- لا يمكن فرض قناعتك الشخصية على غيرك حتى على أولادك
-اشتغلت «صبى خياط» وفى صناعة الأجبان ومحال الشيكولاتة والحلويات وفى صيدلية أثناء إجازات الجامعة
صاحب تجربة متميزة فى الإدارة، برئاسته لجامعة القاهرة، ومن القلائل الذين قرروا أن يكتفوا بمدة واحدة فى المنصب وعدم الترشح لمدة ثانية، لأنه مقتنع دائما أن لكل مرحلة ظروفها وتوقيتها، الدكتور جابر جاد نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق والمحامى بالنقض، لديه مبدأ فى الحياة، ومبدأ فى العمل، فهو لا يقبل قضايا ماسة بالشرف أو قضايا الاتجار بالمخدرات، وكان حاسما فى كثير من قراراته خلال رئاسته لجامعة القاهرة، وإن كان يعتبر أن فترة رئاسته للجامعة أفقدته أصدقاء كثرا.
المحامى الدكتور جابر نصار يكره السياسة ويحب المحاماة، ولديه جوانب أخرى كثيرة يكشفها لنا فى هذا الحوار..
كمحامٍ وأستاذ جامعة هل ما يدرسه طلاب الحقوق هو ما يحتاجونه فى المحاماة؟
- للأسف المناهج الحالية فى كلية الحقوق تحتاج إلى إعادة نظر، وفيها حشو كثير، والآن يدرس الطلاب أكثر من 14 مادة، منها مواد فى كل مادة 3 أساتذة، وعبء التحميل على ذهن الطالب كبير جدا، قديما كنا ندرس 7 مواد فقط فى العام، وكان الهدف خلق ملكة قانونية وتنمية الوعى القانونى والعقلى لدى الطالب، أما الآن فاتجه الطلاب للحفظ والتلقين، للتغلب على كم المناهج، وهناك تراجع فى قدرات التعامل مع النص القانونى، والمستوى الحالى أقل كثيرا.
ألا ترى أن سمعة المحاماة فى مصر تراجعت؟
- للأسف إذا وجدت نقطة سوداء فى روب المحاماة تعكر مساحة كبيرة، ويبقى أثرها لفترة طويلة، لأنها تتعلق بالعدل وحقوق الناس، والآثر السلبى من محام واحد يؤثر على المهنة كلها، لكن مازالت المحاماة من المهن التى لها مكانتها فى مصر، ونحتاج وقفة وتفعيلا لدور النقابة ولديها الآليات لمحاسبة المحامين المقصرين.
لماذا دخلت عمل المحاماة ومتى بدأت العمل فيها؟
- مهنة المحاماة امتداد لفهمى للقانون الذى لا أرى فيه نصوصا جامدة، ولكن رأيت فى النصوص القانونية نصوصا تدب فيها الحياة لإقامة العدالة بين الناس، وبدأت المحاماة بعد الحصول على الأستاذية كما ينص قانون تنظيم الجامعات، ورفضت العديد من العروض الجيدة وبمرتبات عالية للغاية قبل ذلك، وكانت سمة من سمات شخصيتى أننى لا أخالف القانون.
متى فتحت مكتب محاماة مستقلا، وما هو أول أجر لك؟
- بدأت عام 2003 وفتحت مكتبا فى المهندسين، وظللت 6 أشهر لم يأت إلى أى قضايا، وكان المكتب يكلفنى 15 ألف جنيه شهريا، وأنفقت كل مدخراتى على المكتب فى هذه الفترة، وأول قضية لى كانت قضية لأحد زملائنا فى كلية الهندسة لإلغاء قرار وزير التعليم بشأن النقل من مدرسة لأخرى، ولم أتقاض أتعابا، وكان أول مرة أدخل المحكمة كمحام فى أغسطس 2004، وحصلنا على الحكم فى أول جلسة، وكانت الأتعاب عبارة عن «تورتاية» أكلناها فى المكتب.
ما هى القضايا التى ترفض أن تقبلها أو تترافع فيها؟
- منذ أن عملت فى المحاماة استثقل ضميرى قبول قضايا اتجار المخدرات، رغم أن البراءة فيها تكون سهلة بسبب ثغرات إجرائية، والقضايا الماسة بالشرف مثل الدعارة وغيرها، وقبلت قضايا للدفاع عن متعاطى للمخدرات، لأننى أؤمن أن أغلبهم ضحايا، فإنقاذ الضحية أمر واجب.
