كانت قد دقت الثامنة من مساء يوم 2 رمضان الجارى، عندما هاجم شاب سيارة ملاكى يستقلها آخر فى إحدى قرى مركز أبوتيج التابع لمحافظة أسيوط، وأمطره بـ 60 طلقة من بندقية آلية أنهت حياته فى الحال وأحدثت أضرارا بشعة فى السيارة.
ترى ما السبب؟
السبب يرجع لخصومة ثأرية نشبت بين عائلتى القاتل والقتيل عام 1952، أى بعد 66 سنة بالتمام والكمال، والجانى هنا قتل المجنى عليه ليس ثأرا لأخيه أو أبيه أو جده وإنما ثأرا لجد أبيه.
هل حدث ذلك دون مقدمات؟
لم تقع الجريمة دون إنذار، فقد نشب خلاف بسيط بين العائلتين بحكم جيرتهما فى الأرض الزراعية وبعدها أعلن الشاب رغبته فى الثأر لجد أبيه، وعندما علم رجال المباحث استدعوا الطرفين فأنكر الطرف المتهم رغبته فى الثأر ورغم أن الشواهد والتحريات جميعها كانت تؤكد أن الجريمة قادمة لا محالة، ومع ذلك وقف رئيس المباحث عبد الغفار الناحل، عاجزا إلا من اتخاذ الإجراءات القانونية.
والإجراءات القانونية تلخصت فى تحرير محضر وإحالة الطرفين للنيابة التى أخلت سبيلهما بضمان محل الإقامة، حيث لا جريمة وقعت ولا أسلحة ضبطت ولا شئ يستحق الاحتجاز وحتى لو وجد ذلك فأقصى مدة حبس متوقعة فى مثل هذه الحالة لن تتجاوز 4 أيام.
القانون هنا وقف عاجزا لأنه يتعامل بأدلة دامغة وقرائن ثابتة وجريمة واقعة ومن ثم سقط شاب قتيل وينتظر السجن الآخر.
ما الحل؟
الحل يكمن فى تمكين رجل المباحث من اتخاذ إجراءات عرفية تستند للقوة وتستهدف وأد الصراعات فى مهدها وحماية الأرواح والممتلكات، تصور مثلا أن خلافا نشب بين شخصين أحدهما يتسم بالقوة والعزوة وامتلاك الأسلحة والتاريخ الإجرامى، وهذا المتجبر استدعاه رئيس المباحث أو ألقى القبض عليه بعد استئذان النيابة وطلب منه تسليم أسلحته أو عدم الاعتداء على الآخر والتوقف عن ممارسة البلطجة، فإذا رفض لا يملك رجل المباحث هنا سوى تحرير محضر وإحالته للنيابة التى ستخلى سبيله لعدم ثبوت إدانته وهنا نتوقع الكارثة حيث يخرج هذا الشخص ويواصل البلطجة ويقتل ليتم القبض عليه ومحاسبته قانونا.
صحيح القاتل هنا سيحاسب قانونا لكن ماذا يفيد القتيل وعائلته؟، ناهيك عن أن هذا الحادث تحول لخصومة ثأرية تستمر عقودا وتحصد أرواحا كثيرة فتخلف أرامل وأيتام وآباء وأمهات يتوجعون من ألم الفراق وتسود الفوضى ويتأثر السلم الاجتماعى سلبا وغير ذلك الكثير والكثير من الأضرار.
اللواء أسعد الذكير، مدير المباحث بمديرية أمن أسيوط، قال إن رجاله فى الأقسام والمراكز يعقدون الجلسات العرفية فى مكاتبهم وبإشرافهم على كبار العائلات ولا يألون جهدا فى حل الصراعات القبلية والعائلية لكنهم محكومون بالقانون الذى يجبرهم على إحالة المتصارعين للنيابة كإجراء أخير حال فشلهم فى إقناع المتنازعين على الجنوح للسلم ووأد الصراعات قبل تفاقمها.
ما قاله اللواء أسعد الذكير، يتفق مع كثيرون جملة وتفصيلا غير أن حلما يراود البعض فى تمكين رجال المباحث من إجبار البلطجية على العودة للطريق الصحيح وهنا وبلا مواربة يجب على القائمين على الجهاز الأمنى بتطبيق قانون الطوارئ على الجرائم الجنائية خاصة فى الصعيد واعتقال من لا يجنحون للسلم لأن فى ذلك حماية للأرواح والأملاك وفيه أيضا استقرار للمجتمع.
الاعتقال كان أداة حاسمة قبل ثورة يناير 2011 فى تهدئة الصراعات الثأرية بصعيد مصر، فلم يصدر قرار اعتقال واحد إلا لمن يستحق فعلا بل وبعد محاولات متعددة لإعادته إلى الطريق السليم.
المطلع على العقلية الصعيدية يدرك تماما إن إجراءات قوية وحاسمة مهما بلغت شدتها أمر فى غاية الهمية لحماية المواطنين وتقليل سفك الدماء ووأد الصراعات الثأرية ومنع تجدد الخصومات.
"الاعتقال" وتمكين ضابط المباحث من كسر شوكة البلطجية هو الحل، وليس فى مصلحتنا أن يكون الضابط مهزوزا خائفا من شكوى هنا أو هناك.