغيير الحرس القديم بحرس من طرفى، وأنا باق خارج المنزل إذا أردت منى أى شىء»، يؤكد فوزى: «شكرته، واستأنفت نومى فى هذه الليلة».
وفى يوم 16 مايو تم القبض عليه، وترحيله إلى سجن أبو زعبل، ويتذكر: «وجدت الزملاء، على صبرى، ضياء الدين داود، الدكتور لبيب شقير، عبدالمحسن أبوالنور، شعراوى جمعة، حلمى السعيد، سامى شرف، سعد زايد، محمد فائق، ثم حضر الزميل أمين هويدى وكانت مفاجأة لى إذ إنه لم يكن شريكا فى الحكم منذ فترة، فقدرت أن الاعتقال لا يقتصر على الخلاف السياسى بين الرئيس ورجال الحكم، إنما هو انقلاب واسع يهدف إلى الإطاحة برجال الرئيس عبدالناصر ومبادئه وعهده أيضا».
يكشف فوزى ما حدث فى تفتيش منزله: «حضرت لجنة من نيابة أمن الدولة، وأجروا تفتيشا دقيقا لمنزلى بحثا عن مستندات تهم القضية، وكسروا أدراج مكتبى، كما فتشوا جميع غرف المنزل حتى غرفة نوم زوجتى وغرف نوم أولادى الصغار وهم نيام، وكانت حصيلة التفتيش الدقيق استيلاء اللجنة على أشرطة أطفال، وألعاب روسية 8 ملم ظنوا أنها أشرطة مسجلة، وحوالى مائة دولار بواقى بدل سفر، واطلع رئيس اللجنة «وكيل نيابة» على خطابات ومستندات شخصية، وصور عائلية، وأخذ منها ما يروق له، وسأل زوجتى عن ممتلكاتى وعن مصاغها وعن البنوك التى أتعامل معها وعن الأرض التى أمتلكها فى محافظة المنوفية، ولاحظت زوجتى أن جميع أعضاء اللجنة عدا رئيسها كانوا خجلين للموقف، وأصابهم الاشمئزاز مع العطف، خاصة عندما اقتحم رئيس اللجنة غرفة نوم أولادى».
يضيف فوزى: «توجهت اللجنة فى الصباح إلى البنك الأهلى فرع مصر، وأمرت بفتح خزينة كانت مخصصة باسم زوجتى وأخذوا منها مستند مديونية على، وكذا مستندات عقارية وشرعية، ولم يجدوا أى مصاغ لزوجتى أو أوراق مالية، كما اطلعوا على حسابى فى نفس البنك وعلموا أنه قاصر على مبلغ 702 جنيه و130 مليما فقط، وعندما توجهت زوجتى إلى البنك بعد يومين وفتحت الخزينة وجدتها غير منظمة، واكتشفت نقص المستندات الشخصية، لكن أمين خزائن البنك أنكر فتحها بمعرفة أحد، ثم توجهت اللجنة إلى الإسكندرية، حيث كسرت باب منزلى المؤجر، وأجرت التفتيش والبحث ولم تجد شيئا، ولاحظت زوجتى أن وكيل النيابة أثناء التفتيش والبحث كان يقرأ مذكرة مدونة بمعرفة المباحث العامة موجود بها معلومات شخصية عن ممتلكاتى مملوءة بالمبالغات لا يصدقها عقل».
يؤكد فوزى: «جاء دور لجنة إقامة الحراسة عقب لجنة نيابة أمن الدولة، وأخذت نصيبها الكافى من مضايقة زوجتى وأخى عندما أرادت أن تقيم بالثمن كل صغيرة وكبيرة فى منزلى، وكان التعمد فى المبالغة أثناء الحصر والتقييم المالى واضحا. كان من المضحك أن تتمكن زوجتى من إحضار فاتورة تكاليف عفشها محليا منذ عام 1949، وثمنه ثلاثمائة جنيه مصرى فى ذلك الوقت، بينما تقدير اللجنة زاد على ثمانية آلاف وأربعمائة جنيه، كما أثبتت اللجنة مديونيتى فى ذلك الوقت بمبلغ ستة آلاف وسبعمائة جنيه، وأننى مستبدل من المعاش اثنى عشر جنيها تخصم من مرتبى الشهرى، وانتهت اللجنة فى قرارها بوضع المنزل ومحتوياته وزوجتى وأولادى تحت الحراسة، وأيدت المحكمة الحراسة القضائية يوم 2 أكتوبر، علما أن المنزل مرهون لدى البنك العقارى المصرى بمبلغ 1280 جنيها و359 مليما سلفة عقارية».