شاءت الأقدار أن يتحول إلى يتيم الأب وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره ليكون مسؤولا من شقيقه الأكبر الذى لحق بوالده بعد 5 سنوات، ليجد نفسه وهو يخطو خطواته الأولى نحو الحادية عشرة من عمره، عائلاً لأسرته المكونة من أمه وشقيقتين، فاضطر لعدم استكمال دراسته، ويجد أهل قريته «محلة مرحوم» بالغربية، يقفون على قلب رجل واحد إلى جواره ويلقبونه بالشيخ.
بدأ أهالى القرية يدعون الشيخ الصغير إلى مناسباتهم ليقرأ لهم ما تيسر من القرآن الكريم، لمساعدته على إعالة أسرته، غير أن هذا الطفل أبى إلا أن يكون أحد أعلام قريته بل إنه تجاوز حدودها فأصبح أحد أعلام المحافظة وهو فى سن صغيرة، فقرأ مع كبار القراء أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ محمود على البنا، إلا أن طموحه أكبر من ذلك فأراد لنفسه أن يكون متفردًا بفن آخر يتميز به عن غيره وهو الإنشاد الدينى، حتى برع فيه.
فى سلسلة حوارات «المداحون»، اتفقنا مع الشيخ عبدالرحيم دويدار، على لقائه فى مسجد الحسين، عقب صلاة المغرب، حيث كانت الإذاعة تحتفل بذكرى مولد الإمام الحسين، دخلت المسجد على صوت الشيخ وهو ينشد قصيدة كلماتها: «مدد يا مولانا ياحسين.. مدد يا أبو زين العابدين مدد مدد.. ».
بعد انتهاء الشيخ من ابتهالاته انتقلنا لمكتب إمام المسجد لإجراء الحوار، بدأ الشيخ الحوار بالحديث عن القصيدة التى انتهى منها منذ قليل، حيث قال: «هذه كلماتى وألحانى، منذ أكثر من 30 سنة وهى لون من ألوان الشعر الشعبى القريب من الفصحى كما أن كلماتها تشرح نفسها، وأنا اعتدت فى موالد آل البيت، أن أقول الشعر الشعبى بعد ابتهالات الإذاعة والتى تكون بالفصحى، وللأسف هناك منشدون مصريون وسوريون يرددون هذه القصيدة الخاصة بى وغيرها، دون حتى الإشارة إلى حقى الأدبى فى تأليفها وتلحينا، وللعلم سوف أتخذ ضدهم إجراء قضائيا قريبًا».
بمناسبة قصيدتك هذه.. البعض يكفر من يقول «مدد يا حسين ومدد يا رسول الله» كيف ترد عليه؟
الله سبحانه وتعالى يقول: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا»، فالآية واضحة فى أن الله تعالى يرشد المذنبين بأن يأتوا رسول الله فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، وبالنسبة لآل البيت، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «حُسَيْنٌ مِنِّى وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا»، ونسب آل البيت موصول بالرسول.
نعلم أنك لم تكمل تعليمك وأنك اتجهت مبكرا لدولة التلاوة ثم الابتهال.. حدثنا عن هذه الفترة؟
فى عام 1947 كنت فى العاشرة والنصف من عمرى، توفى شقيقى الأكبر وكان عائل الأسرة وكان قارئًا للقرآن، وقد سبقه أبى بـ5 سنوات وكان أيضا من علماء القراءات وقارئًا للقرآن الكريم، وكنت أنا قد حصلت على الشهادة الأولية الراقية، أهل القرية كلها وقفوا إلى جانبى وأطلقوا علىّ لقب شيخ وبدأوا يدعوننى فى مناسباتهم لأتلو القرآن الكريم، كى أنفق من أجره على أسرتى، كما أن قراء البلدة تسابقوا لتحفيظى القرآن الكريم، وحفظته كاملا تلاوة وتجويدًا فى عام واحد فقط، وقرأت مع مشاهير القراء فى هذا العصر، واتجهت لتثقيف نفسى من خلال اقتناء القراءة حتى أصبحت أقتنى مكتبة كبرى فى منزلى، ومن خلال ذلك أقتبس من القصص الدينى مثلا أشعارًا أنظمها وألحنها بنفسى.
