يلعب القطاع الخاص دورا محوريا، أن لم يكن رئيسيا تقريبا فى أغلب دول العالم فيما يتعلق بالتنمية.
ولا شك أن اعتماد دول عظمى اقتصاديا على القطاع الخاص، فى توفير الوظائف لم يأت من فراغ.
بل من خلال تجارب ناجحة عبر سنوات طويلة حولت دول مثل ألمانيا واليابان وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وأغلب الدول المتقدمة إلى كيانات اقتصادية عملاقة.
وفى حين تعتمد الدول على القطاع الخاص فى تنفيذ برامج التنمية من الألف إلى الياء، إلا إنها تحتفظ بقدر قليل جدا من القطاع الحكومى أيضا إلا أن تاثيره أقل كثيرا.
والسؤال هل يعانى القطاع الخاص فى مصر.. وبالتالى لا يمكنه الوفاء بما عليه من التزامات؟
الإجابة قطعا كان القطاع الخاص يعانى عبر السنوات الماضية بشكل كبير من كم مهول من الروتين والبيروقراطية، وما يتبعهما من عدم الشفافية، وأحيانا تفضيل القطاع العام عليه، لكن الأوضاع تغيرت ورياح التغيير والإصلاح هبت فى آخر 3 سنوات من خلال حزم تشريعية غير مسبوقة تكاد تنسف ما تبقى من روتين وبيروقراطية وهذا لا يعنى أن الجو أصبح ربيعا أمام القطاع الخاص هناك بالطبع بعض المعوقات، لكنها غير جوهرية.
على سبيل المثال الآن يمكن لأى مستثمر تأسيس شركته، والحصول على ترخيص مصنعه بسهولة وإلكترونيا، الآن يمكن للجهات الحكومية أن تنوب عنه فى استخراج بقية التراخيص وقرارات تخصيص الأرض، الآن يمكنه مقاضاة أى جهة تقف أمامه بسهولة ويسر، ويمكن حل أصعب مشكلة فى 30 يوما فى ظل قانون استثمار قوى، الآن يد القطاع الخاص تكاد تكون تعمل فى كل شىء، بداية من الاستثمار فى المرافق والبنية التحتية والكهرباء والغاز حتى التجارة فى مشروعات الطاقة المتجددة.
معنى ذلك أن الحكومة نفذت ما لا يقل عن 70% من طموحات القطاع الخاص سواء المحلى أو الأجنبى تزامنا مع برنامج الإصلاح الاقتصادى وتحرير سعر الصرف وانعكاس ذلك على القطاع الخاص.
لكن هل قام القطاع الخاص بدوره فى توفير الوظائف خاصة أن مصر تحتاج 700 ألف وظيفة سنويا وفق احصاءات البنك الدولى؟
ولماذا يحجم الشباب عن وظائف القطاع الخاص ؟ وكيف يمكن تحويل القطاع الخاص إلى قبلة للعمل ونغير وجهة نظر الشباب فيما يتعلق بأهمية الوظيفة الميرى المحدودة حاليا؟
لا شك أن القطاع الخاص فى مصر وفى أى دولة يسعى إلى هدف أساسى وهو مصلحته بغض النظر عن أى اعتبارات أخرى، ومن مصلحته وجود كوادر شابة يمكن توظيفها فى المصانع أو المتاجر أو المناطق الانتاجية،إلا أن أغلبها يكون غير مؤهل وغير مدرب، وهذا يمثل أول عقبة أمام القطاع.
الأمر الثانى: أغلب الشباب لا ينتظمون فى العمل لأنهم لم يعتادوا على العمل مثلا 8 ساعات يوميا أو 12 ساعة يوميا، وأغلبهم يترك العمل بحثا عن وظيفة ميرى يحصل منها على راتب بدون عمل.