هل تقبل قضايا من دون أتعاب؟
- مكتبى دائما مفتوح ولا يغلق فى وجه أحد، ولدينا عدد كبير من القضايا من دون أتعاب، ولا أقبل قضية إلا إذا كانت من وجهة نظرى مرجحة المكسب بنسبة كبيرة، ولذلك لا نخسر قضايا بسهولة، هناك موكلون رفضت أن آخذ منهم أتعابا فى الصعيد يحرصون على مدى 15 عاما على زيارتى سنويا ويحضرون لى الهدايا، وهذا شعبنا الطيب الذى لا ينسى من يقف معه، ولذلك المحاماة مهنة إنسانية وعلى المحامين الشباب التحلى بالأمانة والصدق، وألا يتاجروا بالظلم، لأن الظلم أقسى على النفس من المرض.
كيف تغيرت حياة جابر نصار بعد رئاسة الجامعة؟
- أصبحت أكثر هدوءا وأكثر استمتاعا بحياتى، ولدى وقت كبير لحياتى الاجتماعية والأسرية، ورجعت مرة أخرى لمعشوقتى وهى المحاماة، لأننى لم أدخل قاعة محكمة أثناء فترة رئاستى للجامعة لعدم الوقوع فى فكرة تعارض المصالح.
نجحت فى رئاستى لجامعة القاهرة قدر الطاقة وقدر الجهد، لأن كل عمل بشرى لا يمكن أن يكون كاملا مائة بالمائة ولكن المقياس العام يكون بناتج التجربة ككل، والكثيرون شهدوا للتجربة فى مجملها ولم تَرُق للبعض، خاصة أولئك الذين أضيروا ببعض القرارات التى اتخذتها، لأنه عند إدارة مؤسسة كجامعة القاهرة ولا تتخذ قرارات مؤثرة وتواجه فلن تكون لك بصمة.
هل خسرت شيئا خلال رئاسة الجامعة؟
- خسرت صداقات كثيرة، لأنى لم أكن أجامل أحدا حتى أقرب الناس إلى، وكثير منهم لم يتفهموا الأمر، لكنى غير آسف على ذلك، ولم يكن فى ذهنى إشكاليات المكسب والخسارة الشخصية، وإنما مصلحة المؤسسة، وحرمت على نفسى تقاضى مليم واحد من الجامعة حتى راتبى كان يذهب للطلبة.
ما الأشياء التى كنت تود إنجازها فى الجامعة ولم تحدث؟
- حلمت بإزالة كل المبانى العشوائية داخل حرم جامعة القاهرة، التى كانت على غير النمط الحقيقى لها، وهو ما كان مثبتا وموجودا فى الماكيت الأصلى لجامعة القاهرة، فالماكيت الأصلى يعبر عن عبقرية هندسية، ولم يكن الآباء المؤسسون يضعون حجرا إلا فى مكانه مع تخطيط عالى المستوى، وبدأت بالفعل فى هذا الحلم بإزالة المكتبات العشوائية.
كنت أكثر الأساتذة ورؤساء الجامعات قربا من الطلبة خاصة على مواقع التواصل، فماذا أفادك هذا فى الإدارة؟
- طوال عمرى وعلاقتى جيدة بالطلاب، واستفدت وتعلمت كثيرا منهم على المستوى الشخصى والاجتماعى، ولديهم أفكار خلاقة وطاقة كبيرة، واستخدام مواقع التواصل وقت رئاستى كان له ما يبرره وقتها وحلقة الوصل بينى وبين الطلبة، لذلك قللت كثيرا من التعامل مع «فيس بوك وتويتر»، ولم أعد أملك الوقت، لأن العمل فى المحاماة شاق أكثر.
هل شعرت أنك خرجت من الجامعة من دون أن تأخذ حقك، أو شعرت بأن هناك من خذلك؟
- أنا رفضت التجديد لرئاسة الجامعة بعد انتهاء المدة الأولى 4 سنوات، وكانت رغبتى فى الخروج، والعودة لحياتى العملية والشخصية، ومن أول يوم كنت أحسب اليوم الذى أخرج فيه.
