بوجه ظل محتفظًا حتى آخر العمر بجماله الذى سحر الملايين وذاب فيه الأدباء والفنانون عشقًا، وتاريخ يحمل من النجاح قدر ما يحمل من الألم ، ظلت سمراء النيل الفنانة الجميلة مديحة يسرى التى وافتها المنية مساء أمس الثلاثاء مقيمة لشهور فى المستشفى ، تعانى من آلام المرض.
ظلت الراحلة طوال فترة إقامتها الطويلة بالمستشفى تحمل روحا راضية ، تحاول أن تتناسى آلام المرض تستعين بقراءة القرآن التى طالما خففت عنها أشد الآلام والأحزان التى مرت بحياتها ، حاولت حتى أواخر أيام حياتها التمسك بصيام شهر رمضان ولكن أجبرها الأطباء على الإفطار ، حيث لم تكن حالتها الصحية تتحمل الصيام ، كانت تغمض عينيها وتسترجع رحلة حياتها التى امتلأت حبًا وشهرة ونجاحًا وأحزانا ظلت تؤلمها حتى وفاتها.
فسمراء النيل التى حققت نجاحات عالمية، واختارتها مجلة التايم الأمريكية ضمن أكثر 10 نساء جمالا على مستوى العالم فى الأربعينيات، أحبها أكبر الأدباء والشعراء والفنانين، وبقدر ما حققت من نجاح وتألق ، عانت من مرار وقسوة الفقد، حيث فقدت ابنها الوحيد وهو فى زهرة شبابه قبل أن يتجاوز عمره 26 عامًا.
عشقها عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد، وقيل إنه استوحى رواية سارة من قصته معها، كما أحبها الشاعر عبدالمنعم السباعى وقيل إنه كتب فيها قصيدة «أروح لمين»التى غنتها أم كلثوم .
رحلة طويلة بدأت عام 1921 بميلاد «هنومة حبيب خليل» وهو اسمها الحقيقى قبل أن يختار لها زوجها الأول الفنان محمد أمين اسم مديحة يسرى، حققت خلالها النجومية والتألق فى زمن عمالقة الفن ، بدايتها كانت مع الفنان محمد عبد الوهاب، ولمعان موهبتها مع عملاق الفن يوسف وهبى، وتقاسمت البطولة مع أنور وجدى وعماد حمدى وعبدالحليم حافظ ومحمد فوزى وشادية وفريد الأطرش، وعادل إمام، وكانت كوكب الشرق أم كلثوم أقرب صديقاتها.
كانت بدايتها فى فيلم ممنوع الحب مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، ورغم صغر الدور إلا أنها ارتبطت بأشهر أغانى الفيلم وأشهر أغانى عبدالوهاب ، حيث غنى لها خلال أحداث الفيلم أغنية "بلاش تبوسنى فى عنيا"
حققت نجاحات عديدة محليًّا وعالميا واستحوذت على أدوار البطولة فيما يقرب من 90 فيلمًا من أعظم الافلام فى تاريخ السينما، وجسدت فى معظمها دور المدافعة عن حقوق المرأة، ومن بينها أحلام الشباب، وتحيا الستات، وقبلة فى لبنان، ويحيا الرجالة، وفيلم «الأفوكاتو مديحة» مع يوسف وهبى.
سلب جمال مديحة يسرى القلوب وقيل عنها إنها المرأة المرغوبة من ربع رجال الكرة الأرضية، وانبهر العالم بجمالها فى مهرجان كان السينمائى الدولى عام 1952، فكتبت عن جمالها أشهر الصحف الفرنسية.
تزوجت سمراء النيل من الفنان محمد أمين أول أزواجها الذى شاركته فى تأسيس شركة إنتاج سينمائى، وأنتجت معه العديد من الأفلام، ثم تزوجت من دنجوان السينما الفنان محمد سالم الذى توفى فى ريعان شبابه، فكانت إحدى أكبر الصدمات فى حياة سمراء النيل، وبعده تزوجت أهم زيجاتها من الفنان محمد فوزى، وشاركته العديد من الأفلام وأنجبت منه ابنها الوحيد عمرو .
كان فوزى ومديحة من أشهر وأجمل الثنائيات الفنية، واستمر زواجهما لمدة 10 سنوات، حققا خلالها أهم نجاحاتهما، وساندته فى تأسيس شركة الأسطوانات الخاصة به، ورغم طلاقهما استمرت الصداقة بينهما ، ووقفت إلى جواره فى محنة تأميم شركته ومرضه، وكانت تزوره حتى آخر أيام حياته، وكانت صدمتها بوفاته من أكبر صدمات حياتها.
عاشت الجميلة ظروفًا صعبة خاصة بعد تأميم كل أملاكها وحسابها فى البنك فى الستينيات، واضطرت لبيع مجوهراتها حتى تنفق على نفسها، وعاشت فى مكتبها، فى فترة لم يكن لديها بيت، لكنها كانت تؤكد دائمًا أن الله يقف إلى جوارها فى كل محنة.
تزوجت للمرة الرابعة والأخيرة من الشيخ إبراهيم سلامة الراضى شيخ مشايخ الحامدية الشاذلية الصوفية، وابتعدت خلال هذه الفترة عن الفن، وانفصلت عنه بعد عودته لزوجته الأولى، وعادت بعدها للفن من جديد.
كانت أكبر صدمة فى حياة سمراء النيل وفاة ابنها الوحيد الذى كانت ترتبط به ارتباطًا شديدًا إثر حادث سيارة، كان شابًا رياضيًا، يشارك والدته كل شىء، وأصيبت مديحة يسرى بانهيار عصبى بسبب وفاته، ولم تستطع تجاوز محنتها إلا بقراءة القرآن والحج إلى بيت الله الحرام، وكلما نفد صبرها على فراقه ذهبت للعمرة.
كان آخر ظهور سينمائى لها فى فيلم الإرهابى مع الفنان عادل إمام عام 1994، وآخر أعمالها التلفزيونية مسلسل هوانم جاردن سيتى عام 1997، وتم اختيارها عضوًا بمجلس الشورى عام 1998.
تعرضت سمراء النيل منذ أكثر من عام لوعكة صحية وآلام بالعظام وجلطة بالساق أثرت فى قدرتها على المشى، وظلت تتلقى العلاج فى المستشفى لفترة طويلة وخلال هذه الفترة منحتها أكاديمية الفنون الدكتوراة الفخرية تقديرا لعطائها وهو آخر تكريم حصلت عليه الراحلة وفرحت به كثيرا وأكدت أنه جعلها تشعر أنها ولدت من جديد.
قضت الراحلة الجميلة أغلب أوقاتها الأخيرة فى قراءة القرآن وأداء الصلوات، وهكذا كانت تتجاوز كل صدمات وأحزان حياتها ، حتى رحلت عن دنيانا وهى تتمنى أن تلقى ابنها الوحيد بعد طول فراق وأن يستقبلها على باب الجنة..رحم الله سمراء النيل .