وبالتالى لا بد للحكومة أن تمد يدها للقطاع الخاص فى هذه النقطة من خلال التنسيق لعقد برامج تدريبية وتحويلية لكل الخريجين دبلومات ومعاهد ومؤهلات عليا وهى بالفعل يمكنها ذلك وفق مزايا قانون الاستثمار الجديد بجانب تطوير نظام التعليم وربطه تماما بسوق العمل وبالتدريب فى المصانع.
والقطاع الخاص فى مصر رغم كثرة إعلانات طلب الوظائف التى يمكن رؤيتها فى الجرائد وفى عربات المترو، وفى الشوارع، إلا إنها غير مجزية ماليا تتراوح من 1200 إلى 2000 جنيه، كما أن الشباب لديه تخوفات من عدة أمور أولا الفصل التعسفى بسهولة، ثانيا عدم التأمين الاجتماعى والطبى عليه، أو ضعفه بشكل كبير وثالثا شعوره بعدم الاستقرار باعتبار أن صاحب العمل غالبا لا يوجد قانون يردعه فيما يتعلق بحقوق العاملين مقارنة بالعمل فى الحكومة.
وهناك مثال سىء دائما يردده الشباب هو "إذا ضربت رئيسى فى العمل الحكومى بالقلم على وجهه هاخد 3 أيام جزاء، لكن فى القطاع الخاص سأطرد من العمل "هو مثال سىء لكنه يحوى تفاصيل تتعلق بضرورة أن تقوى الحكومة العمال فى القطاع الخاص بقوانين حامية لهم وإذا حدث ذلك بجانب النظر فى رواتب العاملين وأرباحهم من المصانع، أجزم أن القطاع الخاص سيكون عامل جذب كبير للشباب المنتظر لوظيفة ميرى ربما لن تأتى.
من المهم أيضا أن تكثف الحكومة من برامج توعية الشباب بالتوجه إلى العمل الخاص وتشجيع فكرة تأسيس شركات صغيرة أو حتى شركات عائلية تعمل فى المشروعات متناهية الصغر والمتوسطة والحرفية، ويمكنه الانطلاق من مكانه عبر آليات الشمول المالى.
من المهم أيضا أن يتم توفير بيئة عمل تليق بالعاملين فى القطاع الخاص ووسائل آمان وتأمين صحى حتى يتأكد العامل أنه حتى فى حالته إصابته سيكون قادرا على توفير متطلبات أسرته من خلال شركته التى يعمل بها، ولا يتم إنهاء خدماته، بلا شك نحن بحاجة إلى تغير المفاهيم بداية من المراحل الاساسية للتعليم، لابد أن يدرك الشاب أنه ليس أمامه إلا السعى للعمل فى القطاع الخاص، لأن الحكومة لن تستطيع توفير 700 ألف وظيفة سنويا ولا حتى 10% منها.
ومن المهم أيضا أن يكون هناك حد أدنى للأجور فى القطاع الخاص ولوائح إنتاجية مجزية للعاملين، كما أنه من المهم اعتبار العاملين جزء من الشركة، وليس فقط مجرد عاملين فيها حتى يكون القطاع قادرا على تلبية طموحات الشباب.
لكن ما رؤية البنك الدولى للقطاع الخاص فى منطقتنا ؟
يقول البنك الدولى إن القطاع الخاص يُمكِن أن يُصبِح مُحرِّكا رئيسيا للنمو وتعزيز الرخاء فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إذا وُضِعَت سياسات فعَّالة للتصدِّى للتحديات الرئيسية فى أنحاء المنطقة.
ويتساءل التقرير الذى أصدره البنك الأوروبى للإنشاء والتعمير وبنك الاستثمار الأوروبى ومجموعة البنك الدولى "ما الذى يعوق القطاع الخاص فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟" ويستخلص التقرير الدروس من مسوح منشآت الأعمال فى المنطقة التى تُغطِّى أكثر من ستة آلاف شركة فى 8 بلدان.