ما هى هواياتك بعيدًا عن العمل فى المحاماة أو التدريس فى الجامعة؟
- المشى وتنس الطاولة، وفى المجمل أحب الجلوس فى البيت «بيتوتى».
عشت أغلب مراحل حياتك فى دمياط هل أثرت هذه البيئة فى شخصيتك؟
- طبعا أثرت فى حب العمل والاجتهاد، لأن شخصية الدمياطى معجونة بالاجتهاد فى العمل، وعملت كثيرا فى إجازات الجامعة، ليس بسبب المال، ولكن لأنه عيب أن يبقى الطالب فى الصيف من غير شغل، عملت فى مصانع الأجبان والحلويات والشيكولاتة، وصبى خياط، وفى صيدلية، وحتى الآن أعرف الكثير ولدى خبرة فى أشياء كثيرة.
هل تعلم أولادك بهذه الطريقة؟
- لكل جيل ظروفه، وربيت أولادى على الاستقلال، وأن يكون لهم شخصية فى اتخاذ القرار ولم أتدخل فى أى قرارات مهمة لديهم، وهذا مريح جدا للأب والابن، وأى قرار خطأ تعلموا منه، ولا يمكن فرض قناعتك الشخصية على غيرك، حتى على أولادك.
فى كثير من أحاديثك تذكر علاقتك بوالدتك وذكرياتك معها، فما تأثيرها فى شخصية جابر نصار؟
- أمى أفضل شىء فى حياتى، ونعمة وفضل من الله، أعطتنى كل شىء، وحتى هذه اللحظة لا تأكل أو تنام إلا بعد عودتى للمنزل، ولا أستطيع أن أبدأ يومى إلا بعد أن أطمئن عليها، وطبيعتى «البيتوتية» هى من ارتباطى بوالدتى، وعمرها ما ضربتنى أو عاقبتنى.
هل تعرضت لعقاب من والدك؟
- مرة واحدة فقط، وأنا فى الإعدادى، ضربنى والدى بكفه على وجهى، لأنى أخطأت فعلا وركبت سيارة نقل خطأ وتعرضت لإصابة وسحجات، لأن المدرسة كانت بعيدة عن القرية أكثر من كيلومتر، وكانت أول وآخر مرة.
هل تتعامل مع أولادك بطريقة والدك أم والدتك فى التربية؟
- ليس لدى صبر والدى، لذلك كنت ألجأ أحيانا للعقاب بطرق مختلفة وأقسو على أولادى، وخاصة الابن الأكبر كان يأخذ شحنة الغضب دائما.
ما هى السلوكيات التى كنت تراها فى الماضى وتفتقدها الآن؟
- الزمن جرف عادات كثيرة من أهمها الترابط الاجتماعى والأسرى، والدليل تزايد وجود الغارمات حاليا، وهو دليل على التفكك الاجتماعى، لأن زمان كان فيه تكافل عن طريق «النقطة» للعريس أو العروسة، وكذلك كانت فى الجنازات لا يتحمل أهل المتوفى أى أعباء.
ما هو النادى المفضل لديك؟
- أشجع النادى الأهلى.
هل تتابع محمد صلاح نجم منتخب مصر بوصفه شابا مصريا نجح فى الخارج؟
- محمد صلاح، نموذج للفلاح المصرى المجتهد، الذى استطاع أن يوظف الفرصة التى أتيحت له، وهذا يؤكد أن المصريين خامة جيدة إذا ما أتتهم الفرصة «يقدروا يخرجوا» من الإحباطات التى تحيط بهم، ولدينا نماذج محمد صلاح فى مجالات مختلفة، كالبحث العلمى، ولدينا كثيرون من النماذج المضيئة التى تعطى الأمل بأن المستقبل أفضل.
هل أنت متفائل بالوضع فى البلد أو المستقبل؟
- المصريون يعيشون مرحلة بالغة الصعوبة، ولا يمكن فصلها عن الظروف المحلية والعالمية المحيطة، وسط انهيار دول وتفتت دول وحروب فى كل مكان، ورغم كل هذه الصعوبات، هناك أمل فى مستقبل أفضل، ومتفائل جدا بدليل أن التاريخ والأحداث تؤكد أن شعب مصر قادر على الإنجازات ومواجهة الصعوبات، وسوف تمر كل الصعاب التى نعيشها، والغد أفضل.