لماذا أقدم الرئيس جمال عبدالناصر، على إصدار قانون «تنظيم الصحافة» يوم 24 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1960.. تعددت الروايات حول هذا القانون الذى أمم المؤسسات الصحفية المصرية بنقل ملكيتها إلى الدولة.
يعتقد البعض أن «صحافة الإثارة» وخاصة فى «أخبار اليوم» و«الأخبار» برئاسة مصطفى وعلى أمين كانت هى السبب وفقًا لما يذكره صحفيون عاصروا الحدث للدكتور محمد الباز فى كتابه «صحافة الإثارة» الصادر عن «مكتبة جزيرة الورد- القاهرة»، فإن الكاتب الصحفى رشاد كامل فى كتابه «صحافة الثورة- ذكريات لا مذكرات» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة»، يجمع شهادات يطرح أصحابها أسبابا أخرى، ويبدأها بما ذكره الكاتب والروائى إحسان عبدالقدوس فى مذكراته التى كتبتها «نعم الباز» ونشرتها مجلة «آخر ساعة».
يقول إحسان: «فى إبريل 1958 ماتت أمى، وتصدعت كل أحلامى، وأحسست تماما بأننى منهار، وبدأت أفكر فى تأميم الصحافة كعملية إنقاذ لدار روز اليوسف، وخصوصًا أن هذا الحل كان لا يمكن تنفيذه فى حياة أمى.. كان لا يمكن أن تترك المجلة أبدًا للحكومة، فلقد كانت هى أسرتها وهى منزلها.. وكنت كلما كتبت قصة أبيعها للحكومة وأضم ثمنها فى روز اليوسف، ثم أسست شركة بينى وبين أختى وزوجها كى نبنى دارا للطباعة، وكل هذا ولا فائدة، وكتبت مقالا قلت فيه: لماذا لا تؤمم الصحافة؟.. وقد أممنا كل شىء تقريبًا، ولجأت إلى هذا بعد أن أرهقتنى الرقابة أيضًا».
يضيف إحسان: «قلت أيضًا فى المقال:إن الصحافة حين تؤمم تصبح تابعة للحزب الحاكم وهو الاتحاد الاشتراكى»، ويؤكد: «قرأ عبدالناصر المقال فى إبريل 1960، وأخذ منه أربعة سطور بالنص، وأصدر بها قانون تنظيم الصحافة، واتصل بى عبدالقادر حاتم وكان على علاقة صداقة بى، وقال: الرئيس أخذ من مقالك وأمم الصحافة، وأنت هتكون رئيس إدارة روز اليوسف، وكنت رئيس مجلس الإدارة الوحيد الذى عين من أصحاب الصحف التى دخلت فى قرار التأميم، وأنا أعتبر أن روزاليوسف استفادت من تأميم الصحافة فى مصر، ولولا التأميم كانت أفلست».
أما محمد حسنين هيكل فيذكر فى كتابه «بين الصحافة والسياسة» عن مقابلة له تمت فى بيت «عبدالناصر»، وقال له الرئيس: «إننا مقبلون على تحولات اجتماعية كبيرة، وقد بدأت هذه التحولات بتأميم البنك الأهلى وبنك مصر، إذا كنا نريد حقًا تنفيذ خطة للتنمية، وإذا كنا نريد إجراء تحولات اجتماعية عميقة فى مصر فلا بديل عن سيطرة المجتمع على وسائل المال والإنتاج، ولا نستطيع عقلا ولا عدلا أن أفرض سيطرة المجتمع على الاقتصاد ثم أترك لمجموعة من الأفراد أن يسيطروا على الإعلام، إنهم لا يسيطرون الآن عمليا لأن الثورة قوية، وذلك مجرد خوف، وأنا لا أثق فى خائف خصوصًا إذا تغيرت الظروف، ثم إن المرحلة الجديدة من التحول الاجتماعى تحتاج إلى تعبئة شاملة، وأعرف أن الموجودين الآن سوف يصفقون لأى قرار لكن المطلوب شىء آخر غير التصفيق».
يذكر «هيكل» أنه طرح مخاوفه، فطلب منه الرئيس وضع أى ضمانات يريدها للمهنة، واتفق على اللقاء فى الحادية عشرة صباحا فى اليوم التالى، ويؤكد هيكل، أنه حاول فى هذا اللقاء بكل ما يستطيع، وربح بعض النقاط وخسر أخرى: «استطعت أن أستبعد منطق التأميم بحدوده القاطعة ووصلنا إلى صيغة أخرى تسمح بمرونة، وهكذا كانت «تنظيم الصحافة» «وليس تأميمها»، ويضيف: «حاولت أن أجعل الملكية مشتركة بين التنظيم السياسى وبين جمعية العاملين فى كل دار صحفية %50 لكل فريق، ولم يقبل عبدالناصر وخرج باقتراح وسط، وهو انتقال الملكية إلى التنظيم السياسى وليس إلى الدولة واحتفاظ كل صحيفة بأرباحها داخلها، ثم توزيع هذه الأرباح مناصفة:نصف للتجديد والإحلال فى دور الصحف، ونصف لجمعية العاملين فى كل دار صحفية، واعترضت على المذكرة التفصيلية للقانون، وأشهد أن جمال عبدالناصر كان صبورا فقد قال لى: «اكتب أنت واحدة غيرها»، وكتبت مذكرة كانت فى الواقع إعلانا بتأكيد حرية الصحافة، أكثر منها مذكرة تفسيرية لنصوص القانون.
فى شهادته يذكر حلمى سلام الذى كان رئيسا لتحرير لمجلة الإذاعة «1956-1962»، أن الثورة كانت تصدر مجلة «بناء الوطن» وكان رئيس تحريرها «أمين شاكر» مدير مكتب جمال عبدالناصر، وكانت تطبع فى دار الهلال وتراكمت عليها ديون الطبع حتى وصلت إلى عشرة آلاف جنيه، وفجأة أصدر أميل زيدان أحد أصحاب «دار الهلال» بعدم طباعتها إلا بعد تسديد الديون، وطبق هذا على العدد الجديد، ونقل «شاكر» هذا الأمر إلى «عبدالناصر»، فاعتبر أن هذا تحدٍّ للنظام والثورة، غير أن سلام يقول: «بما أن المجتمع وقتها كان يتحول نحو الاشتراكية، فكان من الطبيعى أن تصبح الصحافة تحت يد الدولة».