وقال العديد من تلك الشركات إن أهم العوامل التى تعوقهم هى عدم الاستقرار السياسى، والفساد، وإمدادات كهرباء التى لا يمكن التعويل عليها، وعدم كفاية فرص الحصول على التمويل.
وقالوا أيضا إن الحواجز فى طريق التجارة وندرة العمال المُدرَّبين تدريبا مناسبا يمثلان عائقا أمام الابتكار والنمو، كما رأوا انفصاما بين الشركات وقنوات التمويل الرسمية فى كثير من الأماكن مما أضاع على الشركات فرص النمو.
ويخلص هذا التقرير المتعلق بدول جيبوتى وجمهورية مصر العربية والأردن ولبنان والمغرب وتونس والضفة الغربية وغزة والجمهورية اليمنية، إلى أن: "وجود إستراتيجيات لمساندة الشركات فى جهودها لتعزيز إنتاجيتها – وكذلك عملية إعادة تخصيص الموارد لتوجيهها نحو الشركات الأكثر إنتاجية- يجب أن يكون من أهم أولويات السلطات العامة فى المنطقة".
وأبرز التقرير 4 مجالات مُحدَّدة لابد من وضع سياسات ملائمة لها، وهى: تحسين مناخ الأعمال، وتحسين إمكانية الحصول على التمويل، وتحقيق مستويات أفضل من التعليم والتوظيف والمهارات، والنهوض بالتجارة، والمنافسة والابتكار.
وقال التقرير إن تحقيق الاستقرار السياسى ضرورى لتحسين مناخ الأعمال، "وفى الكثير من الاقتصادات، من المرجح أيضا أن يكون من الأولويات المهمة معالجة الفساد، وتوفير إمدادات كهرباء يمكن التعويل عليها".
ويُظهِر التقرير أنه على الرغم من أن القطاعات المصرفية فى المنطقة كبيرة نسبيا، فإن نسبة كبيرة من الشركات منفصلة عن قنوات التمويل الرسمية – فهى لا تطلب الائتمان وتقول إن لديها موارد كافية، ويمكن تحسين حصول الشركات على التمويل عن طريق تطوير قدرات البنوك فيما يتعلق بتقييم مخاطر الائتمان، وقد تكون أنظمة ضمان الائتمان وسيلة للتخفيف من قيود الضمانات، وفى الوقت ذاته سيكون من المفيد تقوية القوانين الخاصة بالمعاملات المشمولة بضمانات، وإيجاد سجل أكثر كفاءة للضمانات، فهذا من شأنه أن يُعزِّز أنشطة الإقراض لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة دون تعريض الاستقرار المالى للخطر.
ويرى التقرير أن هناك متسعا لتحقيق تحسينات فى السياسات من أجل النهوض بالتعليم، والتوظيف، والمهارات لاسيما فيما يتعلق بتوظيف النساء والشباب.
وينبغى أن تهدف السياسات إلى إزالة التشوُّهات التى تحول دون دخول النساء سوق العمل، وأن توفر تعليما أكثر تركيزا ومُوجَّها بشكل جيد للشباب.
ويجب أيضا أن تُقدِّم حوافز لزيادة كثافة التدريب فى الشركات، وفى الوقت نفسه، فإن اتخاذ خطوات لمساندة قيام الشركات حديثة العهد المُبتكِرة ونموها ستكون له على الأرجح آثار إيجابية على توظيف الشباب.
وفى مجال التجارة والمنافسة والابتكار، لاحظ التقرير أن زيادة إنتاجية الشركات تتطلَّب مزيدا من الانفتاح على التجارة الدولية، التى يمكن مساندتها من خلال لوائح تنظيمية جمركية وتجارية أكثر فعالية، للواردات والصادرات على السواء، ويُمكِن أيضا تعزيز المنافسة من خلال تقليص القيود على دخول الشركات وخروجها وعلى الاستثمار الأجنبى.