قبل أن تقرأ هذه السطور، ارجع بذاكرتك إلى الخلف قليلا، منتصف العام الماضى، ثانى أيام شهر رمضان الكريم، عندما اختفى الطفل حمزة 3 سنوات، من أمام منزله، ثم وجده أبواه فى أحد مداخل العمارات المجاورة عارٍ تماما باستثناء البامبرز.
هل تذكرت قصة حمزة والوجع الذى أصاب الجميع بعد اغتصاب طفل لا يتعدى عمره 3 سنوات، على يد وحوش عديمى الرحمة تجردوا من إنسانيتهم، واغتصبوا الطفل قبل أذان المغرب، وعندما انتهوا من جريمتهم وهتك عرض وإنسانية الطفل، صعدوا إلى أحد العقارات قاموا بإلقائه من الدور الرابع عاريًا، وقت آذان العشاء.
هل تذكرت صورته فى المستشفى غارقًا فى دمائه، يرقد بين الحياة والموت حتى لقى رب كريم، هل تشعر بالحزن الذى يسكن أمه منذ وفاته حتى الآن، هذا الحزن تجدد بعد قيام شقيق أحد المتهمين فى القضية بقتل والد الطفل فى خامس أيام الشهر المعظم.
"أيوه زى مابقولك.. والد حمزة هو كمان مات"، قتلوه بعد رفضه التنازل عن قضية ابنه، قتلوه لأنه رفض ترك حق ابنه الذى قتل بأبشع الطرق، قتلوه لدفاعه عن حقه وشرفه، قتلوه لأن حق ابنه لم يتم الفصل فيه حتى الآن ومازالت القضية دائرة فى المحاكم، قتلوا والد حمزة بـ4 طعنات بعد مشادة كلامية بين الأب و5 أشخاص من أهالى الطالبين المتهمين فى قضية الطفل، فتربصوا له بعد الإفطار وقتلوه بعد رفضه التنازل والتصالح معهم.
هذه القضية تعرى مجتمع بأكمله يظن أنه آمن ضد العيب والحرام، مجتمع يظن نفسه أنه الأكثر دينًا وتدينًا والأفضل خلقًا، فيما غفل التطبيق الحق لتعاليم الدين والأخلاق التى اعتادها أجدادنا فى الماضى، فما الذى يبرر انتهاك براءة طفل بهذه الوحشية واستباحة دماء الأب بهذه السهولة؟!، وأين هؤلاء منتهكى الحرمات من تقاليدنا وعاداتنا الموروثة؟.
وبالتدقيق فى تفاصيل قضية الطفل حمزة سنجدها ليست الوحيدة من نوعها خلال السنوات القليلة الماضية منذ مطلع الألفية الثالثة، فسبقته الطفلة زينة ابنة محافظة بورسعيد، التى حاول جارها اغتصابها ثم قتلها بأن ألقاها من الطابق الحادى عشر، وهذه الحوادث تعدت كونها مجرد جرائم متكررة، بل إنها انحرافًا فى سلوكيات المجتمع، يجب التنبه له والبحث عن أسبابه والسعى وراء خلق حلول جذرية لطمسه من مجتمعنا ليعود إليه السلم والأمن والطمأنينة.
وإلى جانب الدور المجتمعى الذى يمكن أن تقوم به مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدنى وأطباء علم النفس والاجتماع لتقييم الظاهرة وتحديد أسبابها وبحث طرق مواجهتها، على المؤسسات التشريعية هى الأخرى دور هام فى تعديل القوانين المجرمة لتلك الفعلة الشنعاء التى تنتهك الطفولة والبراءة فى أبنائنا وتخلف جيلًا محطمًا جراء الأثار النفسية المترتبة عن الاغتصاب أو مجرد المحاولة، وأن تغلظ العقوبات فى تعديلات القوانين لإنزال أقصى عقوبة ممكن بكل من تسول له نفسه الإقدام على القيام بهذا الفعل المجرد من المشاعر.
وقبل اللجوء إلى الحلول العقابية، هنالك طرف آخر هام فى طرق علاج تلك الظاهرة وهى الفنون التى تزكى النفس البشرية وترتقى بها، وهنا يأتى دور الدولة مرة أخرى لتزيد من نشاطها فى نشر الثقافة الفنية بين النشأ لتعلم العزف على الآلات الموسيقية والغناء والرسم والقراءة، وجميعها أنشطة تنمى مواهب الأطفال ليكبروا كمواطنين صالحين لأنفسهم ولوطنهم، ليس هذا فقط، بل وعلى المؤسسات الدينية تكثيف أنشطتها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وكذا تنظيم زيارات وندوات فى المدارس والأماكن العامة مثل النوادى لإعادة التذكير بتعاليم الدين والخلق الكريم الذى يجب اتباعه تجاه الغير، وإضافة إلى ذلك هناك رسالة هامة ينتظرها المجتمع من العاملين فى مجال السينما والدراما التليفزيونية يجب أن يمارسوها لتجسيد تلك الظاهرة ونبذها من خلال الأعمال الفنية التى تصل كل الأعمار داخل البيت المصرى.