بمناسبة الشعر.. بمن تتأثر من الشعراء؟
أقرأ لكل الشعراء، غير أننى أتأثر أكثر بأحمد شوقى، وأنا فى اختيارى للابتهالات أختارها بلسان وعقل الشاعر، وأحيانا أنظم ابتهالا من تأليفى.
ولماذا تركت طريق التلاوة واتجهت للإنشاد والابتهالات؟
اتجهت للإنشاد بسبب واحد وهو أنه كان لدى طموح أن أكون مميزًا، وكانت البلد بها قُرّاء قرآن كريم كثيرون جدًا، وأنا كنت بدأت أتساوى بهم، فانشققت عنهم واتجهت للإنشاد الدينى.
وبمن تأثرت فى الإنشاد الدينى؟
أنا عملت كبطانة مع منشدين ومبتهلين كبار، ومن هنا تعلمت المقامات، حتى أن البعض يظن أننى دارس مقامات لكننى اكتسبتها بالخبرة، وتأثرت بكل المبتهلين والمنشدين الكبار.
ومتى تم اعتمادك فى الإذاعة مبتهلا؟
قبل أن أحدثك عن اعتمادى هناك قصة يجب سردها، وهى أننى فى أوائل عام 1965 التقيت الإعلامى طاهر أبو زيد، وكان وقتها يقدم برنامجا تليفزيونيا كل جمعة اسمه «جرب حظك»، وبعد جلسة استمرت حوالى 4 ساعات، طلب منى أن أظهر معه فى حلقتين شهريًا، وانتهزت فرصة البرنامج وقدمت نفسى فى صورة نشيد فقلت: «مداح جمال طه المختار.. عبدالرحيم دويدار.. بقول كلام كله معانى.. بلدى اسمها محلة مرحوم.. »، وضحك طاهر أبو زيد قائلاً: «الشيخ عبدالرحيم بيستغل البرنامج بس دمه خفيف»، بعدها انهالت علىّ الدعوات إلى أن جاء عام 1982 حيث تم اعتمادى مبتهلا بإذاعة وسط الدلتا.
أتصور أن حظك كان أوفر كونك حافظًا للقرآن ومبتهلا فى آن واحد؟
من الواجب أن يكون المبتهل حافظًا للقرآن الكريم ولو حتى جزءا بسيطا، لكن للأسف أغلب المبتهلين الآن لا يحفظون القرآن الكريم.
البعض يرى أن فرق الإنشاد السورية يسحبون البساط من تحت أقدام المصريين؟
فى البداية أنا أعتب على الفرق السورية، لأن لهم فنا أصيلا، ونحن نحتاج لسماع فنهم، فلماذا يتركون فنهم هذا ويخطفون الفن المصرى، ولا أتصور أنهم يسحبون البساط من تحت أقدام المصريين فكيف ذلك وهم يعيشون بفن وكلمات وألحان المصريين؟!
رسالة للمنشدين والمبتهلين المصريين!
رسالتى للمبتهلين والمنشدين: «أين إبداعاتكم؟»، فالمبتهل فنان بطبيعته فالفنان يجب أن يبدع، فيجب على المبتهل أو المنشد أن يتميز بالإبداع.
حدثنا عن طموحك ورسالتك فى الإنشاد الدينى؟
رسالتى أن الإنشاد إرشاد، فأنا أقدم إنشادًا به رسالة، بمعنى أن يخرج المستمع من الجلسة بمعلومة دينية يستفيد منها، مثل مثلا سرد قصص قرآنى، ومنذ بدأت الإنشاد والابتهال وطموحى لم يتوقف عند أى حد، فقد سافرت دولا كثيرة، لكن طموحى الآن هو أن يختم الله حياتى وأنا حافظ وقارئ لقرآنه، وأنا الآن أعكف على القرآن الكريم، وأختمه كل 10 أيام.