قررت الإدارة تعطيل وابور طحن الغلال ومضرب الأرز المملوك للشيخ طلبة صقر، من أعيان قرية «الحصاينة»، مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، فأدى ذلك إلى سجن الكاتب الصحفى محمد التابعى يوم 22 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1933، حسبما يؤكد صبرى أبوالمجد فى كتابه «سنوات ما قبل الثورة- المجلد الأول» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»، مضيفا: «وقع حادث الحصاينة يوم 11 فبراير 1933، وخلاصته أن الإدارة عطلت وابور طحن الغلال ومضرب الأرز الذى يملكه الشيخ طلبة صقر من أعيان هذه الجهة، وقام لذلك نزاع بينه وبين الإدارة، رفع أمره إلى القضاء، إذ أقيمت عليه دعوى مخالفة أمام محكمة السنبلاوين، فجاءت فى هذا اليوم قوة من البوليس والإدارة للتفتيش على الوابور، فاعترضها نفر من قبل صاحب الوابور، مطالبين ببقاء الحال على ما هو عليه حتى يفصل القضاء فى دعوى المخالفة».
يؤكد «أبوالمجد» أنه حدث تصادم بين الفريقين، أمر فيه مأمور المركز بإطلاق النار على الأهلين فقتل منهم ثلاثة، أحدهم شقيق الشيخ طلبة صقر وفتاة، وقتل باشجاويش المركز وواحد من الجنود، وجرح كثير من الأهلين، واستولى الذعر على السكان، وأرسلت الإدارة تجريدة من أربعمائة جندى لحصار البلد، وقبضت على كثير من أهلها، وظلوا فى السجن إلى أن أفرجت عنهم النيابة، أما قضية المخالفة التى نسبتها الإدارة إلى الشيخ صقر فقضت المحكمة فيها بالبراءة، وأثبتت فى حكمها أن الإدارة تجاوزت سلطتها بالأمر الذى أصدرته بإلغاء رخصة الماكينة وإقفال الوابور، وأن هذا الأمر الإدارى باطل.
لم تكن القضية مجرد نزاع بين مواطن وإدارة حكومية، وإنما يضعها «أبوالمجد» فى سياق سياسى عام يقوم على اضطهاد وتعذيب إسماعيل صدقى باشا، رئيس الحكومة، لكل معارضيه، ويؤكد: «رجال البوليس والإدارة بعد أن اطمأنوا إلى غبطة صدقى باشا بما يقومون به من تعذيب، وحمايته الدائمة لهم، بل ودفاعه الحار عنهم رغم بطشهم وعدوانهم واستهانتهم بكل القوانين، أطلقوا لأنفسهم العنان فى كل حملات البطش والعسف والإرهاب مؤيدين من سراى الملك فؤاد والحكومة».
كان الشيخ طلبة صقر من الوفديين المعروفين «معارضى صدقى باشا»، وفقًا للسيدة فاطمة اليوسف، رئيس تحرير «روز اليوسف» فى مذكراتها، مضيفة: «ترتب على هذا الحادث أزمة فى وزارة العدل، إذ قامت النيابة بتحقيق الموضوع، وكتب النائب العام مصطفى محمد تقريرًا يطلب فيه الإفراج عن الأهالى، ورفع الدعوى على مأمور المركز بتهمة التزوير فى أوراق رسمية، وكتب التابعى فى روز اليوسف تعليقا ساخرا قال فيه: إن وزير الحقانية أحمد باشا على قرأ تقرير النائب العام ثم هز رأسه وقال: نفرج عن الأهالى معلهش، أما أن نحاكم المأمور بتهمة التزوير فلا، وهز الوزير رأسه هزة اهتز معها قانون العقوبات، وأسبل القانون رمشه، وصرف النظر عن الموضوع».
حققت النيابة مع فاطمة اليوسف، بوصفها رئيسة التحرير المسؤولة، بتهمة السب والقذف، ولأن المقال يحمل توقيع التابعى تم تقديمه إلى المحاكمة، وتشير إلى ما جرى فيها: «كان ممثل الحكومة فى القضية الأستاذ محمود منصور، وكان من المعجبين بالمجلة فاستهل مرافعته ثائرا، وردد المدح والثناء عليها، مشيدًا بأسلوب التابعى ثم انثنى مهاجمًا فى عنف شديد، منددًا بطريقة النقد الجارح التى تسلكها المجلة، أما رئيس المحكمة المرحوم محمد نور فكان بلديات التابعى من المنصورة، ولكنه كان رجلًا محافظًا لا يحب أسلوب التابعى ويعتبره خارجًا عن الحدود الواجبة، لذلك كان همه أن يحصر التهمة فى التابعى، وكان يوجه إلى الأسئلة المتتالية بقصد إخراجى من المسؤولية، ولكننى تمسكت بموقفى، فصدر الحكم على التابعى بالحبس أربعة أشهر، وعلى بغرامة خمسين جنيها، ولم يصدر الحكم فى نفس الجلسة».
عاد «التابعى» من الإسكندرية ليسلم نفسه، وحسب مقال له فى مجلة «آخر ساعة 19 يونيو 1968»، فإنه دخل سجن «قرة ميدان» فى 22 مايو عام 1933، والتقى فيه بالكاتب والمفكر عباس محمود العقاد الذى كان ينفذ عقوبة السجن 9 أشهر بتهمة «العيب فى الذات الملكية»، والتقى بالكاتب الصحفى محمد توفيق دياب الذى كان ينفذ السجن تسعة أشهر بسبب مقال وصف فيه أحد النواب بأنه «أكحل العينين»، وهو وصف «ذو معنى خبيث». تكشف «اليوسف» معاناة «التابعى» فى السجن: «رجل مرفه المزاج له أسلوبه الذى لا يتخلى عنه فى الطعام والشراب والراحة، فليس غريبًا أن يزعجه السجن ويضايقه ضيقًا شديدًا، وكنا نشعر بضيقه الشديد وراء القضبان من الرسائل، والطلبات التى كان يبعث بها كل يوم، كانت له فى كل يوم طلبات، حتى عينت موظفًا خاصًا له لكى يحمل إلى خطاباته، ويعود إليه بما يطلب».