توجه الموسيقار محمد عبدالوهاب والفنان عبدالحليم حافظ إلى القصر الجمهورى صباح يوم «الثلاثاء» 31 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1960، وفقا للدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «معارك فنية» عن «دار الهلال - القاهرة»، مؤكدا أن هذه الزيارة كانت فى اليوم التالى لنشر تفاصيل لقاء جرى بين الرئيس جمال عبدالناصر ورؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف المصرية، وفيما يؤكد «حنفى» أن اللقاء جرى فى الساعة السابعة مساء السبت 28 مايو 1960، يؤكد رشاد كامل فى كتابه «صحافة الثورة - ذكريات لا مذكرات» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة» أنه جرى الأحد 29 مايو، وكان بمناسبة صدور قانون «تنظيم الصحافة» يوم 24 مايو 1960، الذى نقل ملكية المؤسسات الصحفية إلى الدولة.. «راجع: ذات يوم 24 مايو 2018».
كان محور لقاء عبدالناصر بالقيادات الصحفية الإجابة عن سؤال حيوى وهو: «كيف تستطيع الصحافة أن تبنى المجتمع، وكيف يمكن أن تنحرف به وتهدم كيانه؟ حسبما قالت «الأهرام» يوم «30 مايو 1960»، وكان الكاتب الصحفى حلمى سلام ممن حضروا اللقاء، ويقدم شهادته لرشاد كامل، مؤكدًا أن الاجتماع استغرق ساعتين ونصف الساعة، وحضره، على صبرى، كمال الدين حسين، عبدالقادر حاتم، صلاح سالم، فكرى أباظة، محمد التابعى، إحسان عبدالقدوس، فتحى غانم، يوسف السباعى، كامل الشناوى، مصطفى أمين، على أمين، محمد حسنين هيكل، وبعد أن بدأ المصورون فى التقاط الصور، طلب عبدالناصر منهم سرعة الانتهاء حتى يبدأ حديثه، وبعد خروجهم بدأ الحديث.
يضيف «سلام» أن عبدالناصر بدأ قائلا: «عاوز أتكلم بكل صراحة علشان تعرفوا وجهة نظرى، وأريدكم أيضا أن تتكلموا بكل صراحة كى أعرف وجهة نظركم، وأنا أعتبر أن الصحافة يجب أن تكون رسالة أكثر منها سلعة أو تجارة، لأنها إذا أصبحت سلعة أو تجارة ستسير فى الطريق الذى تسير فيه التجارة فى أى مجتمع»، وقال أيضا: «الأمر المهم فى رأيى أن نحدد طريقنا. نسأل أنفسنا، إيه هدفنا؟، ما المجتمع اللى عايزين نعيش فيه؟ المجتمع الذى نريد أن نبنيه؟، هذا المجتمع بالقطع مش مجتمع القاهرة ولا النادى الأهلى ولا نادى الزمالك ولا نادى الجزيرة ولا السهرات بتاع الليل، أبدا مش هو ده اللى إحنا عاوزينه.. إذا أردنا أن تكون عندنا فعلا صحافة يجب أن تكون فى خدمة مجتمعها الأصيل الطبيعى اللى إحنا جينا منه، واللى جاء منه كل واحد فينا، هو ده المجتمع الأصيل الطبيعى، ومش الذى تكتبون عنه فى سهرات الهيلتون، السهر بالليل يمكن يكون لطيف، والحكايات وسيرة الناس مسلية، وكل واحد حر فى حياته العادية ولكن، هل ده دور الصحافة؟، يضيف «سلام»: «عبدالناصر قال يومها، إنه سيرفع الرقابة على الصحف، فوقف مصطفى أمين، وطلب استمرارها، وكانت وجهة نظره أن وجود الرقيب أدعى إلى الأمان، وأذكر أن عبدالناصر قال: خلاص طالما أنتم عاوزين الرقابة.. يبقى تفضل».
يؤكد «سلام»، أن عبدالناصر أكد أن الصحافة من حقها بل من واجبها أن تنقده، وقال بصراحة: «إحنا مش عاوزين التسبيح، النظام كنظام ثابت وقائم ومدعم الأركان تدعيما كاملا، وعلى هذا الأساس واجبكم إذا وجدتم أى وضع غير مستقيم أن تنقدوه، ويجب أن يشعر الناس أن فيه نقد وأن فيه عيون مفتوحة، وإلا كل واحد مسؤول يبقى متصور نفسه متغطى ولا أحد يراه، امسكوا جميع قطاعات الدولة، وإذا كانت فيه حتة خربانة قولوا إن الحتة دى خربانة».
يضيف «سلام»: «لم يترك عبدالناصر صغيرة ولا كبيرة فى شؤون الصحافة إلا وكان له عليها عتاب أو ملاحظة، فمثلا كان غاضبا من الموضوعات الصحفية التى تهاجم الفنانين بغير وجه حق، وقالـ«الفنانين لهم رسالة زى الصحافة تمام، بالأغنية، باللحن، بالسينما، بالصورة، بالتمثال، نعتبرهم رأس مال كبير جدا، ولهم أثر كبير.. كان فيه فكرة إنهم يمنعوا الأغانى والمغنيين بتوعنا من التعامل مع محطة إذاعة لندن، ولكن كونك تفتح لندن وتسمع عبدالحليم حافظ وتسمع عبدالوهاب فى رأيى مكسب عظيم، ولابد أن ندعم طبقة الفنانين بحيث نمكنهم أكثر من أداء رسالتهم».
يؤكد «حنفى محمود»: «إزاء هذه اللفتة التى حوت الكثير من المعانى، أقلها التقدير والتكريم، توجه «عبدالوهاب» مصطحبا عبدالحليم إلى القصر الجمهورى لتسجيل شكرهما على لفتة الزعيم»، ووصفت الأهرام الزيارة فى عددها «1 يونيو 1960» قائلة: «فوجئ الموسيقار عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ أثناء توقيعهما فى دفتر الزيارات بالقصر الجمهورى لشكر الرئيس على ما صرح به بالنسبة لتقديره فنهما ومجهودهما خلال حديثه لرؤساء تحرير الصحف، فوجئا بالرئيس وهو يترك مكتبه فى طريقه إلى بيته، شاهدهما الرئيس وحياهما وتحدث إليهما».