ولد بإحدى بـ"سنيكية" إحدى قرى محافظة الشرقية بمصر فى عام 823هـ ، أزهرى شافعى المذهب، يعد أحد سادة، الفقهاء والمحدثين، جمع بين الشريعة والحقيقة، أحد سيوف الحق المنتضاة، اكتسب علمه من أكثر من 30 عالما سطروا أسمائهم بحروف من نور فى سجل التاريخ، وسلمه لأكثر من 30 عالما أيضا أناروا الكون بالعلم، إنه العلامة المصرى شيخ مشايخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين أبو يحيى الأنصاري السنيكى.
قصة التحاقه بالأزهر تثبت ما ورد بالقرآن الكريم فى قول الله تعالى "يؤتى الحكمة من يشاء"، حيث أن البعض يحكى أن أحد الصالحين ويدعى الشيخ الصالح ربيع بن عبد الله السلمي مر ذات يوم بمسقط رأس الشيخ زكريا، وخلال مروره استغاثت امرأة به وقالت له إن زوجها قد مات، وأحد الأشخاص قبض على نجلها يريده أن يعمل معه فى الفلاحة مكان أبيه، فقام بتخليصه منه، وقال للزوجة إن خلاصه فى أن يدرس بالجامع الأزهر، وتطوع بالإنفاق عليه، فوافقت على رحيل نجلها معه، وبالفعل تعلم الكثير، ووصل إلى ما وصل إليه من علم وورع لدرجة أنه ألف 42 مجلد، وروى أنه دعا لأعمى مرة، فأبصر.
من بين المواقف التى تدل على أن الأنصارى لم يكن يهب القادة، أن السلطان أمر الشيوخ بأن يعلنوا أن يوم الخميس سيكون أول أيام شهر شوال أى أول أيام عيد الفطر، سواء رأوا هلال الشهر الجديد أو لم يروه، حتى لا ياتى العيد يوم الجمعة لأنه كان هناك نذير شؤم على السلطان إذا أتى العيد يوم الجمعة.
"الأنصارى" لم يرض بما يرد أن يفعله السلطان، فصعد القاضى إلى القلعة، واجتمع به، وعرفه بأن العيد لا يكون إلا إذا رؤى الهلال، فغضب السلطان من القاضى وهم بعزله.
أيضا من بين المواقف التى أفتى وقضى فيها "الأنصارى"، وتحدى الحاكم بدهائه الشديد، حينما وقعت حادث زنا، واعترف الزانى بما فعل وكان أحد القضاة الأربعة الذين حكموا برجم الزانين، وتم تأجيل تنفيذ الحكم حتى خروج الحجاج من مصر، إلا أن الزانى تراجع عن اعترافه فأفتى العلماء بعدم تنفيذ الرجم الأمر الذى أغضب السلطان كثير، وأمر بعقد مجلس قضاء موسع وحينما سألهم فى الرجوع عن قرار الرجم أكدوا أن هذا رأى الشرع، وأقر "الأنصارى" بصحة رأى العلماء لكنه رمى الكرة فى ملعب الحاكم وقال إنه يمكن تنفيذ الرجم، معللا بأنه ولى الأمر، فرد عليه أحد الشيوخ بموافقته لكن بعدم مخالفة الشرع، ولو قام بقتل الزانين فيجب أن يؤدى دية القتل، فوجه السلطان السؤال لـ" الأنصارى " من جديد حول الواقعة فأقر كلام الشيخ فأعلن السلطان بعزلهم جميعا.
يقول الدكتور سيف رجب قزامل، أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون بطنطا، جامعة الأزهر السابق ،عضو المنظمة العالمية لخريجى الأزهر، فى تفنيده لحكم "الأنصارى" ، إن قراره صحيح حيث أنه استند إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قبل أو أثناء الرجم اذا تراجع الزانى عن الاعتراف بفعله فيصح تركه.
واستشهد" قزامل" بموقف الرسول حينما كان الصحابة يرجمون شخصا لارتكابه إثما، وبدأ يجرى أمامهم من شدة الرجم، فأمرهم الرسول أن يتوقفوا وأن يرتكوه فربما يتوب الله عليه.